أصبحت صور الأطفال وهم يجوبون محطات نقل الحافلات حاملين قوارير الماء البارد أو الجرائد اليومية واقعا فرض نفسه، فلا يمكن بأي حال من الأحوال و بشكل خاص أن تغيب صورهم وهم يلهثون وراء الركاب والمسافرين لبيع سلعهم، مستغلين في ذلك الحر والتعب وكذا ندرة المحلات في المحطات لبيع سلعهم و بالسعر الذي يحددونه شخصيا. لقد أصبحت الماء والجرائد التي تباع في محطات نقل المسافرين مصدر رزق الكثير من الأطفال، ففي الوقت التي تحدث فيه المختصون وكذا وسائل الاعلام التي أثارته في العديد من المرات وبإسهاب، استغل فيها البعض براءة الأطفال من أجل بيع قارورة الماء التي أصبحت تصل الى 30دج والجريدة التي بلغ سقفها الى 20 دج وذلك أمام مرأى ومسمع الجميع دون أن يثار الأمر أو يتدخل المعنيون للحد من الظاهرة. بيع المياه في المحطات خلال فصل الصيف مهنة من لا مهنة له يلعب العديد من الأطفال الباعة المتجولين في محطات نقل المسافرين الذين تجدهم منتشرين في كل الأرجاء على وتر الحر والتعب وكذا افتقار اغلب المحطات الداخلية للعاصمة لأماكن الراحة، ففي محطة العاصمة بتافورة مثلا، يحرص الأطفال الباعة وعلى اختلاف متوسط أعمارهم على بيع كل سلعهم المتمثلة في قارورات الماء وكذا الجرائد كبضاعة رائجة في فصل الصيف، فتجدهم يتنقلون من حافلة الى أخرى ومن شخص الى اخر لمجرد الحصول على قوت يومهم، فقد أضحت هذه المهنة من لا مهنة له، كيف لا وقد أصبح جيوب المواطنين تنهب بارتفاع الاسعار المبالغ فيها كثيرا، حيث يجد المواطن نفسه في كثير من الأحيان مجبرا على مسايرة هؤلاء الأطفال واقتناء قارورة الماء التي أصبحت تعادل ثمن تذكرة الحافلة للكثير من في وقت كانت لا تتجاوز سعرها العادي في المحلات، أو الجرائد التي تجاوزت سعرها الحقيقي أضعاف المرات، ولكن بالرغم من ذلك تجد الناس مجبرين في كل مرة على الخضوع لسلطة الباعة. المواطنون يشتكون " شدونا من اليد اللي توجعنا " يجد العديد المواطنون أنفسهم في كل مرة يتنقلون فيها بين المحطات مجبرين على مسايرة الباعة المتجولين عند اقتناء الماء، ففي كثير من الأحيان يستصعب المسافرون خاصة بعد صعودهم الحافلة النزول مرة أخرى وقطع المسافات على أشعة الشمس الحارقة من شراء قارورة الماء بسعرها الحقيقي، لذلك نجد العديد منهم يتقبل الزيادة في السعر ولا يتقبل أنه يبذل جهد، خاصة وأن أغلب المحطات في العاصمة تفتقد كثيرا الى ثقافة الفضاءات العمومية، لذا وجد أغلب المواطنين أنفسهم مجبرين لا مخيرين على التغاضي والمثول لرغبة الباعة لأنه حسب ما يقول أحد المواطنين " شدونا من اليد اللي توجعنا"، فالواقع يقول أما ترضى بالسعر وتشتري، واما أن تستمر رحلة معاناتك مع العطش طول الرحلة خاصة اذا كانت المسافة طويلة و الحرارة مرتفعة. "سكوتنا و رضانا بالأسعار التي ترتفع كل مرة هو من شجع الباعة على التمادي " تعتقد السيدة حورية وهي عاملة بالعاصمة، أن سكوت المسافرين على ما يحدث وعدم محاسبة هؤلاء الباعة سواء كان الأطفال أو المسؤولين عنهم هو من شجع هؤلاء على التمادي و وضع أسعار " من مزاجهم" دون حسيب أو رقيب، مضيفة أنه لا أحد تدخل أو حاسبهم على ما يفعلون ففي كل مرة يتجاوزون فيها حدودهم في وضع الأسعار. وهو نفس الرأي الذي تراه السيدة أمال، فهي تعتقد أن الحاصل في أسعار المياه " ولو أنه مبلغ ليس كبيرا مقارنة بأشياء أخرى " الا أنه مقارنة مع سعره الحقيقي هو مبلغ كبير، لأنه حسب رأيها أن يبيع الأطفال فكرة تقبلها المواطنون بل وتعاطفوا معهم لكن أن يصل التجاوز الى حد " النهب العلني" للمواطنين فهو أمر لا يمكن أن يتقبلوه. استفزاز الباعة وقلة احترامهم في كثير من الاحيان لم تمنع الموطنين من الشراء وفي سياق وقوفنا المباشر حول وضعية تجارة المياه في المحطات انتقلنا بين محطات البلديات في العاصمة، فبين من يقبل مضطرا إلى شراء قارورة الماء وبين من لا يهتم بالأمر أصلا، صادفنا شاب في مقتبل العمر يبيع الجرائد، وطفل أخر يبيع الماء، طلب أحد الركاب من صاحب الجريدة أن يعطيه عنوانه المفضل، فلم يجد هذا الشاب الذي أجابه بفضاضة اذا كان " عندك الصرف ولا متشقينيش باطل "، وقد أثارت هذه اللغة الهمجية " للبائع " حفيظة الركاب الذين استنكروا الفعل، واعتبروه اهانة لهم جميعا، لتؤكد احدى النساء التي كانت حاضرة أن هؤلاء الباعة بعد ان كانوا يتوسلوا الى الناس كي يشتروا منهم، اصبحوا الان يتأمرون، معتبرة أن الحق ليس على هؤلاء ولا يمكن أن نلومهم لان اللوم حسب ما تقول يقع على المواطنين الذي رضخوا لسيطرة وابتزاز الباعة. لكن المفارقة في الأمر أنه رغم الاستياء الذي أبداه المواطنون على " فضاضة " البائع، الا أن الشخص الذي طلب الجريدة لم يهمه الأمر حتى، ولم يمنعه غضب الركاب وسخطهم من شراء الجريدة.