إن اصطلاح علم المستقبل ظهر لأول مرة العام 3491 في أبحاث العالم الألماني الاجتماعي ''أو سيب فلتخايهم ''، الذي هاجر إلى الولاياتالمتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وقد أخذ بالتعليق على الأعمال المتزايدة حول التنبؤ الاجتماعي، وكتب عن ظهور علم جديد وكان ذلك علم المستقبل أوفيوثورلوجي وانتشر انتشاراً كبيراً في الغرب، واكتسب قوة واندفاعاً كبيرين نتيجة لتطور الوسائل الفعالة التي تساعد على التنبؤ في مجال العلوم الاجتماعية، ولقيام المئات من مؤسسات الأبحاث الكبيرة والدوائر المتخصصة بالتنبؤ في تطور العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والدولية والقانون والسياسة الداخلية والخارجية والعلاقات الدولية وأبحاث اكتشاف الأرض والفضاء ... الخ. ويرجع بروز هذه الدراسات المستقبلية وتعاظم الاهتمام بها إلى عاملين رئيسين: هما أزمة النظام الرأسمالي والتقدم العلمي والتقني. وقد أسفر العامل الأول عن ظهور كتابات، حاولت أن ترسم صورة أفضل لمجتمع الغد، تعتمد على مظاهر التقدم العلمي والتقني. أما العامل الثاني وهو تطور أدوات المعرفة والقياس، وتطور أساليب تحليل النظم كتطور الأدوات المعرفية، فقد أعطى دفعة قوية للدراسات المستقبلية. وإلى جانب هذين العاملين هناك عامل آخر، لا يقل أهمية، وهو ظهور عدد من الدول الناشئة الجديدة التي تبحث عن وسيلة للتغلب على التخلف الاقتصادي والاجتماعي لديها، والتي وجدت في دراسة المستقبل وسيلة للتنبيه على السلبيات المعتمدة حالياً، وكيفية اختيار سياسات بديلة لدرء تلك السلبيات في المستقبل. فعن طريق الدراسات المستقبلية يتم وضع عدة بدائل معينة للمستقبل، توضح عدة مسارات مستقبلية، قد تتخذها النظم الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. وبالتالي فإن هذه الدول الناشئة يمكنها، بما توفره لها الدراسات المستقبلية من صور عديدة للمستقبل، أن تعمل من خلال سياسات معينة على الاقتراب من البديل الأفضل الذي يحقق لها غاياتها في تحقيق التنمية والقضاء على عوامل التخلف لديها . هذا فضلاً عن تطور أدوات المعرفة، وخاصة أدوات التنبؤ وقياس الظواهر الكمية والكيفية . ولكن دون أن نكون في مأمن من الآثار السلبية والإيجابية التي يمكن أن تترتب عن التطور العلمي والتقني مع اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفةوالسبيل للموازنة بين إمكانات الإنسان القائمة والمحتملة لمواجهة أخطار المستقبل . لذلك برزت أهمية الاهتمام بهذه الدراسة، فاستشراف المستقبل في الوقت الحالي يعتبر من الأمور الضرورية والمهمة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، والمستقبل ليس مجرد امتداد للحاضر فقط، بل ندرس الماضي ونستخلص منه بعض العبر، ونحلل الحاضر بكل أبعاده وتفاعلاته، ونعمل على تخيل المستقبل، ونحاول أن نرصد تطور العلاقات الملموسة في الحاضر، من خلال رسم صور محتملة وممكنة للمستقبل، تكون خلاصة لكل ما أجريناه من أبحاث وتحليلات . فالدراسة الاستشرافية ليست بالأمر الهين، فحدودها لا ترسم عند دراسة الماضي والحاضر، بل تتسع لتشمل إمكانية استكشاف نوعية وحجم التغيرات الأساسية الواجب حدوثها في مجتمع ما، حتى يتشكل مستقبله على نحو معين منشود، وذلك بتوفير المعلومات الضرورية التي تخدم واضعي البرامج والاستراتيجيات ومتخذي القرار في الدولة. إن استشراف أي وضع قائم في المجتمع اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، يتطلب الإلمام بجملة المتغيرات والتشابكات والتفاعلات الخاصة بعملية الاستشراف، بين ذلك الوضع القائم المقصود استشراف مستقبله، وبين الأوضاع القائمة الأخرى. وفي الوقت الحاضر ما أحوجنا في مؤسساتنا العلمية، وفي مراكز صنع القرار، أن نستخدم هذا المنهج في دراساتنا وأبحاثنا، حتى نستطيع أن نحدد مساراتنا واتجاهاتنا، وحتى نتقي قدر ما نستطيع سلبيات ما نتعرض إليه في حاضرنا.