ليس الطب البديل وحده الذي عرفت سوقه انتشارا واسعا لتجارة الأعشاب التي تباع دون وصفة ومن دون استشارة المختص في هذا المجال، فقد تعدى الأمر الى صيدلياتنا التي من المفترض أنها لا تقدم الدواء للمريض دون الاعتماد على وصفة طبية مرخصة من طرف الطبيب المختص، خاصة عندما يتجاوز الأمر مجرد بيع للأدوية البسيطة والتي يسمح القانون ببيعها دون رخصة، إلى الأدوية التي يصنفها أهل الاختصاص في الخانة الخطيرة التي من المفترض يمنع بيعها . من تجارة أدوية الطب البديل ( الأعشاب) ... إلى الأدوية الكيماوية إن مهمة الصيدلي في مجال تخصصه لا تقتصر على بيع الدواء وفقط، فالأمر أخطر من ذلك بكثير خاصة وأن أي خطأ في الدواء أو عدم تناسب معيار معين مع حالة المريض سيكلف الطرفين الثمن غاليا، سيما و أنه يتعامل مع حالات حساسة وخطيرة جدا، لهذا فالصيدلي وعبر المسار الدراسي الطويل الذي قضاه في دراسة الصيدلة ، لا يمكن الاستهانة به، خاصة وان وظيفته تتعلق بصحة وحياة المواطن . فهو يكمل دور الطبيب الذي تقع عليه مسؤولية تشخيص المرض، الا ان هذا ظاهرة اقتناء الدواء دون رخصة طبية أصبح يشبه اقبال الموطنين على اقتناء الأدوية الطب البديل أو الاعشاب كما يحلو للبعض تسميتها، ولكن المسألة والتشابه بين الأمرين بعيد كل البعد فلا يمكن أن نشبه الأدوية التي توصف من قبل الطبيب وحتى تخصص السنوات التي قضاها الصيدلي في الدراسة مع الخبرة أو حتى بعض المعلومات البسيطة التي يستطيع أيا كان حسب ما هو موجود في مجتمعنا أن ينشط في تجارة الأعشاب. لأنه وفي رأي البعض لا يمكن أن نقارن لأن أدوية الأعشاب ان لم تنفع لا تضر صاحبها وهو ما لا ينطبق على الطب الحديث لأن الجرعات وأنواع الادوية تحتاج الى دراسة معمقة فالأمران لا يتشابهان تماما. غياب الضمير المهني في كل مرة ...زاد من تفاقم الظاهرة إن الحصول على الدواء في بعض الصيدليات الجزائري، لا يتطلب من صاحبه الحصول على شهادة أو وصفة طبية، فالأمر أصبح متعلقا بالثقة و"المعريفة" التي امتدت خيوط الفساد اليها، ففي الوقت الذي كانت تقتصر فيه على بعض المضادات الحيوية، خاصة تلك المتعلقة بصداع الرأس ونزلات البرد على غرار الباراسيتامول، دوليبران، أونتي كريب، وغيرها من أنواع الأدوية التي رخص القانون على بيعها دون استشارة الطبيب، فحسب ما يقول أحد الصيادلة بالعاصمة : "أنه ليس بالضرورة أن يحضر المريض الوصفة في بعض الأدوية خاصة تلك التي تتعلق بحالات تتطلب مضادات حيوية بسيطة، الا أنه وفي مقابل ذلك لا يمكن أن تباع الأدوية الخطيرة بأي شكل من الأشكال الا بوصفة، خاصة اذا تعلق الأمر بالأمراض الخطيرة كالأعصاب وغيرها لذلك أنا شخصيا لا أبيعها مهما كان الحال"، مضيفا في ذات الوقت" أن القانون الجزائري في هذا المجال واضح وضوح الشمس ولا يمكن لأحد أن يتعمد ذلك، ولو أن بيع أو عدم بيع دواء معين يعود الى الضمير المهني الذي يتحلى به كل صيدلي" . جهل الناس في بعض الأحيان.. يقابله تعمد الصيادلة في أحيان كثيرة مسؤولية ما يحدث في بيع