فهم من خلال ما تناقلته وسائل الاعلام عن ان الجنرال وورد ان الولاياتالمتحدةالامريكية قررت رسميا انها لن تركز على القارة السمراء لإقامة قيادة عسكرية في افريقيا، ولن يكون لها اي وجود عسكري في القارة وان مقر قوات افريكوم سيكون خارج القارة الافريقية وتحديدا في مدينة شتوتغارت الالمانية، وهذا بعد المحاولات الامريكية الفاشلة والمتعددة التي قامت بها لدى العديد من الدول الافريقية، خاصة دول المغرب العربي لتركيز مقر القيادة الافريقية للقوات الامريكية بها. وتشير الكثير من التحليلات السياسية الى ان التحفظات التي ابدتها الدول الافريقية وخاصة دول المغرب العربي على استضافة مقر افريكوم هو حرص هذه الدول على تفادي التورط مع امريكا لأن مثل هذه القواعد العسكرية سوف تجلب نقمة الجماعات الإرهابية عليها وتدفع بالشارع الى مظاهر العنف والغضب، مما قد يدفع القارة الى حالة عدم الاستقرار. وتريد الولاياتالمتحدةالامريكية بعد هذا القرار ان تقوم افريكوم انطلاقا من مقرها بشتوتغارت بتطوير التعاون العسكري مع الدول الافريقية وكذلك قيادة عمليات حربية عند الاقتضاء ويقدم رئيس قيادة افريكوم تقاريره مباشرة الى رئيس الدولة الامريكية اسوة برؤساء القيادات الاقليمية الخمس الاخرى في العالم. وكان الجنرال وليم وارد قائد القيادة الأمريكية الخاصة بإفريقيا قد انهى اول أمس زيارة رسمية لليبيا اجتمع خلالها مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بوصفه رئيس الاتحاد الإفريقي. وعلمت بعض المصادر الإعلامية أن الجنرال وورد أبلغ القذافي رسميا تأكيد الولاياتالمتحدة بأنها لن تُركز أي قيادة عسكرية في إفريقيا ولن يكون لها أي وجود عسكري في القارة. وأوضح أن مقر قوات "افريكوم" الامريكية Africa Command سيكون خارج القارة وتحديدا في مدينة شتوتغارت الألمانية. ونسبت وكالة الأنباء الرسمية الليبية للجنرال وورد أنه أبدى خلال اللقاء مع القذافي رغبة الولاياتالمتحدة في إيجاد تعاون بين الاتحاد الإفريقي والأفريكوم في مجالات التدريب والمعلومات والمساعدات الإنسانية. وبعد محاولات عديدة لتركيز مقر القيادة الإفريقية للقوات الأمريكية في بلد مغاربي أو مُطل على الصحراء الكبرى، انطلق العمل من المقر الحالي في شتوتغارت بألمانيا بوصفه المقر الدائم حسبما جاء في موقع "افريكوم" على شبكة الإنترنت. ومقر القيادة الخاصة بإفريقيا الذي يرأسه الجنرال وليم وارد، هو إحدى القيادات الست التي تتألف منها القيادة العامة للجيوش الأمريكية. وأتت هذه الانطلاقة في أعقاب تحضيرات استمرت نحو 18 شهرا لكن لم يُعلن عن إنشاء "افريكوم" إلا في فبراير من العام الماضي. ودلل إخفاق المساعي الأمريكية لدى الدول المغاربية وخاصة الجزائر وموريتانيا، على حرج الدول المعنية من استضافة قيادة تثير من المشاكل وردود الفعل أكثر مما تجلب من الفوائد. وعزا الباحث والدبلوماسي التونسي أحمد ونيس التحفظات التي أبدتها البلدان الإفريقية على استضافة مقر "أفريكوم" إلى الحرص على تفادي التورط مع أمريكا لأنه يجلب نقمة الجماعات الإرهابية عليها. واستبعد ونيس الذي عمل سفيرا في عواصم عدة بينها موسكو ومدريد ودلهي الجديدةوواشنطن، أن تكون البلدان المغاربية اعتذرت عن احتضان "أفريكوم" مراعاة لفرنسا ذات النفوذ الاقتصادي والعسكري القوي في المنطقة. وقال الباحث والدبلوماسي التونسي أحمد ونيس لجريدة القدس الفلسطينية انه تقابل مع جنرال أمريكي كان مكلفا بإجراء مفاوضات مع الحكومات المغاربية حول الموضوع فعبر له عن تفهمه للمصاعب التي تُبرر رفض العرض الأمريكي. واللافت أن الزعيم الإفريقي الوحيد الذي رحب باستضافة مقر قيادة "أفريكوم" في بلده هو رئيس ليبيريا إلين جونستون سيرليف، لكن الأمريكيين هم الذين تحفظوا في النهاية. غير أن تحاشي استضافة مقر القيادة أو قواعد أمريكية في المنطقة لا يعني رفض الانسجام مع الاستراتيجية الأمريكية، بل يدل على انخراط في الخطط والبرامج من دون "ابتلاع" الهياكل المُحرجة. ويتجلى ذلك الانخراط في المشاركة الدورية والمنتظمة للبلدان المغاربية في المناورات العسكرية التي تُجريها