الفايس بوك، التويتر،اليوتيوب، المدونة، البوابات، الميسنجر، الإيمايل، المواقع.. و.. كلّها مصطلحات جديدة ولجت قاموس الإنسانية في الآونة الأخيرة، ليخرج إثرها العالم من النمطية الورقية إلى مجتمع المعلومات، مصطلحات باتت الرفيق المصاحب لحياة جلّ شبابنا المهلوس بالشبكة العنكبوتية والمغرم بثقافة الألفية الثالثة. الأنترنت وبسحرها الخارق خطفت عقول الملايين وشدّت إليها أنظار السّاسة وعلماء الاجتماع الذين صنّفوها ضمن خانة ''الظواهر''، فالأنترنت تبوأت مكانة مرموقة في عالم الأحياء فأضحت السيدة في جلب المعلومات بدون أيّ منازع، لكنّها من جهة أخرى أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الثقافة بمفهومها الشامل، نتيجة غياب الرادع القانوني، الذي يفقد هذه الصفة أصلا لتعقّد عملية المراقبة وهو ما جعل قراصنة النت يحكمون سيطرتهم على الشبكة العنكبوتية. القرصنة الإلكترونية أضحت الهاجس الكبير الذي يؤرق الجميع لما لها من مخلّفات سلبية وعلى كل الأصعدة، فعلى سبيا الذكر لا الحصر، تمكّن القراصنة من اختراق عدد من المواقع الرسمية في العالم أجمع، والعبث كيفما شاءوا بملفات ''سرية للغاية'' دون أن تصل أيّة جهة أمنية لكشف هويتهم، فالتطور التكنولوجي المذهل أعطى الأسبقية للقراصنة على حساب الأمن، نتيجة عوامل عدّة نحصرها في بعض النقاط على غرار عدم جاهزين المصالح الأمنية تكنولوجيا، وغياب المتخصصين في مجال الإعلام الآلي والأنترنت بشكل عام، إلى جانب عدم توفر نصوص قانونية صريحة في هذا الشأن، والحال ينطبق على الجزائر طبعا، والتي تعاني من قلّة الإمكانيات والموارد البشرية المتخصصة، في ظل تنامي فكرة القرصنة وفي ظل انعدام وسائل المراقبة التي تمكّنها من إحكام قبضتها على القراصنة والجريمة الإلكترونية بشكل عام. إنّ الخطر الحقيقي بالنسبة للجزائر والجزائريين لا يكمن في القرصنة في حدّ ذاتها بقدر ما يكمن في المعلومات المتسربة عبر المدونات والفيس بوك والبوابات الإلكترونية وغيرها، حيث تجد لها طريقا معبّدا عبر المواقع الإلكترونية والبريد الإلكتروني، ومن هذا المنطلق لا يسعنا سوى طرح السؤال التالي: من الذي سيقف في وجه الإختراق الالكتروني؟ لا أظن أنّ الجزائر تتوفر على آليات إلكترونية كفيلة بوضع حد لهذه الظاهرة، فالحقيقة أنّ شبكة الأنترنت قد اخترقت الحدود وتجاوزت السياسات، ولم يعد هناك ما يعرقل مسارها، حتى وإن كانت هناك اجتهادات محتشمة من لدن الخبراء للوقوف في وجه الجريمة الالكترونية. فالمعلومات تصل عبر النت بالملايين في اليوم الواحد، ودون رقابة تذكر، بما أنّ التدفق المعلوماتي لا يقف في وجهه أحد، وهو مايسبب شيئا من الحرج بالنسبة للمسؤولين. وليس ببعيد عن القرصنة الإلكترونية، تلعب المدونات واليوتيوب والبوابات الإلكترونية وغيرها دورا محورا في بث السموم والأفكار الملفقة، على خلفية التبعية السياسية أو الاقتصادية وحتى العقائدية، وعلى خلفية سرعة انتشارها عبر العالم (خاصة الفايس بوك) وللتذكير فإنّ بعض الجرائد الجزائرية كانت منذ أيّام خلت قد وضعت في موقف حرج أمام قرائها، نتيجة نشر معلومات لا أساس لها من الصحّة بخصوص إطلاق التلفزيون الجزائري للعشرات من القنوات الفضائية المتخصصة ابتداء من الشهر المقبل سيتم التصريح بها من طرف رئيس الجمهورية ذاته، والحقيقة أنّ من قام ببث هذه المعلومات لم يكن يدرك مدى سذاجة بعض الزملاء الإعلاميين من جهة ، وسرعة انتشارها (أي المعلومات الخاطئة) من جهة أخرى وعلى مستويات لم يكن يظن ولو للحظة واحدة أنّها ستصدق مثل هذه الإشاعات. هذا الكلام يجرنا حتما لتسليط الضّوء على البدائل التي يجب اقتراحها والتي من شأنها التقليل من وطأة القرصنة في الجزائر، كما أنّ غياب ثقافة إلكترونية ببلادنا زادت من تأزّم الوضع، بحيث تحوّل قراصنة النت إلى دارسين لسوسيولوجية وتركيبة الفرد الجزائري، الذي تستهويه المادة، فما كان منهم سوى اللجوء إلى الإشهار المزيّف للاسترزاق؟. وهي مسألة أخرى وجب الوقوف عند حدودها لتسليط الضوء عن مستعملي الأنترنت ومستواهم الثقافي، فالحقيقة الظاهرة أنّ عدد لايستهان به من روّاد مقاهي النت ومستعملي الشبكة العنكبوتية بالجزائر، ليست لهم ثقافة الأنترنت، بما أنّهم يصبون إلى هدف واحد لا غير وهو '' الإطلاع الفوضوي'' على كل ما تفرزه صفحات النت، دون معرفة الخبايا والمآرب التي يضطلع بها القراصنة عن غيرهم. نقول هذا الكلام في الوقت الذي تشرع فيه اتصالات الجزائر بالشراكة مع وزارة التربية الوطنية في تعميم استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة لدى المتمدرسين من خلال إطلاقها لبرامج تربوية على غرار ماحدث بالأمس في مقر المديرية العامة لمؤسسة اتصالات الجزائر أين تمّ استضافة 72 متمدرسا لمسابقة في الرسم الغرض من ورائها مواكبة الحركية التكنولوجية، لكن بعيدا عن الجوانب السلبية منها. وفي انتظار إحكام القبضة على من يقوم بتلويث المحيط الثقافي والعلمي باسم التكنولوجيا المضادة، تبقى الآمال معلقة إلى إشعار آخر.