وأخيرا وبعد طول ترقب وانتظار، أطلق المخرج المخضرم أحمد راشدي العنان لمخيلته السينمائية الثورية من خلال العرض الشرفي الأول لفيلمه"مصطفى بن بولعيد" بطولة حسان قشاش وكوكبة من الاسماء الجزائرية، والذي كان يوم الأربعاء الماضي خاصا بوزارة المجاهدين وحضره فخامة رئيس الجمهورية رفقة كوكبة عدد من الشخصيات السياسية والتاريخية، أما العرض الثاني فكان يوم الخميس الماضي علما أن الفيلم من المقرر أن يكون عرضه العالمي الأول خلال مهرجان دبي السينمائي هذا الاسبوع في إطار المنافسة الرسمية له يومي 15 و17 ديسمبر الجاري . إن المتتبع لمجريات الفيلم التي كانت على مدار أزيد من ساعتين ونصف، وهي المدة الزمنية التي لم نشعر بمرورها لضخامة الاحداث المشوقة التي تناولتها، يخرج بإنطباع فريد لا جدال فيه وكان بين غالبية من تابعوا العرض يوم الخميس الماضي وفحواه أن المخرج أحمد راشدي قد تمكن بحكم أنه من جيل مخرجي الحقبة السينمائية التي أرخت للثورة الجزائرية من الانسلاخ أخيرا ولو بكثير من الحذر والاحتشام، من الصورة النمطية التي قبرت فيها الثورة خلال الستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وانسنها أخيرا من خلال الموسيقى المصاحبة لاحداث الفيلم وهي لصافي بوتلة وسليم دادا والتي ابتعدت كما تعودنا في السابق على النغمات العنيفة والعسكرية، وكان بها الكثير من الشاعرية، كما مكننا الفيلم من التعرف على أن لمصطفى بن بولعيد عائلة وزوجة وأبناء يشتاق اليهم غير أن الوطن أحق منهم . فيلم راشدي تأكيد للمقولة الشهيرة التي تردد دوما وهي أن الثورة تأكل أبناءها، ومكن المشاهد الجزائري العادي جدا أن يدرك أن الثورة الجزائرية لم تكن بردا وسلاما على من خطط لها وفجرها كما كانت تزعم الكثير من الكتب التاريخية الرسمية ودعم ذلك غالبية الافلام السينمائية الجزائرية، ومكننا أحمد راشدي من التطرق للمسكوت عنه بملفات هذه الثورة ومن بينها أن يظهر لاول مرة مصالي الحاج زعيم الحركة الوطنية بصورة وطنية ومن دون تجريح لافكاره وكذا الظروف التي أدت بحياة أو استشهاد الكثير من الزعماء الثوريين الجزائريين ومن ضمنهم مصطفى بن بولعيد، والجميع كان يترقب الكيفية التي سيتم تصوير هذا الموقف بالذات، ورغم ان أحمد راشدي قد أوضح صراحة لمكيدة إستعمارية لكنه في نفس الوقت أشار لضلوع القائد لعجيل في حادث إستشهاد مصطفى بن بولعيد وهي الحقيقة التاريخية التي يرددها بطريقة غير رسمية رفقائه في السلاح . من ناحية أخرى يمكن تسجيل بعض الملاحظات على الفيلم من بينها الإطالة في بعض مشاهد المعارك، والنوعية المغايرة للصور الجوية الملتقطة طول مدة الفيلم بالنظر للقطات ومشاهد المعارك التي كانت جد ناجحة وذكرتنا في كثير من الاحيان بالافلام الامريكية لبراعة تنفيذها، ومن أبرز اللقطات والمشاهد التي شدت جمهور قاعة الموقار حادث الفرار من سجن الكدية بقسنطينة، وهناك من إنتقد الوصلات بين مشهد وآخر وبخاصة ذلك الذي كان يصور من خلاله دخول مصطفى بن بولعيد هو الاول في الدهليز الذي قام بحفره بسجن الكدية بقسنطينة ليخرج من الجهة الاخرى هو الثاني بعد رفيقه العيفة، وتساءل البعض ايضا: لماذا لم يتم التنصيص للحوارات التي كانت تتم باللغة الفرنسية. هذه الملاحظات المستقاة أساسا من حبنا وغيرتنا على هذا الفيلم، يجب أن نسجل ضمنها احترافية البطل حسان قشاش في تقمص شخصية مصطفى بن بولعيد، وهو الدور الذي ربما سيجلب له الحظ في مهرجان دبي السينمائي إن لم يكن له فلمخرج الفيلم أحمد راشدي وللعمل على العموم، وهنيئا للثورة الجزائرية على أنسنتها أخيرا .