الزائر لايران هذه الأيام يشعر بأن مخاضا قادما لا محال، ذلك أن إصرار إيران على حقها في امتلاك القوة النووية يجعلها محل مفخرة العالم الإسلامي، وضغوط مختلف القوى الكبرى، فاغلب الصحف والنشرات الإيرانية والدولية تفرد مساحات كبيرة عن هذا الملف، وهو موضوع العام والخاص، ولكن إيران ليست فقط النووي، أنها الصناعة الحربية، صناعات السيارات والثورة الإعلامية أو المعلوماتية، القوة التي ستدخل نادي الكبار اليوم او غدا على حد تعبير الرئيس احمدي نجاد. قصور الشاه وضريح الخميني حكمت العائلة البهلوية قرونا طويلة في إيران، وكان حكم الشاه محمد رضا بهلوي، آخر عهد العائلة البهلوية بالسلطة، وتميز حكمه بالقوة والديكتاتورية، كما ارتقى بإيران إلى مصافى الدول الراقية، في مختلف المجالات، وأصبحت إيران في عهده القوة العسكرية الرابعة في العالم، بفضل تحالفه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإسرائيل التي كانت لها سفارة بطهران، ولكن الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني قلبت موازين القوى، فلم تعد إيران تتبع الغرب أو الشرق،و وأخفقت السي أي ايه، في تحليلاتها وقراءتها للمستقبل، ورفع الخميني شعار "لاشرقية لا غربية، إسلامية إسلامية"، كما أخفقت الاستخبارات الامريكية في قراءتها للواقع العراقي،وحتى في السودان وأفغانستان. انتهى حكم الشاه، كما رحل الخميني عن هذا العالم، وبين هذا وذاك، ترك الشاه قصورا أصبحت مزارا للإيرانيين والأجانب، قصورا زرنا بعضا منها في العاصمة الإيرانيةطهران، حيث تفنن الشاه في اختيار قصوره، وأثاثه، فقصر للاقامة خلال فصل الصيف، وآخر خلال فصل الشتاء، زرنا قصر الإقامة الصيفية وهو عبارة عن قصر ضخم يتوسط حدائق ممتدة على طول البصر، وقصور أخرى يتخذها الشاه للإقامة فيها بحسب هواه، و أخرى له فيها حاجة أخرى. دخلنا القصر حيث وجدنا العديد من الطلبة والعائلات الإيرانية تزور هذا المعلم التاريخي للذكرى، كيف انتهى من يصفه الإيرانيون "بالطاغية" و"العميل لأمريكا وإسرائيل". أبدع من صمم هذا القصر في المزج بين مختلف الأشكال الهندسية والفنية، فجزء كبير من الأثاث يعود إلى القرن 18، الطابق الأول به قاعة استقبال كبيرة وكذلك قاعة طعام تزينه لوحات زيتية مرصعة بالذهب، ولوحات زيتية تعود إلى القرن 19، ورزابي فاخرة تكسو أرضية القصر. أما في الطابق العلوي حيث نجد مكتب للشاه مزين هو الآخر بتحف فنية قديمة جدا، تعود إلى القرن 18، وكذلك تلفزيون ومكتب وأثاث قديم يستخدمه الشاه، والى جانب ذلك توجد غرفة نوم الشاه مساحتها 75م2.وبالجانب الأخر للغرفة قاعة استقبال الوفود الأجنبية، بها أربع جداريات وزخارف زيتية ومرصعة بالذهب كذلك، وبعدها تأتي قاعة الأكل، ويقال إن الملك حسين، العاهل الأردني السابق، وجيمي كارتر الرئيس الأمريكي السابق كذلك كانا آخر ضيوف الشاه على مائدته قبل انتصار ثورة الخميني، مساحة هذه القاعدة 145م2، بها جدارية فرنسية مرصعة بالذهب، وزربية طولها 145م2 تكسو أرضية القاعة.وتشبه قصر فرساي أو قصر المرايا بباريس. وهناك قاعة أخرى بروتوكولية حيث يجلس الضيوف قبل أن يستقبلهم الملك أو لإقامة الحفلات الرسمية، وبها ثان أطول زربية من السجاد الإيراني طولها 140مترا مربعا، ويقال إن هناك مزهرية أهدتها الملكة اليزابيت إلى شاه إيران.