وضع القاضي الأول في البلاد، رئيس الجمهورية، إصبعه على مكمن الجرح، حينما دعا المسؤول الأول على قطاع الاتصال ناصر مهل ''إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات الرامية إلى تحسين تكوين الصحفيين بغية ترقية مهنية أكبر'' وفي نفس السياق؛ أي خلال ترأسه للاجتماع التقييمي المصغر المخصص لقطاع الاتصال، لم يتوان رئيس الجمهورية في الدعوة لتكييف التلفزيون ملحا -مثلما أوردته جل الصحف الوطنية- ''على ضرورة ترقية الكفاءات والخبرات الوطنية لتشجيعها على تقديم إسهاماتها التقنية والإبداعية، بغية تحسين خدمات مختلف القنوات في سياق التغييرات والتحديات التي يشهدها العالم في مجال الاتصال''. دعوة رئيس الجمهورية جاءت في خضم التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الإعلام والاتصال في العالم، وفي سياق الهيمنة الغربية في المجال الإعلامي، وعليه يجب الأخذ بعين الاعتبار هذه المستجدات، لأنّ الحروب اليوم لم تعد تعتمد على الآلة العسكرية فحسب، بل تعدتها إلى الحروب الإعلامية، سواء تعلق الأمر بالسمعي-البصري أو المكتوب، وحرب أفغانستان والعراق وغزة ليست بعيدة عنا، وهي الحروب التي عرفت ثورة إعلامية حقيقية، من خلال نقل بعض الفضائيات لأطوار المعارك على المباشر، لتتربع بذلك الصورة على عرش السياسة الدولية الجديدة. وإن كان الإعلام الجزائري بشكل عام قد استطاع مواكبة هذه الأحداث، إلا أنّ عنصر عدم الحضور الميداني لصحفيينا في كل هذه المعارك المشار إليها أعلاها أنقصت من مصداقيته أمام المشاهد والمستمع والقارئ، وعلى عكس ذلك برزت كفاءات ميدانية كبيرة في الدول المجاورة، أحدثت بفضل تكوينها الجيد وخبرتها الميدانية نقلة نوعية في عالم الإعلام والاتصال، في الوقت الذي لا زال فيه الصحفي الجزائري يعاني مشكل التكوين الميداني، وهو الأمر الذي اتضح جليا خلال نهائيات كأس العالم الأخيرة، التي كانت دولة جنوب إفريقيا مسرحا لها، فعدد لا يستهان به من الصحفيين الجزائريين وجد نفسه تائها بين عدسات الكاميرات الأجنبية أو السيل المتدفق من المعلومات التي كانت تنزل تباعا على قاعات تحرير جرائدهم، فنقص التكوين والخبرة الميدانية على حدّ سواء جعلا من الإعلامي الجزائري حبيس معطيات تقليدية خالية من الإبداع ومن الجرأة الإعلامية. لا أعتقد أنّ هناك من يشكك في قدرة الإعلامي الجزائري بشكل عام، إلاّ أنّ العالم يجري بخطى متسارعة، ومنه وجب مواكبته وفق آليات يحدّدها المشرّع والإعلامي الجزائري، تستجيب لاحتياجات المواطن لإعلام هادف ومفيد، الغاية منه هو إيصال المعلومة لمن يحتاجها دون تزييف أو تلفيق في سياق تعدد الآراء وتنوع المادة الإعلامية -مثلما أشار إليه بوتفليقة في معرض حديثه-، بالاعتماد على الحنكة المهنية والتحلي بالضمير المهني، بعيدا عن المزايدات والمتاهات التي لا تخدم أي طرف، بل عكس ذلك تسيء كل الإساءة للجزائر دولة، حكومة وشعبا. عنصر التكوين يبقى في اعتقادي أهم حلقة في إنجاح الإعلام الجزائري، وليس من العيب بمكان أن يحس الإعلامي بخدش في كبريائه عندما نتحدث عن ضرورة تكوينه ورسكلته، لأنّ العالم يتحرك ولا ينتظر المتأخرين عن الركب، فالإعلام كونه يمثل السلطة الرابعة، لا يحق لممثليه التقاعس عن أداء واجبهم المهني النبيل، بالاعتماد على مصادر خبر موثوقة ومعلومة، لتجنب السقوط في فخ اللا مبالاة، كما أنّ التكوين الميداني الجيّد فضلا عن رسكلته للإعلامي، يساهم في نضجه المهني أيضا، ويجعل منه أداة فعالة لنقل المعلومات أينما كانت وحيثما وجدت، فالصحفي المتمرس هو من يحافظ على تألقه ومتابعته المستمرة والحثيثة لما يجري من حوله، ولن يتأتى له ذلك إلا بتحيين معلوماته ومصادر خبره ومتابعة التكوين الجدي، الذي من شأنه الرفع من قيمته الإعلامية. ربما نجد أنفسنا اليوم وتحديدا في الجزائر، أمام جدلية ''هيجلية'' -نسبة إلى العالم الألماني هيجل- الذي كان وراء نظرية العبد والسيد، وهي في هذا المقام خير مثال لما يحدث في الإعلام الجزائري عموما، فحسب هيجل، لم يعد للسيد مكان بين الأسياد، بعد أن تخلى عن العمل وترك زمام الأمور لعبده، ليصبح هذا الأخير سيدا لسيده، في ما أصبح السيد عبدا لعبده، وقد ظهر كل ذلك بفعل عدم التحيين أو التكوين بالمفهوم العصري، فالاكتفاء بالجانب النظري أو الاعتماد على ضوابط ومقاييس مهنية قديمة لا يزيد الإعلامي إلاّ تراجعا. التكوين إذن هو معادلة ضرورية في الحياة المهنية للإعلاميين، والاحتكاك بالكفاءات وزملاء المهنة المتميزين يزيد الإعلامي نجاعة، فهل يمكن إسقاط شيء من الكبرياء المبالغ فيه لدى بعض الزملاء؟