أوصل التقدم الحثيث لتكنولوجيا المعلومات المتقدمة في السنوات الأخيرة إلى ظهور مستقبل آخر للأخطار التي تواجهها البشرية وحصلت على تسمية "الهوة الرقمية"، والحديث هنا يدور عن زيادة الهوة بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة من حيث توفر وسائل الاتصال والمعلوماتية، و"الهوة الرقمية" عرفت من خلال تواجد من 250 مليون كمبيوتر على الكرة الأرضية اليوم، 40 % منها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، و الكمية نفسها تقريباً في الدول السبع الكبرى الأخرى، و20 % فقط هي حصة 5.5 مليار إنسان، فحوالي ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم اليوم يعيشون في الولاياتالمتحدةالأمريكية والكمية نفسها في أوروبا وأقل قليلاً في اليابان وجنوب كوريا وجنوب شرق آسيا وأقل من 10 % في دول العالم الأخرى، وللمقارنة في الولاياتالمتحدةالأمريكية والسويد 600 هاتف لكل ألف نسمة، بينما في التشاد هاتف واحد لكل ألف نسمة وهذا يظهر عملياً أن كامل المعلومات وكل الاكتشافات في هذا المجال متمركز في الدول التي يعيش فيها 15% من سكان الأرض وهذا يعني "المليار الذهبي"؛ في الوقت الذي يستطيع استخدامها 50 % من السكان، ليبقى 35 % يعني 2 مليار إنسان خارج هذه العملية، وأن عدم توفر شبكات الهاتف يفسر أسباب عدم تمكن أكثر من نصف الكرة الأرضية من إجراء اتصال هاتفي عام 2000، والتفوق الهائل للغرب في هذا المجال يشكل تهديداً ليس بتعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم، بل ويمهد لإساءة استخدام الساحة المعلوماتية من أجل العدوان، من خلال تحكم الغرب وتوجيهه للحملات الإعلامية لتحقيق أهداف محددة له وخير مثال على ذلك أن قصف أفغانستان وقصف العراق وقصف يوغسلافيا وقصف لبنان وقصف فلسطين بدأ والأمريكيين والأوروبيين يتابعون تلك الأحداث باهتمام على شاشات التلفزيون وكأنها ألعاب كمبيوتر لا غير. مستقبل العلاقات الدولية في مقارنة قام بها بعض المؤرخين للتنبؤات التي وضعها السياسيين عام 1900 وما حدث فعلاً خلال قرن من الزمن ظهر أنهم لم يتوقعوا من خلال تنبؤاتهم بالأحداث الهامة التي جرت خلال القرن ال20 لا الحربين العالميتين ولا ثورة أكتوبر البلشفية في روسيا ولا تشكل الدول الاشتراكية ولا انهيار النظم الاستعمارية العالمية، ليثبت أن التنبؤ في مجال التطور العالمي صعب جداً، وهو أصعب بكثير من التنبؤ في مجال برامج الاستنساخ الطبية أو في مجال غزو الفضاء وانتقال البشر إلى الكواكب الأخرى، ومع ذلك فقد حاول البعض وضع سيناريوهات ممكنة للمستقبل منطلقين من حقائق العصر، منها: - أنه من الممكن توقع مستقبل انفراد الولاياتالمتحدةالأمريكية في مسعاها لفرض هيمنتها على العالم خلال السنوات العشرين القادمة. لأن هذه الدولة مستمرة في المضي على طريق زيادة الهوة بينها وبين المجتمع الدولي في مجالات العلاقات المالية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والحربية والسياسية وغيرها، وخلال سنوات الفترة الرئاسية الأولى من حكم «كلينتون» "1992- 1996" للولايات المتحدةالأمريكية ارتفع المؤشر الاقتصادي للدخل القومي بحوالي 4 % سنوياً وهو ما حدث للدخل القومي الألماني، وخلال الفترة الرئاسية الثانية ل«كلينتون» زاد الدخل القومي الياباني وتحدث الكثيرون عن "المعجزات الاقتصادية" الأخرى، وفي الواقع أن المعجزة جرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، لأن العولمة في ظروف القطب العالمي الواحد تضيق على الدول المستقلة الكبرى الأخرى، ولا تدعهم يسلمون بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية للعولمة، ولا يستبعد أن واشنطن كقائد ستقوم بتنفيذ خطط إستراتيجية لإضعاف أو إنهاك تلك الدول، وهنا لابد من التذكير بما كتبه «هنتنجتون» من أن "النظام أحادى القطبية يبشر بقيام دولة عظمى واحدة، وغياب الدول العظمى الأخرى وعدد كبير من الدول الصغيرة"، لنستنتج أن دولاً كبيرة مثل روسيا، والصين، والهند غير مرغوب بها للولايات المتحدةالأمريكية ليبرز سؤال مهم إلى متى ستستمر حالة عالم القطب الواحد هذه؟ وهو ما حاول الإجابة عنه الأكاديمي الروسي «مويسييف» معتمداً على قوانين الرياضيات، مؤكداً عدم إمكانية الاحتفاظ بهذا الوضع لفترة طويلة، لأن التاريخ أثبت أنه في كل مرة أدارت فيها قوة عظمى واحدة العالم دون أن يكون لها قوة معادلة انهارت كروما والإمبراطوريات الأخرى التي سيطرت على العالم القديم منفردة، وشبه هذا الوضع بكرسي يستند على ساق واحدة، وذكر أنه "بعد التدمير الإجرامي لمركز القوة الثاني الاتحاد السوفييتي السابق الذي قامت به جماعة صغيرة، انهار التوازن السلمي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودمرت طبيعة تطور الأحداث في عملية التفاعل الكوني، وأصبح كل شيء مرتبط بشكل جديد من أشكال القوة العسكرية، وبدأت تظهر مساعي واشنطن التي تعلم أنه لا يمكنها الصمود طويلاً وحيدة للحصول على مساندة غرب أوروبا لتكون الشريك الاستراتيجي الأصغر، في الوقت الذي أخذت فيه بعض الدعوات بالظهور تدعوا الغرب بالسعي لبناء تحالف أمريكي أطلسي من أجل تحقيق الاستقرار في العالم. وأدى تركيز مراكز القوى المالية والاقتصادية والتجارية إلى تحول شرق وجنوب شرق آسيا إلى مركز لنصف الاقتصاد العالمي المالي والتجاري والسكاني، وتوقع البعض أن تملك الصين حتى عام 2020 أكبر اقتصاد عالمي، مشيرين إلى أن هذا لا يعني وزنها العسكري والسياسي بل بمستوى الحياة في الصين نفسها الذي سيتفوق على نظيره في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، وأن الصين لن تترك واشنطن تتحكم بالعالم وحدها، وأن الهند بسكانها ال1.2 مليار نسمة ستصبح الدولة الرابعة في عالم الاقتصاد، ووفق توقعات البنك الدولي، ستبقى 3 دول غربية هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ألمانيا والبرازيل؛ ضمن الدول العشر الأكثر تتطوراً اقتصادياً في العالم حتى عام 2020 والسبع الباقية في آسيا، رغم أن التأثير المباشر على العلاقات الدولية خلال العشر سنوات القادمة سيبقى كما في السابق متركزاً في ثلاثة مراكز للقوة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، ومن المتوقع أن تنضم إليهم الصين والهند وأن تلعب روسيا وحلفائها دور مركز الثقل على تطور الأحداث العالمية. ومن تحليل لتوقعات المتخصصين الأجانب، يمكن أن نجد أن العولمة: - عززت التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول، وتغيرت إلى حد بعيد الأجندة السياسية الدولية، ورافقها تغيير لأفضليات مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدلت إمكانيات وسائل تنفيذ سياستهم الخارجية. - أن مفهوم "قوة الدولة" تغير من الاعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة. - وأن دور اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية تبدل من التحالفات والاتحادات العسكرية والسياسية، إلى التحالفات والاتحادات التجارية والاقتصادية الإقليمية، والدولية مثال: الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، والرابطة الاقتصادية "أوروآسيا"، ومجلس تعاون دول الخليج العربية، وغيرها لتبقى في مقدمتها مجموعة "دول الثمانية الكبرى"، وهو ما يعني تحول السياسة العالمية والدبلوماسية نحو الاقتصاد. - وأن العولمة كانت السبب في ارتفاع نسبة الوعي القومي بين سكان الكرة