الإعدام هو الالتماس الذي انتهى إليه ممثل الحق العام في نهاية مرافعته ضد (د. سيد علي) و (ن. يوغرطة) المتهمين بالقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد المتبوعة بالسرقة المقترفة بظرف الليل والتعدد والعنف إضرارا بالضحية (ب. محمد) وهذا بمسكنه الكائن ببني مسوس أعالي العاصمة، حيث كانت محكمة الجنايات لمجلس قضاء الجزائر مسرحا لمحاكمتهم نهاية الأسبوع المنصرم. واقعة القتل التي تعود إلى تاريخ 26/03/2003 اتفق طرفاها في جلسة المحاكمة على طبيعة الأشواط التي قطعاها مع الضحية الى غاية دقائق قبل قتله قبل أن يصل كل واحد على إلقاء التهمة على الاخر في التخلص منه، وكيف قسمت الأدوار بينهما لقتل الضحية وهو رجل مقاول نزل من مدينة الشلف منذ أكثر من 7 سنوات ليصبح في ظرف وجيز (صاحب الدخلات والخرجات) على حد تعبير أحدهم في جلسة المحاكمة. فالمتهم يوغرطة وهو شاب نحيف وقصير القامة، ذكر للسيد رئيس محكمة الجنايات أنه بطال وكان بصدد البحث عن فيزا للخروج من أرض الوطن بحثا عن بصيص الأمل الذي لم يجده في وطنه، وبسبب ذلك تعرف على شخص يكنى مهدي الذي عرّفه هو الآخر بالضحية حيث أعطاه رقم هاتفه، وبعد اتصالات بالضحية وتعزز أواصر الثقة عدة مواعيد بينهما في المقاهي وقاعات الشاي، انتهى الأمر الى أن طلب من المتهم تسليمه جواز سفره ومبلغ 700 أورو على أن يدفع منها 400 أورو كدفعة أولى، وهو ما حدث حيث زاده بعد مدة قصيرة مبلغ 300 أورو المتبقية، وكان الضحية ساعتها قد ضرب للمتهم يوغرطة موعدا لتسليمه جواز سفره وعليه التأشيرة المطلوبة في أجل لا يتعدى 25 يوما، إلا أن الأيام مرت وبات الضحية يتهرب منه، حسب تصريحات المتهم دائما، بعد انقضاء الأجل المحدد، وكان حين يلقاه يقدم له شتى الأعذار ويطالبه دائما بالمزيد من الصبر ومن التسديد بالأورو وبالعملة الوطنية التي وصلت الى حد مبلغ 5000 دج قبل أن يصل الأمر الى أن طلب الضحية من المتهم عدم الاتصال به على رقمه القديم، زاعما أن هاتفه قد سرق منه ليغيب بعدها الضحية عن الأنظار بصفة نهائية يقول المتهم يوغرطة، الشيء الذي دفعه لأن يعرض على صديقه مهدي، الذي كان واسطة بينهما، حقيقة ما وقع، فراح هذا الأخير، الذي شعر أنه بمثابة الضامن، يبحث هو الآخر عن مقر سكن الضحية ورقم هاتفه الجديد وكان له ذلك بعد مضي أسبوع، وأبلغ المتهم الاول يوغرطة الذي طالب بدوره من المتهم الثاني "د.سيد علي" (مسبوق قضائيا) وتربطه به علاقة صداقة أن يوصله الى بني مسوس على متن سيارته من نوع بيجو 305 وفي الطريق قص عليه قصته وعند وصولهما الى الفيلا المقصودة طرق المتهم الأول الباب فخرجت له فتاة تدعى فائزة الشاهدة في قضية الحال حيث تستغل مرآبا بداخل الفيلا خصصته للخياطة وعند سؤالها عن الضحية ذكرت له هذه الأخيرة أن الضحية بدوره مستأجر لطابق ولا يدخل شقته إلا في المساء ويخرج منها مبكرا، وهنا قدم المتهم الثاني نفسه للشاهدة على أنه من الأمن العسكري كما ورد ذلك على لسانها في محاضر السماع وسلمها رقم هاتفه الشخصي وطلب منها أن تتصل بمجرد رجوع الضحية. في المساء وفي حدود الساعة الثامنة رجع المتهمان إلى بيت الضحية فوجدا نور غرفته مشتعلا فتيقنا بوجوده، حيث ذكر المتهم الأول أنهما صعدا معا إلى شقة الضحية، وبعد استقبالهما وإلقاء يوغرطة اللوم على الضحية بسبب تهربه منه لمدة 7 أشهر وطلب منه أن يرجع له جواز سفره فأجابه الضحية أنه ليس عنده في البيت وطلب من المتهمين أن يوصلاه إلى برج البحري من أجل جلبه من شخص تبين أنه بمخمرة والده حسب تصريحات زوجته، وعند التقائه واحتساء بعض أكواب الجعة، أراد المتهم الأول استرجاع كل ما قدمه للضحية فوعده هذا الأخير بأنه