احتضن المركز الثقافي الفرنسي أول أمس، يوما دراسيا خاصا ب »الأدب الجزائري المعاصر، وعصرنة الرموز الثقافية« تم التطرق فيه لبعض أعمال الروائيين الجزائريين الذين ارتبط ابداعهم بالتاريخ والرمزية. نشطت الندوة الاستاذة ياميلي حراوي غبالو التي أعطت بداية تعريفا علميا لمعنى الرموز، والذي جاء في التراث الاغريقي على انه شيء ما نتقاسمه في خيالنا ولايكون مكتملا إلا إذا تعدى إلى شخصين أوأكثر وهذا الشيء أوالرمز مجال مفتوح، ثري ذو إيحاء يحمل ثقافة وقيمة انسانية ويتعدد استعماله وترجمته. ثم أشارت إلى الباحث الانثربولوجي الفرنسي المعاصر »جيلبار دوران« الذي يعد أهم باحث في العالم، تطرق الى هذا الموضوع حيث اعتبر ان الرمز شيء مركب موجود في كل الكتابات الأدبية وهو بعيد عن الطرح الآلي والميكانيكي، والرمز موجود في كل الحضارات بما فيها الحضارة الغربية التي يرتكز الرمز فيها على معطيات بيولوجية وثقافية كالجسد مثلا، ويتمظهر أيضا في القوة (الملك، الحرب) والطعام (أكل وما يتبعه من ثقافة) والجنس. أشارت أيضا الى ان معظم الكتاب بما فيهم الكتاب الجزائريون يميلون الى العودة الى التاريخ والى الانسانية، ويحاولون توظيف التاريخ وبعض الرموز الثقافية والاجتماعية لتصوير الواقع وبالتالي المساهمة في بناء تاريخ بلادهم الحديث. وقالت المحاضرة انها اشتغلت على الروائي بوعلام صنصال من خلال روايته »حد ثني عن الجنة« و»قرية الالماني« ففي الرواية الأولى حاول صنصال الغوص في تاريخ الجزائر منذ سنة 1830 من خلال استعراض خريطة ولاية المسيلة ثم مقارنة ذلك بالزمن الحاضر أي استحضار التاريخ من طرف طبيب يزور مع زملائه المسيلة لمعاينة مرض الكوليرا بها ومن هنا تبدأ أحداث القصة بمزاوجة الماضي بالحاضر. أما رواية »قرية الألماني« فتحكي بأسلوب راق حكاية جندي ألماني شارك في الحرب العالمية الثانية ليستقر بعدها بإحدى مناطق الجزائر وبالتحديد في قرية شرق الجزائر ويصبح مبجلا فيها لحكمته ويتعلق به السكان، وهكذا ونتيجة هذه اللحمة يقوم بمشاركتهم في حرب التحرير عن طواعية. لهذا الألماني ولدان استقرا بفرنسا أحدهما ثري والآخر متواضع يسكن الضواحي ليكون عرضة لتأثير الجماعات الإسلامية لكنه سرعان ما يتمحص الأمور أكثر. يشترك الأخوان في عزاء والدهما الألماني وعندما يطلعان على تركته يكتشفان ضلوعه في عمليات القتل بالغاز التي قامت بها النازية فينهار الإبن الثري وينتحر ويحاول الثاني تجاوز الأمر، ومن هنا يطرح الروائي مشكل الهوية طرحا فلسفيا عميقا يحاول الربط بين كل أشكال التطرف. كما يحاول في روايته »حدثني عن الجنة« إظهار بعض الجوانب التي لم يتحدث عنها التاريخ علنا كقبائل اليهود الذين تعايشوا مع المسلمين ليوظفها في موضوع التعايش والسلم، مستعملا في ذلك رمزيته وتعدد أصوات الراويين في النص (الراوي الرئيسي والراوي الثانوي..). المحاضرة الثانية نشطتها الاستاذة ماسيفا آيت أوعراب وتناولت فيها رواية المطر و»تيميمون« لرشيد بوجدرة وتوقفت عند أدب التسعينيات المزامن للعشرية السوداء التي شهدت تغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية عميقة، رواية »تيميمون« التي تصور سائق حافلة في العقد الرابع من عمره مدمن على الخمر وشاذ جنسيا، وساخط على مجتمعه خاصة بعد انتحار أخيه، ويصور بوجدرة شخوصه المستمدة من الواقع والمبرزة لتناقضات فاضحة يعيشها المجتمع من خلال النفاق، واستغلال الدين وكبت شخصية الفرد أمام المجتمع وبالتالي يتم اللجوء الى الخيال والرموز المشتركة. ومن الرموز التي استعملها الكاتب الرموز الجنسية، والرموز الدموية (العنف)، كما استعان بالتاريخ ووظفه وكذابالخيال أيضا. أما الاستاذة عائشة دادا فتناولت رواية »أخبار بيت الصمت« و»جغرافية الخطر« للكاتب الروائي حميد سكيف الذي يعتبر من أهم الروائيين الجزائريين، حاليا شاعر وصحفي وكاتب، ولد بوهران سنة 1951 من أصول بوسعادية، احتك بالمسرح من خلال كاتب ياسين، ثم استقر في تيبازة حالما بانشاء بيت الشعر بمنطقة شنوة وبعد تهديده في أحداث العشرية السوداء انتقل للإقامة بفرنسا، وهو اليوم يقيم بألمانيا وذو شهرة بأوربا وترجمت أعماله إلى عدة لغات خاصة الشعرية منها، كما يصنفه البعض كأحد أهم كتاب المغرب العربي. ركزت المحاضرة على ظاهرة الحرا?ة التي تناولها الكاتب وسماها »حرق الحدود والجمارك والبحر والأرض« وقد ترجمت روايته هذه »جغرافية الخطر« إلى عدة لغات وحازت على العديد من الجوائز منذ صدورها سنة 2006. تستعمل الرواية رمزية البحر، والصور الخيالية المشتركة والحالمة عند هؤلاء الشباب فهم يحلمون بأرض الميعاد والثراء والسعادة التي تقع وراء البحر حتى وان لم تكن كذلك.