سنويا القوات الأمريكية في البلدان المُطلة على الصحراء الكبرى حيث مسرح العمليات الإرهابية. وستُشرف "أفريكوم" في المستقبل على تلك المناورات وتُخطط لها وتُؤطرها. وفي هذا السياق اعتبر المُحلل والإعلامي المغربي مصطفى السحيمي أن "البراغماتية فرضت منطقها مرة أخرى، إذ أن المغرب العربي (وإفريقيا بأسرها) وجدا نفسيهما مشحونين في قطار المعادلة الأمنية والعسكرية الأمريكية التي كان في وسعهم الإفلات منها". وعزا انطلاق هذه المعادلة إلى ندوة "الشراكة العابرة للصحراء من أجل مكافحة الإرهاب" (Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership/ TSCTP) التي استضافها السينغال في 7 فبراير 2007 بمشاركة رؤساء أركان كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا (لم تشارك ليبيا) والنيجر ومالي والتشاد والسينغال ونيجيريا، بإشراف الجنرال وارد الذي كان ما يزال آنذاك مساعدا لقائد القوات الأمريكية في أوروبا. وأفاد أن المهمة المركزية ل "افريكوم" التي رُصدت لها موازنة سنوية تُراوح بين 80 و90 مليون دولار، تتمثل في "ضرب قدرة الجماعات الإرهابية على قتل المدنيين الأبرياء أو إصابتهم بجروح" طبقا للطرح الأمريكي. وفي هذا السياق أوضح وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أن "افريكوم" ستمكن الولاياتالمتحدة من أن تكون لها نظرة أكثر فعالية وتماسكا في إفريقيا على أنقاض الرؤية الماضية التي هي من مخلفات الحرب الباردة". وتشكل "افريكوم" إحدى تداعيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي قررت الإدارة الأمريكية السابقة في أعقابها شن حرب وقائية على الإرهاب على بعد آلاف الكيلومترات عن أراضيها. ومن هذا المنظور أجريت المناورات المشتركة الأولى التي شاركت فيها قوات من البلدان المغاربية ودول الساحل والصحراء بقيادة أمريكية في جوان 2005 تحت اسم "فلينتلوك". أما مساعدة وزير الدفاع الأمريكي تيريزا والن فقد اعتبرت في مقال منشور على موقع القيادة الإفريقية أن "أفريكوم" ستكون الجزء الأكثر بروزا من التحركات الأمريكية لتعزيز العلاقات في الساحة الإفريقية. واعتبرتها أهم أداة لتقديم العون الأمريكي للبلدان الإفريقية في المجالات العسكرية وغير العسكرية أيضا. ومما أورده موقع "أفريكوم" أن هذه القيادة ستُؤمن مناخا مضمونا وآمنا للسياسة الأمريكية في إفريقيا بالتعاون مع وكالات حكومية وشركاء دوليين. وعبرت والن في ردها على التعاليق التي انتقدت عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية أو أبدت شكوكا في دواعي إنشاء القيادة الجديدة، عن يقينها بأن "افريكوم" "ستصبح أمرا أليفا في المشهد الإفريقي". وتأتي فرنسا في مقدمة الذين يشعرون بالضيق من التمدد العسكري الأمريكي في شمال إفريقيا على رغم التوجه الأطلسي لرئيسها الحالي. ولعل هذا ما يجعل المنافسة بين الأمريكيين والفرنسيين في هذه المرحلة الجديدة تكتسي أبعادا مختلفة عن الماضي إذ أنها مُركزة على الاقتصاد. ويرى الباحث التونسي المقيم في فرنسا هشام بن يعيش أن الانسجام بين ساركوزي والولاياتالمتحدة يعود إلى سنة 2004 عندما كان الأول وزيرا للداخلية فاحتضنته "اللجنة اليهودية الأمريكية". وأوضح أن رئيس اللجنة ديفيد هاريس والطاقم العامل معه "أنجزا عملا بالغ العمق في الأوساط المؤثرة في واشنطن من أجل نحت مكانة مُميزة لساركوزي داخلها". ولعب السفير الفرنسي المُعتمد آنذاك في واشنطن جان ديفيد لوفيت Jean-David Levitte دورا مهما في إكمال المهمة، وهو حاليا مسؤول الخلية الديبلوماسية في الإيليزي (قصر الرئاسة الفرنسي). وأضاف أن الولاياتالمتحدة حصدت ثمار تلك الجهود الدؤوبة خلال زيارة ساركوزي الأولى لأمريكا بصفته رئيسا منتخبا إذ كرس عودة الشراكة الأطلسية بين فرنسا وغريمتها السابقة الولاياتالمتحدة. لكن طالما أن المسؤولين الأمريكيين أقروا دائما بأن سياساتهم تخضع لمنطق المصالح ولا شيء سوى المصالح، ينبغي البحث عن المنافع التي تكمن وراء إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا. وأول ما يتبادر إلى الذهن هو المطامع النفطية؛ إذ أن 