ليس غريب على بعض الإعلاميين وبعض أشباه المواطنين بمصر العودة إلى إشعال فتيل الفتنة والعمل من جديد على إدخال العلاقات المصرية- الجزائرية في نفق مظلم، مصريون عادوا للتحامل على الجزائر والجزائريين في الآونة الأخيرة وبقوة من خلال المنتديات، التي أهدتهم مساحات كبيرة للتعبير عن استيائهم وحقدهم الدفين لكل ما هو جزائري خالص.. دعاة الفتنة عادوا للحديث عن الشهداء وعددهم الفعلي، وكيف أنّ فرنسا احتقرت الجزائريين وجاء الزعيم المصري محمد جمال عبد الناصر ليعيد لهم كرامتهم و.. و.. كأنّ الجزائر لم تعرف الحرية إلا عبر بوابة مصر؟.. كلام متناثر هنا وهناك الغرض منه إلحاق الضرر بالأمّة الجزائرية، لكن هيهات فالجزائر تحمل من الأمجاد ما يجعلها بمنأى عن تعليقات بعض ''المهلوسين''، لكنّنا سنحاول تسليط شيء من الضوء عن أحداث تاريخية لا يمكن لأيّ كان محوها من القاموس الكوني، فعلى سبيل الذكر لا الحصر نعاين حقبة تاريخية من تاريخ مصر، وهي تلك التي شهدت قدوم الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت في حملة كبيرة اصطلح على تسميتها '' الحملة العلمية''، فغداة دخول نابليون أرض مصر سأل عن تاريخها وحقيقة الفراعنة وقصّة الأهرامات، التي قيل له بشأنها ( أي الأهرامات) بأنّها واحدة من العجائب السبع، وبأنّها رمز الحضارة الفرعونية على امتداد 7000 سنة، وبأنّها محروسة من طرف أبو الهول، وهنا اهتدى نابليون إلى فكرة جهنمية، حيث اتجه إلى الجيزة أين توجد الأهرامات وأبو الهول، فأمر جنده بقصف أنف أبي الهول وكان له ما أراد، وحينما سئل عن سبب قيامه بقصف أنف أبي الهول عن سواه ردّ الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت: '' أردت كسر أنف أبي الهول لأكسر به أنف المصريين وشموخهم..'' هذه القصّة يعرفها القاصي والداني بأرض الأقباط، إلا أنّ أكثريتهم يغضون الطرف عن هذه الحادثة التاريخية، كونها تسيء لسمعة مصر في الداخل والخارج، فالأنف بالنسبة للعرب الأقحاح هو رمز الشهامة والكرامة والرجولة.. ما عسى دعاة الفتنة قوله؟ هل سينكرون هذه الحقيقة التاريخية أم أنّهم سيجدون لأنفسهم تبريرا آخرا؟ في كل الحالات لن ينفع ذلك لأنّ الجزائر كانت ولا زالت وستبقى صامدة رافعة الرأس، فخورة بتاريخها وبشهدائها وبأبطالها و.. و.. يكفينا شرفا أنّ الجزائر كانت تسمى ''المحروسة'' إلا أنّها لم تكن محروسة بصنم، بل محروسة بالعناية الربانية، فما عسى دعاة الفتنة قوله؟. لاشك أنّ ما يتردد في بعض الفضائيات المصرية هو من وحي الجهل الذي أضحى ميزة هؤلاء و المؤشر الواضح المعالم لكل المشاهدين، كما أنّ التعاليق المجانية لم تعد تجلب إليها العشاق بقدر ما أصبحت تثير استيائهم وامتعاضهم، فكرة القدم لوحدها كانت كفيلة بفضح نوايا المصريين وحقدهم الدفين للجزائريين، وكرة القدم كشفت النقاب وأسقطت قناع النفاق الذي يتحلى به هؤلاء، ففضحت نواياهم وكشفت المستور أمام أنظار العالم أجمع، وما زاد الطين بلّة وعمّق جراح الفراعنة، هي تلك العقوبات التي سلطتها ''الفيفا'' عليهم، والقاضية بدفعهم لغرامة مالية مقدرة ب 100ألف فرنك سويسري ومنع المنتخب المصري من اللعب خارج القاهرة لمدة مبارتين، فضلا عن تهديد المصريين بمنعهم من المشاركة في كأس العالم 2014 في حال تعدي المصريين على أيّ ناد أو منتخب يلعب ضدّ الفراعنة. لنعود للحديث عن نابليون وأبي الهول، لنسلط الضوء عن عجرفة الفراعنة أمام الأشقاء وتخاذلهم أمام الأعداء، فنابليون عمد إلى الإطاحة بأنف المصريين من خلال قصف أنف أبي الهول بالمدفعية ليمرّغ أنوف المصريين في الأرض لا غير ومع ذلك لم يجرأ أحد بأرض الفسطاط الثورة على الإمبراطور صاحب المتر و65 سم، بل زادت تلك المواقف المصريين إيمانا بضعفهم، فما كان عليهم سوى تأدية فروض الطاعة والولاء للإمبراطور العظيم.. فلِمَ الحديث اليوم عن الشقيقة الكبرى وعن أم الدنيا؟ ولم الحديث اليوم عن عدد شهداء الثورة التحريرية الجزائرية الكبرى؟ ألم يصدق المصريون أنّ الجزائر ضحّت من أجل استقلالها بمليون ونصف المليون شهيد؟ أم أنّ الأرقام المتوفرة لديهم هي الأقرب للحقيقة حسب زعمهم؟ هي إذن إفرازات تاريخ مشوه لم يذكر منه سوى الجوانب الإيجابية التي تضع مصر في الريادة دوما وتصرف النظر عن الصفحات السوداء في تاريخها، ليبقى هاجسها الأوحد والأكبر هو البكاء على موقعة أم درمان بالسودان.