ولزوجة الشاه مكتبها الخاص كذلك وقاعة للأصدقاء مزخرفة بزخارف متنوعة تعود إلى فترات قديمة، وللشاه غرفته الخاصة ليقضي فيها قسطا من الراحة في أوقات النهار. واغلب الألوان التي نجدها بهذا القصر هو اللون الأحمر الذي كانت العائلة البهلوية منذ حكمها لإيران يتردد في اغلب المباني القديمة وحتى الحديثة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. ومقابل هذا المشهد توقفنا على صورة متناقضة تماما، حيث المئات من الإيرانيين، وفي بعض الأحيان يصلون إلى الآلاف يزورون ضريح الإمام الخميني ليلا ونهارا، بل وجدنا عائلات إيرانية تقضي ليلتها في العراء لتزور ضريح قائدها، والضريح عبارة عن مسجد كبير تتوسطه قبة مرصعة بالذهب ومأذنتين طويلتين مذهبتين، يمتد هذا المبنى الجديد على آلاف الأمتار المربعة، حيث يحتضن المناسبات المختلفة الوطنية والدينية منها، فضلا عن عيد الثورة، لم أجد تفسيرا لهذا إلا لوحة في العاصمة الإيرانية مكتوب عليها "انسجام الأمة مع المبادئ الإسلامية"، فلم يحدث قط أن رأيت مواطنا عربيا يبيت العراء لينهض صباحا ويقرأ فاتحة الكتاب على روح زعيم عربي. الملف النووي والبنزين لايزال موضوع الملف النووي حديث الساعة في إيران، بل وفي العالم كله، وإذا كانت مواقف الرسميين الإيرانيين معروفة، بحيث أعلن القادة الإيرانيون عن تمسكهم بحقهم المشروع في اكتساب التقنية النووية كما يقولون، وهذه المواقف صدرت عن علي خامنئي، مرشد الثورة الإسلامية، إلى رئيس الجمهورية الدكتور محمود احمدي نجاد، وإذا كانت بعض وسائل الإعلام الغربية تدعي أن هذه المواقف رسمية فقط ولا تعبر عن قناعة الشعب الإيراني فهذا غير صحيح، اذ وفي جولة إلى احد شوارع طهران الكبيرة، أكد العديد من المواطنين الإيرانيين عن وقوفهم إلى جانب حكومتهم، فقالت طالبة إيرانية تدرس بجامعة طهران، إن "إيران من حقها أن تكتسب التقنية النووية، وتساءلت عن سر تكالب القوى الكبرى ضد إيران، ووجهت إليها سهام الشك في برنامجها النووي بأنه يخفي أغراضا أخرى غير الأغراض السلمية"، ومن جهته قال محمود رضا، وهو بائع جرائد بشارع ولي عصر احد اكبر الشوارع في العاصمة طهران، انه يدعو الأممالمتحدة لتفتيش المفاعل النووي الإسرائيلي، بحيث لا يزال الكيان الصهيوني، يتبجح بإنتاجه للقنبلة النووية، بل لترسانة نووية، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تفعل أي شي حيال ذلك، وعن سؤالنا في حال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران إذا بقيت الحكومة على موقفها؟، قال محدثنا "ساعتها ستتحول المنطقة كلها إلى ساحة حرب"، ومن جهته قال مواطن إيراني كان يستمع إلى حديثنا، إن "إيران لا تريد صناعة القنبلة النووية، وإنما حددت أهدافها في حصولها على الطاقة النووية للأغراض السلمية فلماذا تجرم إيران؟" يتساءل هذا المواطن بكل براءة، ثم هناك ترسانة نووية في كل بقاع العالم، فلم يستعملها أحد، إذن لماذا الكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإيران؟ يتساءل دائما هذا المواطن، وغير بعيد عن شارع ولي عصر، امتطيت سيارة أجرة متجها إلى الفندق، إذ أكد السائق ويبدو من ملامح وجهه انه في العقد الخامس من العمر، يقول "إذا كانت أمريكا والدول الأوروبية امتلكت التقنية النووية فلماذا تحرم إيران منها، ونحن اليوم يوزع علينا البنزين بنظام الحصص، حيث لا يستفيد السائق إلا من ثلاثة لترات في اليوم فقط، إلى غاية حل أزمة التزود من الوقود"، وإذا كان البعض يريد استغلال هذه الأزمة لأغراض دنيئة على حد قوله، "فان ذلك جواب مباشر لمن يريد أن يمنع إيران من الحصول على التقنية النووية، فالنفط سينفذ اليوم أو غدا