15 بالمائة من واردات الولاياتالمتحدة من النفط تأتي من القارة الإفريقية. ويُرجح الخبراء أن يرتفع الاعتماد على النفط الإفريقي إلى 25 بالمائة في العقد المقبل. وعلى هذا الأساس يربط باحثون كُثر، بمن فيهم شخصيات أمريكية، بين "أفريكوم" وإرادة التحكم في إمدادات الطاقة المعروفة في القارة. ويعتبر مارك فنشر عضو الندوة الأمريكية للمحامين السود أن القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا "ليست سوى أداة لضمان نفاذ الصناعة النفطية الأمريكية إلى احتياطات الطاقة الواسعة في القارة. وإذا ما حاول أحد التدخل في الأمر نخشى أن تُلصق به تهمة الإرهاب ويصبح هدفا لهجمات عسكرية". ويُحيل موضوع السعي الأمريكي للسيطرة على منابع النفط في إفريقيا على المزاحمة الصينية -الأمريكية في السودان التي يعزوها باحثون محايدون إلى الصراع على نفط دارفور وتشاد. ويرى الباحث الجزائري محمد سعدون أن "الاختراق الاقتصادي الذي حققته الصين في قارة غنية بالثروات الطاقية هو السبب الأساسي وراء الإرادة الأمريكية لضمان حضور عسكري مباشر في القارة"، غير أن السفير ونيس استبعد تطور الانتشار الاقتصادي الصيني إلى حضور عسكري، وأكد أن البلدان الإفريقية تشجع التعاون مع الصين وتُفضلها لشعورها بكونها بلدا بعيدا جغرافيا ولديها التكنولوجيا وهي غير مرشحة لتقديم طلبات مثل التي قدمها الأمريكيون بشأن استضافة "أفريكوم". وقال "هناك مزاحمة على النفوذ غير أن إفريقيا تتجنب الانخراط فيها لأن هناك دروسا لم تُنس في هذا المجال". لكن التقليل من أهمية الصراع الصيني -الأمريكي لا يُخفي الإطار الشامل الذي تتحرك ضمنه السياسة الأمريكية في القارة، فالحرب الوقائية التي تخوضها الولاياتالمتحدة ضد ما بات يُعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال ترمي للحؤول دون حصولها على ملاجئ آمنة في بلدان الساحل أو انتشارها شرقا نحو منطقة القرن الإفريقي. وواضح أن القيادة العسكرية الأمريكية تشعر بالقلق من الوضع في شرق إفريقيا لكونها ترى فيها قاعدة خلفية لتنظيم "القاعدة" وجسرا نحو أفغانستان عبر الصومال، خصوصا في ضوء التطورات العسكرية الأخيرة بين المعارضة والحكومة في مقديشو. وهذا ما حملها على اتخاذ جيبوتي قاعدة عسكرية يتمركز فيها 1800 عنصر من المارينز، بالإضافة لتمركز مجموعة من القطع البحرية والجوية الأمريكية حول حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور في سواحل الصومال المجاورة لجيبوتي. غير ان الجنرال وارد أكد لدى سماعه أمام أعضاء لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي في العام الماضي أن دور "أفريكوم" سيقتصر على حماية الحدود وضمان الأمن البحري (أمن السفن) وتنفيذ عمليات في إطار مكافحة الإرهاب. واستبعد أي إمكانية لإقحام الولاياتالمتحدة في عمليات ترمي لحماية مصادر الطاقة في القارة. كما أن برامج "أفريكوم" باتت خاضعة لمراقبة الأجهزة الأميركية المكلفة بالتعاون من أجل التنمية ربما لنزع الطابع العسكري عنها. ويستدل الأمريكيون على ذلك بتعيين مساعدين للجنرال وارد الأول عسكري هو الأدميرال المساعد روبرت موللر Robert T. Moeller المكلف بالعمليات والثانية هي السيدة ماري كارلين ياتز Mary Carlin Yates الديبلوماسية في الجهاز الخارجي الذي يسهر على المساعدة التنموية. وإليها أحيلت مهمة التوفيق بين المساعدات العسكرية وتلك ذات الطابع المدني البحت بحكم خبرتها السابقة في كل من وزارة الخارجية ومؤسسة المساعدة من أجل التنمية. ولعل هذه التجربة الجديدة في "أفريكوم" هي المرة الأولى التي يخضع فيها نشاط عسكري أمريكي لرقابة المدنيين وتوجيهاتهم. لكن على رغم محاولات الطمأنة الأمريكية، التي تسعى لإشعار الحكومات الإفريقية المُهددة بالعمليات الإرهابية (الحقيقية حينا والمُتخيلة في غالب الأحيان) بأن حليفا قويا يقف إلى جانبها، أتت النتائج على عكس الآمال المُعلنة، إذ تكثفت العمليات في موريتانيا والجزائر واتخذت منحى تصاعديا في النيجر ومالي وتشاد، مما يوحي بأن تواري القوات الأمريكية عن المنطقة سيكون ربما أفضل من وجودها.