جسد المخرج "يحي بن عمار" مسرحية اللاز المقتبسة من رواية الأديب الراحل "طاهر وطار" والتي تحمل ذات العنوان، أين تم عرضها أمس الأول بالمسرح الوطني محي الدين باش طارزي، خلال عمل نحث في قالب محاكمة، أطرافها ومتهميها تلك الإيديولوجيات المختلفة التي انضوت تحت لواء ثورة تحرير، وخون أحيانا اصحابها، فقط بتهمة اختلاف انتماءاتهم الفكرية. مسرحية "اللاز" لمسرح سوق أهراس و اقتباس محمد بورحلة حملت كثيرا من الرمزية، خدمها في ذلك النص العميق للكاتب الكبير طاهر وطار، وفي ديكور بسيط إلى أقصى حد وذكي في الآن ذاته، تداولت عبره أحداث العمل، لتغوص في حقيقة تاريخية، رسمها رجال حملوا السلاح ضد المستعمر الفرنسي، ووضعوا اليد في اليد في سبيل الهدف الأسمى، رغم أن فيهم المتشبع بالفكر الليبرالي، وآخرون هم ماركسيون، من أبناء التوجه الميصالي... سبعة شخصيات في زيها العسكري، صوروا ذلك التخوين والتهم التي كانت تقع أحيانا بسبب التوجس من كل ما هو فكر مخالف، هذه الشخصيات تكون في البداية عبارة عن تماثيل لمعلم تاريخي، يحركها "اللاز" حين يبث الحوار فيها لتعيد تجسيد واقعة سقوطهم في كمين محكم للعدو، خلف في صفوفهم خسائر فادحة، هنا، يغرق "السي بلعيد" في شكوكه، فكل المعالم تؤشر إلى وجود خيانة، تبدأ المحاكمة بين الشخصيات، و"اللاز" يتفاعل بكلامه الشحيح، وعبارته المتكررة باستمرار "'ما يبقى في الواد غير حجارو". لم يكن صعبا أن تتوجه أصابع الاتهام نحو "سي زيدان" بقبعته الروسية ورفيقه "سي جلال"، فهما مشبعان بأفكار غريبة عن المجموعة، درسا في روسيا، يرددان عبارات مبهمة، عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية...، هذا كان يكفي ليكونا المتهمان الأولان، يخيران بين الإعدام والسلخ، وإما الانسلاخ، من هذا الانتماء... لغة المسرحية جاءت في مجملها بلغة عربية فصيحة، تمكن الممثلون إلى حد مقبول جد في إيصالها بتمكن، برهنوا بذلك عن نجاح الكاستينغ المنجز. البطل الرئيسي "اللاز" أوحى بالجنون، ليكون صوت الحكمة والضمير ، اكتفى بالتمتمة والتفاعل مع الحوارات، والصراعات. الإضاءة كانت في خدمة العمل مركزة غير مبالغ فيها، تعزل وتكشف الشخصيات وفق تطور الأحدث، لم تكن هناك إكسسوارات كثيرة، ما عدا بعض الحصوات الملقاة على الركح، الأسلحة التي طارت مع بداية المسرحية لتعلق في السماء، دلالة على أن الثورة مقدسة وفوق الجميع، إضافة إلى قطعة حديدية متنقلة كانت، حجر الأساس الذي دارت فيه الأحداث بذكاء، حولت أحيانا إلى منصة، وأخرى إلى برج مراقبة، باب، وجدار...