استعادت حديقة ''القدس'' التي تقع في قلب مدينة الأغواط خلال الشهور الأخيرة بريقها بفضل إرادة أحد الشباب وبدعم من السلطات المحلية بعد أن ظلت لسنوات طويلة عرضة للإهمال وبؤرة لبعض الآفات الاجتماعية، وقد حمل الشاب عبد القادر قربوز من مدينة الأغواط على عاتقه مسؤولية إحياء الحديقة من جديد عندما بادرت السلطات المحلية بتوظيفه في هذا الإطار على أساس أنه متعود على الحملات التطوعية وله خبرة طويلة في المجال البيئي ولكونه أيضا فنانا مولعا بأسرار البيئة. وكانت بداية هذا الشاب مع هذا الفضاء الطبيعي بتجديد الأتربة وغرس الأشجار واقتناء الكراسي وتجهيز الموقع بالإضاءة ليتفرغ بعدها إلى التفنن في صنع كل ما هو تقليدي ويرمز للحياة البدوية الأصيلة للمنطقة بواسطة مواد بسيطة كالخشب والطين. وبالموازاة مع هذه الجهود الذاتية بادر الشاب عبد القادر إلى مجالسة المترددين على الحديقة من مراهقين وشباب حاثا إياهم على الإقلاع عن التدخين وما تعودوا عليه من تصرفات غير مقبولة اجتماعيا ودعوتهم إلى الإقبال على مطالعة ما وفره لهم من كتب بمكتبته الصغيرة التي حجز لها حيزا مناسبا من الحديقة فكسب بذلك ودهم بل حول بعضهم إلى مساعدين له في أداء مهمته. وفي ذات الحيز وبالإضافة إلى بعض الكتب المتنوعة بين الشعر والدين والرياضة أبدع عبد القادر في إحداث تناسق ''رائع'' بين ما جمعه من صور للآثار العريقة والمعالم العتيقة بالمنطقة والأدوات القديمة ليصنع ديكورا متميزا تطبعه الزرابي المفروشة و''القربة'' التقليدية المعلقة. ومع مرور الأيام أضحت حديقة ''القدس'' مقصدا للعائلات الأغواطية ومتنزها مفضلا لها في قضاء العطل والسهرات الصيفية وفضاء رحبا لاحتضان نشاطات العديد من الجمعيات والمنظمات في المناسبات الوطنية والدينية. ووفرت حديقة ''القدس'' أيضا متنفسا لفئة كبار السن الذين يتحلقون بداخلها في جماعات كل مساء يتجاذبون فيما بينهم أطراف الحديث يستعيدون من خلاله ذكرياتهم الجميلة مع ''جنان البايلك ''بينما يفضل آخرون منهم قضاء الوقت في لعبة ''السيق'' المشهورة، ولأنها أصبحت تتيح الكثير من الراحة والاطمئنان لزوارها فإن هذه المساحة الطبيعية تعد كذلك ملتقى للأحباب وملاذا للفنانين والشعراء ومكانا لمواعيدهم فغدت منطلقا للكثير من مشاريعهم، وهو ما يبرزه التوافد الكبير لهذه الفئة من المثقفين. ويطمح الشاب عبد القادر لتوسيع نشاطاته بالحديقة فهو يخطط لإضافة أنشطة أخرى من شأنها أن تستقطب المزيد من الجمهور الأغواطي ومن بينها إقامة جناح خاص ببيع العصافير وعرض بعض الحيوانات المعروفة بالمنطقة وتوسيع المكتبة الحالية على أن ينتقل بهذه التجربة إلى حديقة ''الصنوبر'' خدمة للبيئة وتشجيعا للسياحة المحلية. وتذكر المعلومات التاريخية المتوفرة لدى أهالي مدينة الأغواط أن حديقة ''القدس'' أو ما كان يسمى ب ''جنان البايلك'' كانت إبان الحقبة الاستعمارية وتحديدا قبل سنة 1952عبارة عن بساتين وأراضي فلاحية أوسع بكثير من مساحتها الحالية وكانت تسمى ب ''رئة الأغواط''. كما كانت الحديقة موقعا لتجارب غرس بعض الأشجار النادرة وبقيت على هذا النحو من الاهتمام حتى غداة الاستقلال حينما كلفت مصالح البلدية أحد الأشخاص بتسييرها قبل أن تتعرض للإهمال وتتدهور وضعيتها مع بداية التسعينيات من القرن الماضي.