إذا جاز التعبير اللغوي، الذي اجتهدت ولم أجد بديلا عنه، يمكن أن نطلق على سنة 2008، التي يتهيأ العالم لتوديعها بعد ثلاثة أيام فقط بسنة "الاستخبارات العربية"، أو لنقل سنة الخيبات الاستخباراتية في بلاد العرب. من العاصمة الرياض، جاءنا خبر مقتضب، يقول إن مصالح الاستخبارات السعودية، تقوم باحتجاز مهندس مصري مختص في المعلوماتية، منذ شهر أوت الماضي، بتهمة التجسس لبلاده على أسرار المملكة، ومن العاصمة الجزائر، جاءنا خبر آخر على لسان القيادي السابق في شركة صناعة الموت "الجيا" عبد الحق لعيايدة، يقول وهو في كامل وعيه، إن مصلحة الاستخبارات المغربية، دعته رسميا في منتصف التسعينيات إلى ضيافة "أمير المؤمنين" الراحل الحسن الثاني، وحاولت تجنيده ليتجسس على بلاده لصالح المملكة. ومن فلسطين المحاصرة تحت قمع اليهود، جاءنا خبر ثالث على لسان قيادي في حركة "حماس"، يقول إن حركته تملك " كنزا" من الوثائق الرسمية التي تدين بعض قياديي حركة "فتح"، بالتجسس على الجزائر لصالح فرنسا. ووسط هذه الأخبار المتعلقة بأربع عواصم عربية، تعد من الدول المؤثرة في القرار العربي، لا نقرأ خبرا واحدا يرتبط بقصة "جاسوس" كما يسمى في لغة الاستخبارات، أو بطل عربي، نجحت الأنظمة العربية في تجنيده للتجسس على أسرار العدو المشترك لجميع العرب، وأقصد بذلك إسرائيل. العرب يتجسسون على بعضهم، ويدسون لبعضهم الدسائس، ولا أدري لماذا يلجأون إلى ذلك، في وقت يعلمون أن المطلوب منهم هو التجسس على عدوهم المشترك، أو على أعدائهم المتفرقين وليس على بعضهم، ليس من باب الإدعاء بالمصلحة المشتركة والدم المشترك، ولكن من باب آخر، هو أنهم جميعا لا يملكون ما يستوجب التجسس. السلاح الخفيف، يقتنونه وفق صفقات مكشوفة، يعلم بها العدو قبل أبناء جلدتهم، وتنشر أرقامها وتفاصيلها في سائر المنشورات المتاحة للقراءة، والسلاح الثقيل "النووي" لا يملكونه، والعالم كله يعرف هذا، فلماذا يتجسسون على بعضهم؟ الذي يعرفه الناس جميعا، أن تكلفة إعداد وتجهيز جاسوس واحد محترف وفعال، منذ بداية تدريبه الذهني، وصولا إلى مرحلة العطاء، عملية مكلفة جدا، وقد تفوق ميزانية قطاع وزاري، فما هو الشيء الذي يخيف العرب من بعضهم، ويجعلهم يضحون بهذه الميزانية الثقيلة؟ قد يكون الخبر الذي سربته "حماس" الفلسطينية حول عملاء "فتح" وموضوع تجنيدهم من طرف فرنسا للتجسس على الجزائر، استثنائيا من جملة التساؤلات التي يمكن طرحها هنا، لكن ما الذي يجنيه المغرب من تجسسه على الجزائر، وما الذي تجنيه المحروسة مصر من تجسسها على المملكة السعودية؟ تفسير واحد يجعلنا نقتنع بالحكاية وما فيها، وهو أنه في الحالة السعودية، يمكن لإخواننا المصريين أن يتجسسوا على الحرمين المكي والنبوي، من باب الفضول المصري الزائد عن حده لمعرفة عدد قاصدي هذين المزارين الدينيين في إطار دراسات سياحية، وفي الحالة الجزائرية، يمكن أن نصدق الأمر ونتعامل معه بجدية إذا سلمنا أن الإخوة المغاربة يتجسسون على الجزائر في إطار تأمين الحدود لضمان تمرير قوافل الكيف والزطلة بأمان، أما مادون ذلك فليس للعرب ما يجعلهم عرضة لتجسس أشقائهم عليهم. سعيد مقدم