ما أكثر التجارب والأمثلة عند صحفيين لم تكن الصحافة في بداية حياتهم المهنية هدفا بحد ذاته، لكن وجدوا أنفسهم يمارسون مهنة المتاعب، كحال ضيفنا لهذا الأسبوع ممثلا في رئيس تحرير جريدة ''الشباك'' جمال أومدور الذي قال لنا بأنه جاء إلى الصحافة بالصدفة، وهو الذي تخرج في معهد العلوم السياسية... وفي هذا الحوار حاولنا معرفة أهم مراحل مشواره المهني وآرائه حول واقع الصحافة الرياضية. كيف اقتحمت عالم الصحافة الرياضية؟ - أنا خريج معهد العلوم السياسية دفعة جوان 1990 وقد اقتحمت عالم الصحافة الرياضية صدفة حيث كنت في زيارة لزميل لي بجرية الشعب في شهر سبتمبر 1990 وهناك التقيت الأخ عمار كحول، حيث تناولنا أطراف الحديث وأدرك يومها بأنني حائز على شهادة ليسانس، ومطلع على شؤون الرياضة، فاقترح عليّ الانضمام إلى طاقم الخبر التي كانت تستعد للصدور، فقبلت الفكرة كوني شابا ولم يكن أمامي أي خيار آخر باعتبار أنني أنهيت دراستي في الجامعة، وهكذا التحقت بالقسم الرياضي للخبر حيث كان المدير العام المالي للجريدة الشريف رزقي رئيسا للقسم الرياضي بمساعدة الأخ كحول. وبعد مضي شهرين تقريبا، حدثت بعض المشاكل عرقلت صدور الجريدة حيث تأخر الموعد إلى شهر نوفمبر وأتذكر أنني أنجزت بعض المقالات، لكن القدر شاء أن أعود إلى جريدة الشعب حيث عملت فيها كمتعاون قبل أن أتوقف مطلع جانفي 1991 وأعود إليها بعودة عز الدين ميهوبي الذي عين يومها مديرا للتحرير بعدما كان صحفيا ومراسلا للجريدة من سطيف، وأتذكر أن الأخ عز الدين ميهوبي الذي يعد أحد أصدقائي الذين أفتخر بمعرفتي لهم هو الذي ساعدني كثيرا في ولوج عالم الصحافة الرياضية ومواصلة المشوار إلى يومنا هذا، وكما قلت فإن ميهوبي استغرب توقفي رغم كوني كنت أحد الشباب البارزين في القسم مما جعله يفوض أحد الزملاء للاتصال بي للعودة بسرعة إلى العمل، فقبلت ذلك وعدت أدراجي إلى الشعب هكذا إذن كانت بدايتي مع الإعلام الرياضي. رغم مكوثك في جريدة الشعب لمدة طويلة وصلت إلى ست سنوات، إلا أنك غادرت هذه المدرسة العريقة، ما هي خلفيات الطلاق؟ - لم تكن في الحقيقة أي خلفيات وكل ما في الأمر أن ذلك تزامن مع المستجدات الاقتصادية التي مست قطاع الصحافة آنذاك من خلال إجبار المؤسسات على تقليص عدد العمال في إطار جمع عدة عناوين فيما يسمى آنذاك التجمعات الصحفية HOLDING. وللعلم فإن جريدة الشعب كانت تضم ما يقارب ال 09 عاملا بين صحفيين وموظفين وتقنيين، حيث تم تقليص عددهم إلى حوالي 04 عاملا. وبما أنني كنت من العمال الجدد وعازبا، فإن العملية مستني رفقة بعض الزملاء. والأغرب أن قرار التسريح شمل أقلاما كفأة كانت تساهم في إنجاز جريدة الشعب، وأغلبها التحق فيما بعد بالتلفزيون الجزائري على غرار مليكة سوطو، ودليلة بوراس التي تشتغل حاليا كناطق رسمي باسم منظمة الأمم المتحدة بالجزائر. ثم جاءت مرحلة الأسبوعيات الرياضية وتجربة ''الكرة''؟ - بالفعل مع بداية التحضير لبعض الأسبوعيات الرياضية على منوال جريدة ''المنتخب'' التي كانت السباقة مع جريدة الهدف المفرنسة، بادر بعض الزملاء إلى إصدار بعض الصحف الرياضية، فكان لي الحظ أن كنت ضمن طاقم مشروع ''الكرة''، حيث بدأت الرحلة معهم منذ العدد الأول واستغرقت التجربة سنة كاملة ما بين جوان 79 إلى غاية أكتوبر 1998 حيث خضت تجربة جديدة وأنا الذي عملت فقط في يومية ''الشعب''، غير أن التجربة في ''الكرة'' لم تدم طويلا إذ ولأسباب شخصية، وإثر قرار جماعي اتخذه طاقم الجريدة آنذاك غادرت أسبوعية ''الكرة'' تضامنا مع الزملاء لألتحق معهم في مشروع إنجاز أسبوعية ''الهداف'' التي رأت النور في الفاتح نوفمبر 8991. وقد كانت مغامرتي في هذه الأسبوعية التي دامت أربع سنوات مفيدة، أكسبتني معرفة حقيقة الأشخاص وعلمتني خبايا أخرى عن واقع الصحافة الرياضية في بلادنا، أضفتها إلى رصيدي المهني السابق الذي بدأ يطول مع مرور السنوات، ومعرفة الناس والاحتكاك بهم. هل كانت مغادرتك لجريدة ''الهداف'' كما ''الكرة'' أم هناك أسباب جديدة؟ - في الواقع تجربتي في الصحافة الرياضية وكفاءتي الميدانية جعلتني أحس بأنني قادر على تولي مسؤوليات، وهو ما افتقدته لما كنت في جريدة ''الهداف'' حيث بقيت كصحفي بسيط رغم أنني والكل يشهد أن تلك المعاملة التي عشتها لا أستحقها خاصة مع بداية تقدمي في السن، تصور أنني كنت دائما في الميدان وعشت تجارب قاسية في تغطية النشاطات الرياضية عامة والكروية خاصة من مضايقات وعنف لا يمكن تصوره، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمباريات القسم الوطني الثاني التي غطيتها مرارا، وقد نجوت في كذا مناسبة من اعتداءات وإصابات بالحجارة التي كانت تتطاير من كل مكان، وهنا أتذكر جيدا أن قراري بالاستقالة اتخذته بملعب ركاز ببوفاريك خلال لقاء النادي المحلي ومولودية الجزائر عندما كانت تلعب في القسم الثاني، عشنا نحن الصحفيين أمسية سوداء من إهانة وشتم وإعتداءات واستفزازات من طرف بعض العناصر بالملعب من جمهور ومسيرين ومنظمين، وإحساسا مني بأن مستواي وكفاءتي لا يسمحان لي بالعمل في تلك الأجواء المتعفنة والمشحونة قررت مغادرة هذه الأسبوعية دون رجعة لا سيما وأن زملائي في الشباك تمنواأن أكون ضمن طاقم تحريرها بصيغتها الجديدة وهكذا التحقت بالزميل معلومي ياسين الذي كان هو كذلك ضمن صحفيي ''الهداف'' وأنشأنا ''الشباك'' بطبعتها الجديدة. هل يمكن القول بأن الصحفي جمال وجد اليوم ضالته في جريدة الشباك؟ - الحمد لله، بعد المجهود الكبير الذي بذله كل طاقم الجريدة من تحرير وتوزيع وإدارة، استطعنا أن نقدم جريدة محترمة لقرائنا، والفضل كل الفضل يعود إلى عامل التجربة، فكل الذين أشرفوا على الجريدة لديهم باع في الصحافة الرياضية من أمثال ياسين معلومي، السعيد سلحاني، سمير حمزة، عبد العزيز حضار وغيرهم، فكان ذلك بمثابة الدافع القوي الذي جعل هذه الجريدة تصمد في السوق رغم العراقيل والعواصف التي كانت تتعرض لها من كل مكان ومن عدة أطراف سعت جاهدة لإطفاء هذه الشمعة التي جاءت لتساهم في إضاءة حقل الإعلام الرياضي. نحن الذين جعلنا من المصداقية والشفافية وخاصة المهنية والوفاء لجمهورنا شعارا، فحاولنا أن نرسم للجريدة خطا مغايرا لما هو سائد في الساحة الإعلامية الرياضية. بعملية حسابية أنت الآن تعيش عامك ال 91 في الصحافة الرياضية، إذا طلبنا منك أن تقيم لنا مشوارها ماذا تقول؟ - لو أردت أن أختصر هذه السنوات لقلت بأن الصحافة الرياضية شهدت عبر مسيرتها التي عشتها منذ 1990 تطورات كثيرة، إذ بعدما كانت منحصرة في بعض العناوين العمومية تغير وجهها ومسارها مع بروز التعددية الاعلامية حيث حضرنا إلى صدور عناوين رياضية خاصة عديدة منها ما كتب له البقاء ومنها ما لم يعمر طويلا، والصحافة الرياضية التي عرفتها أنا غلب عليها الجانب التجاري، فأصبحت الإثارة سيدة كل شيء ولو على حساب الضمير والأخلاق المهنية عند البعض، كما اختفت بالمقابل الأقلام البارزة. ففي السابق لما كنت قارئا بسيطا شدتني بعض الأقلام على غرار عز الدين ميهوبي، المرحوم مختار شرفي، حميد طهري، رضوان بن دالي، معمر فراح، بينما اليوم افتقدنا لمثل تلك الأقلام التي أعطت بكتاباتها الهادفة نكهة خاصة، ومثل هؤلاء لم نعد نجد لهم أثرا في الساحة الإعلامية الرياضية التي غلب عليها الجانب التجاري. ما يؤخذ على الصحافة الرياضية حاليا هو جنوحها إلى استعمال العامية، هل تعتقد بأنها ظاهرة صحية للرياضة أم العكس؟ - هذا الأمر صحيح، وما أريد التأكيد عليه هو أن إحدى الصحف المتخصصة في الرياضة هي التي بدأت تجربة الكتابة ''بالدارجة'' كأسلوب حاولت من خلاله مخاطبة وإثارة اهتمام فئة الشبان وخاصة ذوي المستوى الثقافي المحدود، وهو أسلوب ساعدها بشكل أو بآخر في اقتحام السوق وبالتالي الشارع الكروي في بلادنا وباتت مع مرور الوقت بمثابة موضة جنحت لها العديد من الأسبوعيات التي للأسف الشديد لم تبلغ ما بلغته الجريدة صاحبة الفكرة. وفيما يتعلق بنا نحن في جريدة الشباك، فإن الأمر ليس كذلك، حيث نحاول يوميا التقليل من استعمال العامية في مخاطبة جمهورنا لأن رسالتنا واضحة وهي خدمة الرياضة أولا والتثقيف ورفع مستوى المعارف الرياضية والإعلام بصفة عامة. دأبت الشباك على تنظيم ''فورومها'' التقليدي الذي بلغ درجة عالية من المهنية وهو يعيش عامه الثالث، هل تظن بأنه ساهم في الترويج للجريدة؟ - بطبيعة الحال ''الفوروم'' الذي أصبح موعدا تقليديا ساهم في خدمة الرياضة أولا من خلال استضافته لعديد الشخصيات الرياضية لطرح مشاكل القطاع أمام الصحفيين ومحاولة رفع مستوى معالجة الواقع الرياضي في بلادنا على نحو ما تقوم به بعض العناوين الأخرى في مجالات أخرى، وهو ما جعله يخدم الجريدة بشكل غير مباشر، ونحن كمسؤولين نريد أن نسمو به إلى أعلى درجة من خلال مساعينا لمحاولة استضافة شخصيات أجنبية مثلما فعلناه في العديد من المناسبات. كما أن فوروم الشباك هو واحد من المشاريع الكثيرة التي يريد طاقم الشباك تجسيدها لما تتاح الفرصة وتتوفر الإمكانات. ففي السابق كان همنا الوحيد هو إيصال الجريدة إلى فرض نفسها في الساحة واستقرارها، ومع مرور الأيام شرعنا في التفكير في استحداث مثل هذه المبادرات التي تخدم الرياضة وأردناها كبديل لما هو موجود لا سيما وأن الساحة الإعلامية افتقدت لها، فلا أحد فكر في فتح منابر جديدة لمناقشة وطرح مشاكل القطاع وأتمنى فقد أن يطول عمر ''الفوروم'' وأن تحذو حذونا بقية الصحف. هناك العديد من العناوين الأسبوعية التي تحولت إلى يومية ما هو موقع الشباك في هذه المنافسة الشرسة؟ - أولا أنا لست من المتحمسين لتحويل العناوين الرياضية إلى عناوين يومية لعدة أسباب، أولها أننا لا نملك قاعدة شعبية تهتم بالرياضات الأخرى غير كرة القدم، فاليومية لا بد أن تأخذ في الحسبان وتتابع أخبار كل الرياضات مثل ما هو معروف في مختلف اليوميات الرياضية العالمية، بينما عندنا فالاهتمام مركز على كرة القدم، صراحة ما الجديد الذي قد يطرأ على هذا الفريق أو ذاك في ظرف ساعات قليلة، لذا فالصحفي غالبا ما يدخل في الكتابة من أجل الكتابة وملأ الصفحات ليس إلا، وفي بعض الأحيان يضطر إلى الكذب ونشر معلومات لا تعدو كونها إشاعات وما يتردد في المقاهي. أما بخصوص وضعية ''الشباك'' فهي محفوظة ولا خوف عليها، فمنذ أن تحولت الأسبوعيات إلى يوميات لم تتأثر مبيعات ''الشباك'' بل بالعكس ارتفعت درجة مصداقيتها كونها تلتزم المهنية والمصداقية بعيدا عن أي مزايدات أو وازع تجاري لها. أي مقارنة يمكن القيام بها عند حديثنا عن الصحافة الرياضية المعربة والمفرنسة؟ - في الواقع لا يوجد أي اختلاف، بدليل أن بعض الصحف تكتب نفس الأخبار ونفس المعلومات وبنفس درجة الإثارة، وذلك أمر مفهوم طالما وأن خط الجريدة يرتكز على البيع والربح ولا شيء غير ذلك. هناك من يتهم الصحافة الرياضية بالضلوع في مشاكل العنف في الملاعب هل توافقهم الرأي؟ - أنت محق، لأن بعض الصحف وليس كلها تعتمد أسلوب الإثارة مما يؤثر على سلوكات الشبان الذين تحولت كرة القدم عندهم إلى عبادة لا رياضة، وإلى شحناء لا وسيلة تعارف، مما ينعكس مباشرة على تصرفاتهم وسلوكاتهم فوق المدرجات، لكن هذا لا يعني أن الصحافة هي المشكل بل العنف له جذوره ومسبباته، فالإشكال يكمن أولا في غياب وإنعدام التربية، وفي تقصير عدة جهات في القيام بدورها مثل الأسرة، المسجد والمدرسة التي كانت في السابق النواة الأساسية لبناء شخصية الفرد. وللأسف هذه الجهات تركت المبادرة للشارع الذي أصبح يفعل فعلته، وحل محل كل محاولة بناء لاجتثاث هذه الطاقة ومختلف الآفات الاجتماعية الأخرى التي تجذرت في مجتمعنا، أنظر مثلا في بعض ملاعب جيراننا حيث تنتقل أسر بكاملها إلى الملعب بما في ذلك الرضع والشيوخ ولا أحد يتجرأ أو يتفوه بكلمة بذيئة أو بتصرف مشين، لأن المكان عائلي بالدرجة الأولى ومصدر للترفيه عن النفس من خلال النكهة والعروض التي يقدمها الفاعلون في الملعب، بينما في الجزائر فالعكس تماما يحدث، فلا تربية ولا أخلاق ولا احترام، والأدهى من ذلك أن العنف أصبح مصدره الميدان وليس المدرجات، أبطاله المسيرون والتقنيون وحتى بعض اللاعبين الذين عوض أن يلتزموا ويحترموا قرارات الحكام يتفجرون، فتنفجر بالتالي المدرجات ويتحول الملعب إلى حلبة لمختلف الرياضات القتالية تمتد في غالب الأحيان إلى الشوارع والممتلكات. معروف عنك أنك تناصر المولودية العاصمية، هل هذا يؤثر على كتاباتك حول هذا الفريق؟ - أولا أقول أن حبي للمولودية لم يعد كما كان عليه الحال في السابق، خاصة مع دخولي عالم الصحافة حيث اكتشفت خبايا هذا الفريق وترسخت لدي فكرة أن المولودية لم تعد بين أيادي أمينة، وكل من يريد أن يدخلها كمسير أو رئيس في الواقع ليس حبا فيها، وإنما للاستفادة منها. ثانيا كل من يقرأ كتاباتي حول المولودية يكذّب بأنني أحد مناصريها هي الصفة التي يتقاسمها كل الصحفيين الذين يناصرون العميد لأنهم في الواقع يتنافسون بينهم من أجل السبق لا سيما حين يتعلق الأمر بالفضائح والمشاكل الداخلية، في حين أن بعض الزملاء ممن يناصرون فرقا معينة يبدون تحيزهم لأنديتهم وأكثر من ذلك يخفون حقائق مثيرة يعلمها العام والخاص. الانتخابات الرئاسية على الأبواب هل تنوي المشاركة برأيك فيها؟ - بطبيعة الحال. هل سبق لك أن أديت واجبك الانتخابي؟ - تقريبا كل الانتخابات التي جرت شاركت فيها. هل يعيش جمال فقط على الأخبار الرياضية أم له ميولات أخرى؟ - باعتباري صحفيا فأنا أتابع كل شيء. ما رأيك في الصحفيين الرياضيين الذين دخلوا عالم إصدار الكتب؟ - أولا أحييهم وهذا اعتراف بمهنيتهم وتعلقهم بالصحافة والكتابة، لكن في نظري تكاليف إصدار الكتب باهضة وبالتالي الأسعار تكون كذلك مما يجعل الإقبال على منتوجهم محتشما.