قضية المرأة هي إحدى هذه القضايا الكلية، إذ أن لها من وراء خصوصية كل مجتمع وطني، عمومية المنظور والهدف على الصعيد العالمي. فالعالم بأسره قد أفاق على حقيقية أن في تحجيم وضع المرأة تحجيم لوضع المجتمع، و في تفويت الاستفادة القصوى من المواهب والقدرات النسوية تفويت للاستفادة القصوى من المواهب والقدرات المختزنة في الرصيد الوطني، وأن تخلف المرأة في أيما مجتمع سرعان ما ينقلب إلى تخلف المجتمع ككل. لقضية المرأة إذن حراك مزدوج بمعنى، كما أن الوطن والعالم أخذا يهمتمان بوضع المرأة، كذا المرأة أخذت تهتم بقضايا الوطن والعالم. بقي أن نتوضح حول ماذا يوجد في حراك هذا الاهتمام المتبادل، ما منتهى الطموح على مسار هذا الاهتمام، وما هي استراتيجيات تحقيق الطموح؟ هل الطموح متماثل عالميا، متشارَك بين الرجال والنساء، وهل الاستراتيجيات موحدة كذلك ؟ يجري التعامل عالميا مع قضية المرأة على ثلاثة محاور رئيسة هي الحقوق السياسية، الحقوق المدنية، ومحور حقوق التكافؤ في فرص التعليم والعمل. التركيز هذا العام يأتي على الحقوق السياسية، كما جاء في تأكيد السيد كوفي عنان، أمين عام الأممالمتحدة، في كلمته الموجهة للنساء احتفاء بيوم المرأة ، أن تمكين المرأة وإسهامَها الكاملَ والمتكافئَ في كافة نشاطات المجتمع، بما في ذلك الإسهامُ في صنع القرار وممارسة السلطة، أساسي لتحقيق المساواة والتنمية والسلام. ذكر أيضا أن حضور المرأة في الوظائف القيادية بلغ حدا غير مسبوق مع مطلع هذا العام و في الوقت الذي يبدي ارتياحا إزاء هذا المنجز من التقدم حتى الآن، يذكّر أن مساحات العجز لا تزال كبيرة، وكذا الحاجة لمواصلة العمل لإحراز مزيد من التقدم. إن بروز حقوق المرأة على ساحة الاهتمام العالمي بدأ في سنة 0291 حيث لم تكن للمرأة الأمريكية حقوق سياسية، فقد ظلت لمائة وثلاثين عاما بعد قيام الولاياتالمتحدة تعتبر غير متكافئة المواطنة مع الرجل الأمريكي. في السويد منحت المرأة حقوقها السياسة عام 1291، في بريطانيا وايرلندا عام 8291، في إسبانيا عام 1391، في فرنسا وإيطاليا والأرجنتين والمكسيك وباكستان واليابان والصين والهند في نهاية النصف الأول من القرن العشرين. قبل ذلك أول منح للمرأة حقوقا سياسية حدث في نيوزيلندا عام 3981. علما بأن التعامل الاجتماعي والاقتصادي إزاء المرأة في جميع هذه الدول ظل مجحفا بحقها لسنوات عديدة من بعد حصولها على حقوقها السياسية. و أيضا كيف أن التعسف في حق المرأة كان على أسوئه في عديد من هذه المجتمعات حتى عهد قريب. في الهند، مثلا، كان حرق الأرامل أنفسهن مع أزواج يعاجلهم الموت عادةً لا تزال تمارس حتى منتصف القرن التاسع عشر، مدفوعة بضغط اجتماعي. اليوم، ومنذ عام 0591، حاضر الهند نسبة إلى ماضيها يخبرنا بأن تحولات مفاجئة وكبرى يمكن أن تحدث في المجتمعات البشرية من بعد قرون من جمود. و في المجتمع البريطاني حتى مطلع القرن العشرين، كانت المرأة مجردة من جل حقوقها ومهمشة في الحياة الوطنية مثلا، لدى الزواج كانت ترغم على وضع كل ممتلكاتها وأموالها تحت تصرف الزوج. كان وضعها القانوني أنها غير أهل لتولي مسؤولية عامة، وغير كفؤ لإدارة شأنها الخاص، لم يكن متاحا لها الاحتماء بالقانون إلا بإجازة من الزوج. لم تكن تملك حق طلب الطلاق، ولا حق حضانة الأولاد، ولا حق كتابة وصية، ولا حق الاحتفاظ بأجر تكسبه لقاء عمل تؤديه. بذلك بلغت هيمنة الزوج على الزوجة في العهد الفيكتوري في بريطانيا درجة وصفها فقيه معاصر بالقول في الحالة الزوجية في مجتمعنا الرجل والمرأة شخص واحد، إلا أن هذا الواحد هو الرجل وحده. وعن حال المرأة في مجتمعنا العربي، ما الذي حرك وضع المرأة عما كان عليه من إجحاف مزمن عالمياً، وأخيرا استرد للمرأة قسطا من اعتبار، أما اليوم فاستحقاقات التنمية الإنسانية هي التي تملي الشراكة بين الجنسين في مجال العمل. المرأة من أول التاريخ إلى اليوم حكاية صراع بل صراعات مع مجتمع يحركه من تخبط في أحشائها، تنتظر الاعتراف و رد الجميل من ابن أو أخ، من زميل أو مسئول و كم هي مهمة الالتفاتة نحو النصف الآخر .....عيد جميل لكن.