الأرضية، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع عدد الدول المستقلة. خاصة وأن عدد الدول المستقلة كان 50 دولة بعد الحرب العالمية الثانية، وأن منظمة الأممالمتحدة تضم في عضويتها الآن 192 دولة، مع إمكانية زيادة هذا العدد خلال السنوات القادمة، بسبب وجود أقليات عرقية في أكثر من 100 دولة ويزيد عدد أفراد كل جالية عن المليون نسمة، مع إمكانية انهيار تلك الدول وانقسامها إلى دول مستقلة، كما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق الذي انقسم إلى خمسة عشر دولة مستقلة ويوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول لم يزل الصراع قائماً بينها حتى الآن، وتشيكوسلوفاكيا التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين، وإثيوبيا التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين، وفي أحسن الظروف يمكن قيام فيدراليات شبه مستقل ذاتياً في بعض تلك الدول متعددة القوميات، وهو ما تسعى إليه الدول العظمى وفي طليعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوقت الحاضر، مثال الحالة العراقية والحالة السودانية والحالة الروسية وغيرها. - وأن ارتفاع عدد الدول قد يؤدي إلى تراجع دور تلك الدول وشخصيتها ضمن الحدود الدولية المعترف بها، كما يجري الآن في غرب أوروبا. - وأنه من المرجح زيادة عدد الصراعات العرقية والحدودية، وإعلان أكثر من 50 منطقة مناطق نزاع، بالإضافة إلى أكثر من 150 صراعاً على الحدود البحرية، وأكثر من 30 جزيرة تقع ضمن مناطق النزاعات. - وتوقع انهيار دور المنظمات الدولية الحكومية بداية من منظمة الأممالمتحدة، وازدياد تأثير المنظمات غير الحكومية، مثل: الخضر، وأطباء بلا حدود، وغيرهم. - ومطالبة أغلبية الدول النامية بحق تقرير المصير مما سيعرض مبدأ عدم المساس بحدود الدولة ووحدة أراضيها إلى خطر كبير، ولنتصور ماذا سيحدث لو أعلنت «التيبت» ومنغوليا الداخلية و«سينزيان» حق تقرير المصير في جمهورية الصين الشعبية، أو إذا أعلنت كشمير حق تقرير مصيرها في جمهورية الهند، أو إعلان السكان السود واللاتينيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية حق تقرير مصيرهم ؟ - وزيادة خطر انتشار السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وزيادة عدد الدول التي تملك السلاح النووي بعد انضمام إسرائيل والهند وباكستان لتلك الدول إضافة لعشرات الدول القريبة من امتلاك السلاح النووي. -وتأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي منذ بداية القرن الحادي والعشرين حيث أخذت تظهر على الخط الأول مسائل عسكرية وسياسية، رافقتها أزمات عسكرية، ولقاءات قمة، غلبت عليها مسائل التجارة الخارجية، والمالية، وحماية البيئة، والتبادل الإعلامي الدولي وغيرها. - وظهور «هنتيجتون» الذي تحدث في كتابه "تصادم الحضارات" عن الصراع بين 7 حضارات قائمة حالياً في العالم، و«بجيزينسكي» الذي دعى في كتابه "رقعة الشطرنج العظمى" إلى هيمنة الولاياتالمتحدة على أوروبا وآسيا، وبقيت المشكلة أمام روسيا القطب المنافس السابق للولايات المتحدةالأمريكية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية تدور حول التعامل مع العولمة، دون خلق مشكلة منها، والعمل على أن تتكامل روسيا مع العولمة دون إلحاق خسائر بمصالحها القومية، خاصة وأنها تشغل المركز 15 في العالم من حيث عدد أجهزة الكمبيوتر المستخدمة فعلاً، إضافة لتخلفها عن الدول الأوروبية ب 8 مرات تقريباً من حيث حصة الفرد من عدد أجهزة الكمبيوتر لكل ألف نسمة من السكان، ونسبة المشتغلين في إنتاج تكنولوجيا المعلوماتية وخدماتها التي لا تزيد في روسيا عن 1 %، بينما هي أكثر من 20 % في الدول المتقدمة.