سوف يسلم له يوم الغد شيكا مقابل كل ما دفعه له من مبالغ وطالب منه إرجاعه لبيته ببني مسوس مع ظلمة الليل، وفي طريق عودتهما يقول يوغرطة بأن المتهم الثاني عرج بهم بداية على باب الوادي حيث أنزل ابنته عند أهلها في حين نفى المتهم الثاني ذلك وأكد أنها ظلت مرافقة لهم، وعند وصولهما الى بني مسوس ذكر المتهم الأول على أنهما صعدا معا مع الضحية لشقته حيث بقي هو والضحية في بيت الاستقبال بينما بقي المتهم الثاني سيد علي في غرفة أخرى، مضيفا أن المتهم حين فتح له خزانته سقطت منها مجموعة من جوازات السفر الشيء فتأكد أنه كان يتعامل مع نصاب نصب عليه كما نصب على أصحاب الجوازات السفر التي كان عددها يقارب ال30، فقام حينها يوغرطة بخطف مجموعة منها (وعددها 11) وأخذها منه كضمان لاسترجاع أمواله، الأمر الذي لم يعجب الضحية الذي ثارت ثائرته عندما وجد المتهم الثاني يفتش هو الآخر في أغراضه الخاصة بعد أن قدم نفسه ساعتها على أنه من الأمن العسكري فدخل معه في مناوشات كلامية فقام سيد علي حسب المتهم الأول دائما بتوجيه لكمة للضحية أسقطته أرضا ودخل معه في عراك فوق الفراش. وذكر المتهم الأول في جلسة المحاكمة أنه لم يستطع فك الشجار واكتفى بإنزال جهاز "الديمو" والتلفاز والهاتف إى سيارة المتهم الثاني التي كانت راكنة عند باب الفيلا وعند رجوعه إلى بيت الضحية وجده مغمى عليه. لكن عند الحضور الأول وحتى عند بداية التحقيق كان المتهم الأول دائما يذكر بأن المتهم الثاني (سيد علي) قام بمسك الضحية من رقبته ثم اسقطه أرضا فوق الفراش وهو على هذه الحالة طالب منه مساعدته على ربط أطرافه، فقام يوغرطة بربط أيدي الضحية بقميص ورجليه بسروال حتى لا يستطيع الضحية المقاومة ثم قام بنزع جوارب رجليه ووضعها في فم الضحية بالقوة، وهذا حتى لا يستطيع الصراخ وطلب النجدة، ثم قام المتهم الثاني بخنقه الى أن فقد وعيه ثم قاما معا بإنزال بعض الأجهزة الالكترونية وغادرا بيت الضحية. وذكر أنه في اليوم الموالي رجعا صباحا الى مسرح الجريمة واسترجع ورقة هاتفه من الشاهدة لمسح كل أثار الجريمة. المتهم الثاني وفي جلسة المحاكمة ذكر أنه بعد قيامهما بارجاع الضحية ليلا الى بيته كانت معه ابنته في السيارة وأن المتهم الأول هو الذي صعد مع الضحية الى بيته وبقي هو في سيارته وبعد مرور 10 دقائق نزل المتهم الأول رفقة الضحية وبيده تلفاز وديمو وفي الطريق سأله عن ذلك فقال المتهم الأول بأنه قد أخذها كضمان لاسترجاع أمواله، مضيفا أنه لا يشك حتى في أن يكون يوغرطة هو من قام بقتل الضحية. السيد رئيس الجلسة ذكر المتهمين بنتائج الخبرة المتوصل اليها من تشريح جثة الضحية الذي كان له بنية فيزيولوجية قوية وجسم مكتمل وقوي وله وزن وقامة معتبرة يستحيل أن يقوى على قتله شخص واحد بل إن الفاعلين حسب الخبرة كانوا على جنبي الضحية يمينا وشمالا في ذات الوقت لارتكاب الأثار المتروكة على جسمه ورقبته، كما ذكرت الخبرة أن الضحية قد ضرب بجسم صلب على رأسه أدى الى إغمائه ونزيف داخلي من الجهة اليسرى لجمجمته إضافة الى أن النتائج تظهر أيضا أن الضحية أبدى مقاومة شديدة وهو ما تبين أن الفاعل لم يكن واحدا. بعدم مرافعة دفاع المتهمين حيث نفى كل واحد منهما وجود ضمن الملف ما يثبت وجود القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد بحكم أن الأول كان ضحية نصب وذهب لاسترجاع وثائقه وما له لا قصد القتل والثاني مجرد صاحب طاكسي لا ناقة له ولا جمل في قضية الحال ليطالب دفاع المتهمين اعادة تكييف الوقائع إلى ضرب وجرح عمدي مؤدي الى الوفاة دون القصد في احداثها لعدم انصراف نية موكليهم الى القتل أصلا، رغم نفي كل دفاع أن يكون موكله هو الذي قام بالقتل.