من خلال القراءات العامة لأغلب المقالات و التحاليل الخاصة باليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة المصادف لتاريخ 3 ماي من كل سنة ، يلاحظ التركيز على جوانب مهنية متعلقة بظروف عمل الصحفيين الجزائريين سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص المستقل ، والأمر سيان بالنسبة للصحافة الصادرة باللغة العربية عن تلك الصادرة باللغة الفرنسية، لكن يعتقد أن حرية التعبير هي من صميم اهتمام المجتمعات كلية ومن بين الإشكاليات التي يمكن طرحها، قضية اختراق الفضائيات العالمية للمجال الحيوي للأسر ومن بينها الأسرة الجزائرية. تعاني المجتمعات العربية في بدايات القرن الواحد والعشرين من ظاهرة تدفق المعلومات من فضائيات تلفزيونية عديدة باتت تشكل خطرا على صحتها النفسية أكثر من خطر تدفق السلع والبضائع من الدول الغربية المتقدمة ، وباتت دولة مثل الجزائر يعيش شعبها على الضفة الأخرى من الأحداث بسبب ضعف القنوات التلفزيونية الجزائرية المتشابهة الى حد كبير في مضامينها رغم أنها موجهة الى أفراد يعيشون فضاءً مكانيا مختلفا، فمن القناة التلفزيونية الأرضية الجزائرية الموجهة إلى مستهلكين محليين يقدر عددهم ب 35 مليونا إلى قناة A3 الموجهة الى الدول العربية والجالية الجزائرية في هذه البلدان الى canal algerie الموجهة خصيصا الى الجالية الجزائرية في الدول الغربية عموما وفرنسا خصوصا، وحاليا قناة القرآن الكريم والقناة الأمازيغية ورغم هذا لا زال الجزائري يتحصل على العديد من القيم من القنوات الأجنبية الغربية وحتى العربية الترفيهية التي تبدو ثقافتها هابطة جدا لأنها تركز على الرقص والغناء والإيحاءات الجنسية . تؤكد التقارير الإعلامية أن الجزائر تعد من بين أكثر البلدان استهلاكا لبرامج القنوات الأجنبية ويستدلون على ذلك بوجود أكثر من 15 مليون هوائي مقعر في البيوت الجزائرية موزعة بين القمريين الاصطناعيين ( هوت بيرد ) أو ( نيل ساب وعرب سات ) ، ورغم أن القناة الجزائرية لا زالت تحتل صدارة القنوات المفضلة إخباريا على القنوات الأخرى حسب دراسة قامت بها مجلة ( جون أفريك خلال سنة 2005 ) الا أن مضامين القيم المستوعبة من طرف الرأي العام الجزائري باتت شبه دولية ، وكأن الجزائري قبل مرغما عنه العولمة الثقافية فهو يعرف أحداث العراق بالتفاصيل وأحداث فلسطين بالتفاصيل وأخبار الفنانين بالتفاصيل ولكنه يجهل ما حدث ويحدث في بريان وخنشلة والطارف وغليزان وتيارت رغم أن من أبرز القيم الخبرية التي تصنع اهتمام الرأي العام هو المحلية و الصفوة والسلبية والإثارة . يؤكد الدكتور محمود الذواذي عالم الإجتماع التونسي أن المجتمع العصري بات أسير بعض الرموز الثقافية في عصر الاتصال الجماهيري وهو يعني بالرموز الثقافية المقومات الأساسية التي تميز الجنس البشري ، وعلى رأسها اللغة ، والفكر بجميع مستوياته والعلم والمعرفة بالإضافة الى العقائد والديانات والقيم والأعراف الثقافية ، وأوضح أن هذه الخاصيات هي التي تجعل إمكانية الحوار بين الثقافات واردة لكنه لا حظ بكل أسف، أن هذا الحوار غير متكافئ بين الشرق والغرب لأن المنتمين الى الأمة العربية والإسلامية أكثر انفتاحا على الغرب، فهم يتقنون أكثر من لغة أجنبية في حين أنه من النادر أن يقبل الغربيون على فك الرموز الثقافية العربية الإسلامية وعلى رأسها اللغة العربية. إن الأحداث التي تقع في العديد من الدول العربية والإسلامية باتت عبارة عن أحداث تنقل بوجهة نظر متحيزة منمطة، فما يحدث في العراق حدث من قبل في لبنان وأفغانستان والجزائر والصومال وبدرجات متفاوتة في اليمن وفلسطين وأندونيسيا، محور هذه الأحداث صراع بين الشر الممثل في جماعات تدعي الإسلام مخترقة وموجهة بدقة وسلطات تتصارع من أجل الشرعية، وينتقل هذا الصراع إلى محور الشر " القاعدة " ومحور الخير والممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى حد وصلت فيه الأمور الى أن تفرض أمريكا نظاما تربويا في بلدان مثل السعودية والأردن والعراق ولاحقا سوريا ولبنان، وهو ما يعني أن الحديث عن حرية التعبير والصحافة صحيح ينطلق من الداخل من خلال الحكم الراشد والممارسة الديمقراطية و التعددية الإعلامية ووسائل الإعلام قوية اقتصاديا متحررة من ضغوطات لوبيات الإعلانات،و أكثر من هذا فإن قوة وسائل الإعلام في أي دولة من دول العالم على صعيد الإعلام المكتوب والسمعي البصري والسمعي هي انعكاس واضح لقوة الدولة ووسائل الإعلام الجماهيرية شاء من شاء وأبى من أبى هي الواسطة بين السلطة والرأي العام وهي واسطة دائمة والمراقب الدائم للتغيرات الحاصلة في المجتمع ،و هو ما يعني أن حرية التعبير وحرية الصحافة والحكم الراشد و الممارسة الديمقراطية الفعلية من قوة وسائل الإعلام فلا يكفي أن نقول بأن السحب اليومي للصحافة المكتوبة يوميا في الجزائر يتجاوز 2.5 مليون نسخة وهي في الغالب تتشابه ولا تنتج قيما يمكن أن نواجه بها عولمة القنوات الفضائية . فاتح لعقاب