ولابد من بديل جديد"، وإذا كان الأمريكيون يضيف المتحدث نفسه، يبحثون في الطاقة البديلة فأين حق إيران إذن؟. الإعلام واجهة إيران إلى العالم عانت إيران طويلا بسبب الحصار الذي فرضته الإدارة الأمريكية عليها اثر انتصار الثورة الإسلامية، إلا أن ثورة المعلوماتية أخرجتها من القوقعة التي كانت عليها، وتمكنت إيران من استثمار ذلك لتسويق صورتها في العالم من خلال إطلاق العديد من القنوات الفضائية وبمختلف اللغات، ويصف نائب رئيس المدير العام للتلفزيون والإذاعة الإيراني ذلك،" بالدبلوماسية الإعلامية" لمواجهة قوى الاستكبار العالمي، ففي إيران اليوم حوالي خمسون قناة تلفزيونية، ومائة قناة إذاعية تبث على مختلف الأقمار الصناعية إلى أكثر من 140دولة، وآخر هذه القنوات، قناة "براس تي في" الناطقة باللغة الانجليزية، وبخصوص هذه القناة قال السيد محمد هونارد دوست الذي التقيناه في مكتبه خلال زيارة مبنى الإذاعة والتلفزيون، إن "إطلاق مثل هذه القناة باللغة الانجليزية إضافة ايجابية إلى سلسلة القنوات الموجودة حاليا" في إشارة إلى قناتي الجزيرة والسي أن أن، ولكن تتطلع القناة الإيرانية الانجليزية إلى تقديم رؤى مغايرة لما يحدث في العالم، الصورة التي يسعى الإعلام الغربي إخفاءها عن المشاهد، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ونفس الأمر ينطبق على قناة العالم الناطقة باللغة العربية، التي تخاطب العالم الإسلامي الناطق بالعربية، فضلا عن تغطية ابرز الأحداث التي تعرفها القارة الاسياوية بحكم الموقع الجغرافي لإيران الرابط بين الشرق والغرب،إذ أن إيران تعتبر كما يضيف نائب المدير العام جسر تواصل بين الدول الإسلامية في أسيا، والعالم العربي في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وتغطي قناة العالم ابرز الأحداث التي يشهدها العراق بعد افتتاح العديد من المكاتب في البصرة وكركوك والنجف، فضلا عن بغداد ويرى محمود رمك مدير قسم المراسلين في القناة أن العالم باستطاعتها منافسة بقية القنوات الفضائية العربية والغربية بحكم خصوصية المكان كالخبرالإيراني والعراقي، أو حتى الخبر العاجل. كما يعتقد نائب المدير العام للإذاعة والتلفزيون الإيراني، أن المرحلة الحالية تتطلب على الأمة الإسلامية استثمار جهودها في مجال الإعلام وعدم ترك المكان شاغرا لتعبث به القوى الكبرى، التي زرعت حسبه في كل المنطقة الحروب والدمار. أما بخصوص البرامج السياسية فان التلفزيون الإيراني، منفتح على كل التيارات السياسية التي تقبل بالنظام الإسلامي في إيران، وتتبع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون سياسة النظام الإيراني، من خلال تعيين مجلس إدارة من طرف الإمام القائد علي خامنئي مرشد الثورة الإسلامية، وكذا عضوين من الحكومة، ومن البرلمان، ومن السلطة القضائية، وتوظف الشبكة 30 ألف موظف، منهم 75بالمائة موظفين، 25بالمائة غير دائمين. وقد توقفنا على سير عمل بعض القنوات الإخبارية الإيرانية، كشبكة خبر، أو قناة العالم، التي تتجه إلى العالمين العربي والإسلامي، وكذلك الأوروبي، كما توقفنا على سير عمل القناة من ورود الخبر إلى معالجته وبثه بالصوت الصورة. غادرنا إيران وهي تقطع أشواطا أخرى نحو الرقي واقتطاع مكان لها وسط الكبار كما قال لنا الرئيس الإيراني وهو يستقبلنا في القصر الجمهوري ويردد أن إيران ستصبح قوة نووية اليوم أو غدا، ومن حقها التمتع بهذه التقنية، وقريبا ستدخل نادي الكبار. مبعوث الشروق إلى طهران: مراد أوعباس