العراق الجريح.. عبارة لطالما ترددت على ألسنة العرب الأشقاء، لكننا لاندري في حقيقة الأمر هل هي عبارة مستعملة للمواساة أم للتشفي؟. العراق الجريح، وإن سلّمنا بهذه العبارة على أنّها للمواساة والحزن على ما يجري بأرض الرشيد، نتساءل في الوقت ذاته: من المسؤول عمّا يحصل بأرض الرافدين؟. ولربما استدعى الأمر منا وقتا كبيرا لفك رموز هذه المعادلة الصعبة، ولكان لزاما علينا، إعادة شريط الذكريات لما سبق الاحتلال الأمريكي لبغداد العام ,2003 لكننا لسنا هنا لنحاسب بل لنرفع اللبس عن بعض الأخطاء التاريخية التي يريد أصحاب المصالح تثبيتها بالدعوة للتسليم بها. ما من شك أنّ العراق مهد الحضارات لم تعد كسالف عهدها، عراق العلماء ومنبت الأنبياء، لقد ضلّ بعض أهلها وسلّموا أنفسهم لوساوس الشيطان، يعد هناك حديث بهذه الأرض الطيبة سوى عن القتل والدمار والموتى والقنابل و.. و.. لم يعد هناك حديث سوى عن الخلافات التي تطبع الإخوة الأعداء وتميّز يومياتهم سواء في الشارع أو في قبة البرلمان، فهذا سني وذاك شيعي والآخر كردي.. وما خفي أعظم. بغداد تستدعي الشفقة، وهي التي كانت في ما مضى قبلة العلماء وصرح الخلافة الإسلامية في عصرها الذهبي في خلافة العباسيين، سقطت بغداد وسقطت معها حضارة أمة برمتها، ولم يأبه لذلك لا الإخوان ولا الخلان، وهاهم الأشقاء اليوم يلتفتون إلى العراق ويقررون عقد قمة عربية شهر مارس القادم ببغداد. الجامعة العربية التي كانت غائبة أيام قصف بغداد وتقتيل أبنائها بالآلاف وتشريد آلاف أخرى، أين كانت لحظتها وهي التي لا تعرف سوى التنديد والشجب؟. بالطبع كانت تقتفي آثار الأسياد من أمريكان وحلفائه وتنتظر ردود أفعالهم لتعلن عن موقفها من احتلال العراق، ها هي اليوم تدعو لعقد قمة عربية ببغداد، وكأنّ السيد عمرو موسى قد اشتاق للحديث مع الزعماء وتقمص دور رجل السلام والوحدة والمؤلّف بين الأشقاء.. ولأنّ الجزائر كانت دوما وأبدا إلى جانب القضايا العادلة، فإنّ موقفها جاء واضحا مرّة أخرى، رافضا تزكية الاحتلال بالعراق من خلال استجابتها لدعوة الجامعة العربية القاضي بعقد قمة عربية ببغداد شهر مارس القادم، وقد شهد شاهد من أهلها (أي من العراق) حسب الرسالة التي وجهها الشيخ حارث سليمان الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، ثمّن من خلالها موقف الجزائر الرافض لحضور القمة العربية بسبب وجود الاحتلال الأمريكي، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام نقلا عن موقع الهيئة، ومن هذا المنطلق نسجل والتاريخ معنا موقف الجزائر المشرف مرة أخرى بخصوص دعمها للقضايا العادلة دون نفاق ومخادعة. الجزائر، التي كانت منذ شهور خلت عرضة للهجمات الإعلامية المصرية، ها هي تضرب أروع الأمثلة في تشبثها بموقفها الذي لم ولن تحيد عنه والداعي إلى مساندة ودعم القضايا العادلة ونبذ كل أشكال الاحتلال، فالعراق ليس بلدا حرا مثلما يتصوره البعض، فالدعوة لانتخابات حرّة ونزيهة وتشكيل حكومة ائتلاف ومهاجمة المحتل الأمريكي من منبر البرلمان، ليست في حقيقتها الخفية سوى نفاق ومخادعة للرأي العام المحلي والدولي، أمام صمت مطبق للأشقاء.. العراق الجريح لم يعد جريحا فحسب، بل أصبح ممزقا ومتناثر الأشلاء، القوي فيه يأكل الضعيف، ولا تكاد تفرق بداخله بين العسكري والمدني والمرتزقة، فالكل متشابه وكأنّك تشاهد صورا عن بيروت أيام الحرب الأهلية.. قتلى وجرحى وآهات الثكالى وبكاء الأطفال ونحيب العجائز، هي صورة قاتمة للبد مزّقته العصبية، فلم يصمد أمام حملات الترهيب ويوميات الدمار.. مشاهد أصبحت مألوفة لدى القاصي والداني، ومواقف رعاة سياستها لم تعد تفاجئ أحدا، فبدل من اتخاذ قرار مشترك بين الأشقاء العرب يقضي بمواجهة أمريكا بقرار موحد يدعوها صراحة للخروج من العراق وتركه للأبد، لم تجد الجامعة العربية من لعبة تسلي بها أعضاءها سوى دعوة الزعماء العرب لعقد قمة في بغداد، وكأنّه تحد للغزاة، في الوقت الذي يعتبره الغرب وبقية دول العالم تزكية للوجود الأمريكي بأرض الرشيد. من الجريح يا ترى؟ هل هو فعلا العراق أم الأمة العربية التي فقدت كرامتها وأنافتها بمواقف بعض زعمائها؟ أو ليست الأمة العربية مسؤولة عمّا يجري بالعراق، من خلال صمت أبنائها وكأنّهم راضون عمّا يحدث في العراق؟. صراحة لم نعد نفرّق بين الصالح والطالح وبين الضحية والجلاد..