من المؤكد أن النظام الإيراني بات يبحث عن مخارج لأزمته مع الدول الغربية والعربية في آن واحد بعدما أدار الأزمة النووية بطريقة محكمة بلغت حدا لا يمكن لإيران أن تتراجع الى الوراء في الصناعة النووية السلمية وغير السلمية لدرجة عجزت معها الإدارة الأمريكية والصهيونية على توجيه ضربات عسكرية احترازية تؤجل امتلاك إيران للسلاح النووي لعدة سنوات عوض السنوات الخمس القادمة. لكن مقابل هذا النجاح الإيراني في امتلاك التكنولوجيا النووية تظهر في الشارع والنظام الإيراني رؤية جديدة تؤكد أن العقوبات الدولية ضد إيران على مدى العشر سنوات القادمة يمكن أن تخلق أزمة سياسية حادة في الداخل ستؤدي لا محالة الى تغيير سياسي قد يعيد ملف العلاقات الإيرانية الدولية الى نقطة الصفر أو الى نقطة المواجهة المحتومة، لكن أطرافا أخرى تقول إن إيران متعودة على العقوبات الاقتصادية منذ قيام الثورة الإسلامية سنة 9791 والحصار المفروض عليها بفعل سنوات الحرب ضد العراق في عهد الرئيس المقتول صدام حسين. وذكرت تقارير إعلامية أن موجة مقاطعة إيران اقتصاديا تتعاظم يوما بعد يوم، آخرها إعلان شركة صناعة الصلب في ألمانيا قطع علاقاتها مع إيران حيث قال الرئيس التنفيذي للشركة إن شركته تدعم سياسة العقوبات التي تنتهجها ألمانيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، علما أن شركته تعد من أكبر الشركات المختصة في الحديد في العالم وظلت تنشط في إيران منذ سنة 6791، ورغم تسجيلها أرباحا قوية الا أنها مالت الى التوجهات الدولية الغربيةالجديدة في مقاطعة إيران، هذه المقاطعة وغيرها بدأ السكان في إيران يشعرون بتأثيرها الحاد في الواقع المعيشي من خلال ارتفاع كبير في الأسعار وضعف القدرة الشرائية وارتفاع في معدل البطالة الى 03 بالمئة، ورغم هذا يعتقد بعض المحللين الغربيين أن الإيرانيين اعتادوا على هذا النمط من المعيشة طيلة سنوات الثورة الإسلامية من خلال عزلة دولية، وأن الشعب الإيراني يميل الى القيادة الحالية بقيادة أحمدي نجاد نظرا لمواقفه السياسية داخليا وخارجيا، كما أن الإيرانيين عموما يتميزون بالعزة والفخر في مواجهة الغرب، خصوصا وأن النظام الإيراني تمكن من ترويض الدول الغربية والولايات المتحدةالأمريكية بالخصوص من خلال سياسة شد الحبل في العراق وأفغانستان، حيث تلعب إيران والحرس الثوري بالخصوص دورا كبيرا في السياسة الداخلية العراقية بعدما سيطر الشيعة الموالين لإيران على الحكم في العراق، فضلا عن ذلك فإن تأثير الأزمة الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية على الجبهة الاجتماعية في إيران لن يؤدي الا لتقوية السياسة القمعية للنظام الإيراني الذي تمكن من دحر المعارضة السياسية في الفترة الأخيرة، وأي تحرك للجبهة الاجتماعية للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية يعني اتهاما للمعارضة، وهو ما تخشاه القوى المدنية الحية في إيران وللشعب الإيراني عموما، وبإمكان النظام الإيراني تخفيف آثار الأزمة والعقوبات من خلال الثروة النفطية الهائلة التي تتمتع بها إيران خصوصا وأنه بفضلها تمكنت الثورة الإسلامية من الصمود ومواجهة الآثار السلبية للحصار والحرب ومحاولات الغرب احتواء الأوضاع داخليا، بل إن هذه الأزمة هي التي أدت الى تقوية النظام الإيراني على الساحة الإقليمية ليتحول الى لاعب رئيسي حتى في لبنان حيث سيزور الرئيس أحمدي نجاد لبنان لأول مرة وسيزور مناطق الجنوب اللبناني وبالضبط المناطق التي عرفت قتالا شرسا بين فرقة الجولاني الصهيونية ومقاتلي حزب الله في بنت الجبيل. داخل إيران هناك نظرة تشاؤمية من مصير العلاقات بين إيران والغرب وأزمة العقوبات عبر عنها صراحة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني الذي انتقد فشل أحمدي نجاد من مواجهة آثار العقوبات، وقال رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام إن إيران تتعرض لضغوط عالمية غير مسبوقة، وإن الحكومة أخطأت عندما اعتبرت أن العقوبات لا تشكل أي تهديد للاقتصاد. إضافة الى هذه العوامل، يخشى النظام الإيراني من التقارب الروسي - الغربي الأمريكي بالخصوص الى درجة أن النظام الإيراني استجوب عددا من الخبراء والفنيين الروس عن مصدر الهجوم الفيروسي الأخير في مصنع بوشهر، بالإضافة الى تراجع روسيا عن بيع صواريخ ''أس 003'' وتعويض إيران مبلغ 008 مليون دولار، علما أن هذه الصواريخ بإمكانها إسقاط صواريخ وطائرات على بعد 051 كلم، بل إن روسيا تحظر لقرارات رفض بيع إيران أي نوع من الأسلحة القتالية. كل هذه المعطيات تؤكد أن السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل إيران النووية الإقليمية العظمى أو إيران المواجهة مع الدول الغربية. فاتح لعقاب