في الصحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) الغبن يكون في البيع والشراء والتجارة؛ والشخص المغبون هو الذي لا يحسن التصرف في عقد الصفقات فكثيرا ما يخسرها؛ وكذلك أكثر الناس مغبونون إذا أنعم الله عليهم بصحة الجسم وعافية الجسد مع الفراغ والخلُوّ من المشاغل والمعوقات؛ فتراهم وأوقاتهم تذهب سدًى لا هم في شغل الدنيا ولا هم في شغل الآخرة فإنا لله وإنّا إليه راجعون.إذا خسر المرء وقته في غير حقّ أدّاه أو مجد شيّده فقد خسر عمره وخسر دنياه وأخراه؛ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال:(من طال عمره وحسن عمله) قال: فأي الناس شرّ؟ قال:(من طال عمره وساء عمله) ونحن في فصل أيامه أطول وساعاته أكثر فما نحن فاعلون يا ترى؟ ولأي شيء نحن مستعدّون؟ وعلى أي أمر عازمون؟ على الإكثار من الخيرات واغتنام الأوقات؛ أم نحن في غفلة عن هذه النعمة نعمة الوقت مع الفراغ؛ وهل نحن في غفلة عن قدوم هذا الضيف الذي سرعان ما ينقلب إلى طيف حلّ وارتحل، ألا وهو فصل الصيف.الصيف ما هو إلا ضيف نزل أوْشك على الوداع والفراق؛ إذ ما أسرع السنوات والعقود؛ فغلام الأمس شابُ اليوم، وابنُ البارحة والدُُ الساعة، وغدًا لا ندري ما اسم هؤلاء؛ قال ابن عمر رضي الله عنه: إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء؛ وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح؛ وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدًا. لا تدري يا إنسان ما اسمك إذا جاء الخريف؛ إذا طلع الفجر فربما أنت سقيم ومريض، وربما أنت عاجز قد فقدت بعض الأطراف؛ ربما أنت مسافر أو عامل ومشغول؛ وربما أنت من سكان القبور لا من أصحاب هذه الدور.فلا تغترّ أيها المسلم بهذه الأيام التي يَعُدّها الناس سعيدة، فإن أقصر الأيام وأسرعها فواتا أيام المرح والفرح، فلا تجعل وقتك كلّه لهوا ولعبا؛ ولا تتلفه كلّه في شغل واحد، ولا تنهمك في عمل واحد؛ كذلك إيّاك وتفريق الجهد على كثير من الأعمال، فلا تكثر من التنقل بين الاختصاصات والمجالات. ففي الحديث: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) لا تكن في السوق من الصباح إلى المساء؛ ولا تتنزه شهرا كاملا على ضفاف نهر أو ساحل بحر؛ ولا تسهر كل يوم خارج البيت؛ ولا تفوتنّك صلاة الصبح جماعة دائما؛ إن كنت متمدرسا فكن صاحب حرفة وصَنعة أيام الراحة والعطلة تزداد حُبّا للدراسة وتزداد نفعا للأمة وتزداد الأسرة بك فرحا؛ كن مرتبا منظما؛ مرتبا في طعامك وشرابك؛ منظما في أوقات نومك واستيقاظك؛ منظما في أوقات عملك ومواعيدك ودخولك وخروجك؛ منظما في أوقات استراحتك وزياراتك؛ منظما مع رفاقك وأصحابك وأهل بيتك؛ حافظ على عبادتك وصلواتك؛ على وردك وأذكارك. إيّاك ثم إيّاك والبطالة؛ إياك والقعود في الطرقات وعلى الأرصفة؛ روى البيهقي عن عبد الله بن الزبير قال: أشرّ شيء في العالم البطالة. وقال ابن الجوزي: أهل الفراغ بلاء. وقال: أعوذ بالله من صحبة البطالين. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى رجلا وأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل لا؛ سقط من عينيه وذهب ذلك القدْر الذي قدّره به. وقال أحد العلماء: إن الإنسان إذا تعطّل عن عمل يُشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا؛ بل يعشش فيه الشيطان يبيض ويُفرّخ.