الأدوية دون رخصة تتحمل مسؤوليته العديد من الأطراف، ففي الوقت الذي يفترض فيه عدم وعي وجهل المريض بخطورة الدواء أو العواقب التي يمكن أن تنجر عنه ، تقابله مسؤولية الصيدلي الذي يقع عليه اللوم لان المريض قد يكون لديه عذر، إلا ان الصيدلي لا يمكن أن يتحجج بأي عذر كان خاصة وأن القانون لا يحمي المغفلين، وهو يدرك تماما حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه سيما وأنه الأمر يتعلق بحياة أو موت ذلك الانسان. وفي هذا الصدد تقول الأنسة " فتيحة" وهي طالبة جامعية تخصص طب عام، "أنا شخصيا اشتري بعض الادوية البسيطة والتي يسمح باقتنائها دون وصفة طبية وغير ذلك لا يمكنني أن أفعل ذلك"، وعن الطرف الذي يتحمل مسؤولية ذلك تقول: "ان المسؤولية هي بالدرجة الكبيرة يتحملها الصيدلي لأنه هو من يحدد إن كان موافقا على منح الدواء للمريض أو غير ذلك، كما أن الحكومة لابد أن تفرض الرقابة على هذا القطاع الحساس لأن انتشار وتفاقم هذه الظاهرة سيؤدي الى نتائج كارثية حتما". الاستاذ بركاني بقاط : " الطبيب بريء مما يحدث والمسؤولية تقع على الصيدلي" إن الحديث عن ظاهرة انتشار بيع الادوية دون رخصة يقودنا إلى الحديث عن الأطراف الفاعلة في هذا المجال، ولهذا يقول الأستاذ بركاني بقاط، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، في اتصال هاتفي " للمستقبل العربي" : " في البداية وقبل الحديث عن شراء الأدوية لابد أن نتحدث عن مصدرها، فنحن كأطباء لا نتحمل مسؤولية ما يحدث لأن مهمتنا هي تشخيص المرض وتقديم الوصفة التي تتماشى مع حالة المريض، الا أن هناك حالات يمكن للصيدلي أن يبيع للمريض الدواء دون وصفة طبية، وهذه الحالات بسيطة وتعد على أصابع اليد ومن غير هذه احالات لا يمكن بأي شكل من الأشكال تقديم الدواء دون وصفة للمريض مهما كانت خطورة حالته الصحية". وتكاد تقتصر الحالات التي يستطيع أن يبيع من خلالها الصيدلي الدواء للمريض، حسب ما ينص عليه القانون الخاص، على ما تسمى بالأدوية الشبه صيدلية كالمحاليل ( السيرو)، أدوات التجميل المتوفرة عبر الصيدليات والتي يفضل أغلب المواطنين اقتناءها من هناك تفاديا لعملية الغش التي طالت السلع المعروضة في الأسواق الخارجية، وبالتالي لا يحتاج المواطن على اثرها الى استشارة الطبيب أو تقديم وصفة في ذلك، بالإضافة الى الأمراض المزمنة وهذا حتى يتفادى المريض التوجه في كل مرة الى الطبيب لوصف دواء، خاصة داء السكري، ضغط الدم، الربو وغيرها من الحالات التي لا تلزم صاحبها احضار وصفة طبية في كل مرة يحتاج فيها الى الدواء، وفي حالة أيضا تعويض أدوية جنيسة بأدوية جنيسة أخرى وهذا ما يتوافق مع قانون الضمان الاجتماعي، حسب ما يضيفه ذات المتحدث. وقد حمل الاستاذ بركاني بقاط، مسؤولية انتشار هذه الظاهرة الى الصيادلة، وأسقطها في ذات الوقت عن الأطباء، وعن سؤال دور هيئة عمادة الأطباء في ذلك رد الأستاذ قائلا: " عمادة الاطباء غير معنية بذلك و تقع المسؤولية الكاملة على عمادة الصيادلة فهم المسؤولين عن كل ما يحدث".