يعود الروائي بدر الدين ميلي من خلال روايته الموسومة ب '' الفتحة و الجدار '' إلى تناول موضوع الذاكرة من خلال تعرضه لحقبة حاسمة من تاريخ الجزائر المعاصرة يغطي فيها الفترة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية و الاستقلال. في هذه الرواية التاريخية الواقعية يعتمد الروائي على تسجيل ملحمة أسرة من قسنطينة تعيش في حي شعبي شديد الفقر يدعى '' عوينة الفول''، يقع أسفل المدينة ما حدا بالقوات الفرنسية سنة 1837 عند الهجوم على قسنطينة إلى إحداث فجوة في أسوارها التي كان يدافع عنها احمد باي و بن عيسى و بلبجاوي . ويقف في البناء الروائي ل ''الفتحة و الجدار '' مجموعة من الأبطال يمثلون عدة فئات اجتماعية، ويتفاوتون في الإدراك و الوعي ، ففضلا عن الشخصيات الرئيسية الثلاث: زواكي، حمدان وسطوفة ينقسم باقي الأبطال إلى ثلاث فئات هي سكان عوينة الفول المكوّنون من بقايا قبائل المنطقة المشتتة التي صودرت أراضيها فتتحول إلى ممارسة كل أنواع الحرف و المجموعة الثانية من الأبطال هي تلك الشخصيات الرئيسية التي تلقي بكل ثقلها على مجرى ملحمة هذه الأسرة . أما محور الأحداث ، فهو سطوفة ذلك الطفل الذي يعتبر عصارة مركزة لكل الماسي و لكل ظواهر الزمان التي عرفتها تلك الفترة ، وهو في الوقت نفسه مستخلص كل الاحتلام السعيدة . فسطوفة سيتعلم الحياة درجة درجة ، و يبلور وعيه بالمحيط بفضل تلك الكوكبة من شخصيات الرواية التي ستساهم في تكوين شخصيته . من خلال هذه الرواية أراد الكاتب أن يعيد إلى الأذهان ذكرى هؤلاء الرجال و النساء الذين منحوا كل شئ بما في ذلك رقابهم للمقصلة من اجل تحرير الناجين ، و دون أن يطلبوا مقابلا لذلك ، لا مجدا و لا تبجيلا . و لهذا أراد الكاتب أن يسدد دينا تجاه هؤلاء من اجل إنقاذ الذاكرة من انجراف قاتل و نسيان آثم. كما أراد أن يبرهن على أن المجتمع الاستعماري لم يكن مجتمعا مثاليا ، مثلما أراد بعض الروائيين تصويره في صورة المجتمع الذي يضمن التعايش و الانسجام و تقاسم القيم المشتركة . و إذا كانت رواية '' الفتحة و الجدار '' توصف بالرواية التاريخية، فإنها ليست سردا لأحداث تاريخية على طريقة علم التاريخ الذي يهتم بتسجيل الوقائع والأحداث، و لكنها تسجل كيف عاش الناس تلك الوقائع و الأحداث وكيف عايشوها وهو ما لا يتوفر لعلم التاريخ. ومن الرسائل التي أراد صاحب الرواية تبلغيها أن الاستعمار تلميذ غبي من خلال إحداث الرواية التي تكذب بشكل قاطع الادعاءات التي حاول الاستعمار الترويج لها، على اعتبار أنه جاء إلى الجزائر في مهمة حضارية . لقد قال الجنرال ''جياب'': أنّ ''الاستعمار تلميذ غبي'' ، فهو يتمادى فعلا في الهروب إلى الأمام، ومايزال يروج لتمجيد نفسه. وبرع بدر الدين ميلي في تصوير مراحل تبلور الضمير النوفمبري الذي يمثل المرجعية التي يلتف حولها كل الجزائريين، و تنتهي الرواية بفتح الباب على المستقبل الذي لا يبنى إلا بأفراد يعلمون من أين أتوا.