يقول الكاتب جاجديش باجواتي في كتابه دفاعا عن العولمة '' اليوم وبفضل التلفزيون وتكنولوجيا الاتصال والأنترنيت وتقنيات الهاتف الخلوي ، ظهر ما يمكننا تسميته بالتناقض المعكوس للدوائر المشتركة ، أو الإتجاه المعاكس للولاء كما يراه الفيلسوف '' ديفيد هيوم '' حيث يتراجع الولاء ويتعاطف كل فرد منا مع موطنه بدرجة أقل ،وهذا ما يحدث بشكل تلقائي عندما ننتقل من أسرة صغيرة الى مؤسسة أكبر ، ثم الى مجتمع محلي ثم إلى ولاية ودولة، ثم إلى العالم '' . الكتاب على الرغم من أنه أُلّف سنة 2007 الا أنه لا يزال يثير ضجة كبرى عند النقاد من الرافضين للتحولات السلبية التي صاحبت ظاهرة العولمة على العديد من الشعوب والقوميات والدول لدرجة أصبحت دول معينة مهددة بالإفلاس. الكاتب أستاذ في جامعة '' كولومبيا '' وعضو لجنة الاقتصاديات الدولية، وكان مستشار للسياسات الاقتصادية ومستشارا للأمم المتحدة في شؤون العولمة والمنظمة العالمية للتجارة، وهو أحد أعضاء مجموعة الخبراء التي عينها المدير العام للمنظمة العالمية للتجارة لمناقشة مستقبل المنظمة، وكان مستشارا للأمين العام لهيئة الأممالمتحدة السابق كوفي عنان أثناء تفعيل الشراكة الجديدة لتطوير إفريقيا nepad وعضوا في مجموعة البارزين التي ترأسها '' فرناندو إنركي كاردوسو '' في مؤتمر الأممالمتحدة حول التجارة والتطوير ( unctad) . يعتقد الكاتب أن الكثير من المذاهب الفكرية انتقدت العولمة دون النظر الى إيجابياتها وإن كانت نسبية حيث يعتقد نقاد العولمة أنفسهم أنهم يقومون بكسر القشرة الخارجية لإيقاظنا من حالة الاستسلام، حتى لا نركن فقط ولا نعيش فقط على آمال العولمة ، لكنهم قد يتسببون أيضا في حرماننا من التقدم والدوران في مدارات متزايدة ومتصاعدة ... ومن الحكمة أن نتخلى عن الاعتقاد الراسخ بأن العولمة تفتقر الى الجانب الإنساني. في البداية كانت كلمة العولمة من الكلمات الرنانة ذات الصدى والبريق الذي يخطف العقول ويخلب الألباب ،ولطالما احتفى كل من منتدى '' دافوس '' الاقتصادي العالمي وكاتب العمود الصحفي الشهير في صحيفة '' نيويورك '' تايمز '' توماس فريدمان'' بفضائلها وبشر بأن النصر سيكون حليفها لا محالة ، ثم ظهر مناهضو العولمة فتحولت الكلمة على أيديهم الى مصطلح قبيح وممجوج ،وفي هذا يؤكد عالم الإجتماع الفرنسي '' بيير بورديو'' ومعه مؤسسة '' روكوس '' أن العولمة مفعمة بالشرور وأنها مهزومة أيضا لا محالة، وفي هذا الصدد يعتقد الكاتب أن العولمة في شقها الاقتصادي لم تحظ بالدراسة المعقمة التي ستكون في النهاية إيجابية على الصعيد العالمي لأن العولمة في السياق الاقتصادي هي تدخل وتشابك واندماج الاقتصاديات الوطنية في كل قطاع مع الاقتصاد العالمي من خلال التجارة والإدارة والاستثمار الأجنبي المباشر عبر المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات، وتدفق رؤوس الأموال قصيرة الأجل وهجرة الأيدي العاملة والأفراد حول العالم وتدفق التكنولوجيا ،وعليه يعتقد الباحث أن العولمة التي تنتقدها العديد من المدارس الفكرية هي العولمة الثقافية التي تنتج ضمن سياق التطور التكنولوجي وهو الأمر البارز من خلال الفضائيات التلفزيونية والبرامج السمعية البصرية والأنترنيت و الهواتف الخلوية ، هذا رغم أن التكنولوجية مفسها هي التي سمحت لنا باختصار المكان والزمان وسهلت أساليب الاتصال ولهذا فإن معارضة العولمة تعود حسب الكاتب إلى السببين التاليين : 1 هناك عدد كبير من المناهضين المتشددين الذين يعادون العولمة ويعارضونها بقوة، وتختلف اتجاهاتهم الفكرية والإيديولوجية حيث لا تجمعهم أفكار موحدة ولا آراء مشتركة، لكن كثيرين منهم ينزعون إلى تبني ثلاثية من الأفكار السلبية التي تطورت إلى مذاهب وهي مناهضة الرأسمالية ومناهضة العولمة ومناهضة الشركات متعددة الجنسيات . 2 هناك مناهضون للعولمة تتمحور انتقاداتهم حول الإطار الأساسي للنقد والجدل، وتتحول هذه الانتقادات في جوهرها إلى جدل يدور حول مدى مسؤولية العولمة الاقتصادية عن كثير من المشكلات الاجتماعية المعاصرة مثل تزايد معدلات الفقر في الدول الفقيرة وتدهور البيئة في كل أنحاء العالم . ما بين العوامل الايجابية والسلبية للعولمة يعتقد الكاتب أن الإيجابيات ستتغلب لأن الوضع الاجتماعي سيتحسن و الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتكنلوجية ستعم والرفاهية ستمس العديد من الدول ، لكن الكاتب لم يكن يعتقد أنه بالإمكان بعد سنتين أن تنهار العديد من الدول وتفلس مئات البنوك نتيجة لجشع العالم الرأسمالي المسيطر على الاقتصاد وجشع الرأسماليين في تلك الدول ،ولحد الآن لا زلنا نستهلك جوانب من صور العولمة في شكل رموز ثقافية في حين تستفيد الاقتصاديات الرأسمالية من الرأسمال العالمي على الرغم من تسجيل انخفاض هائل في معدلات الفقر في كل من الصين والهند بسبب النمو الاقتصادي الهائل في البلدين العالميين .