اختار الباعة المتجولون بين عربات القطار في محطات العاصمة، ركوب الخطر في سبيل تحصيل لقمة العيش. فمن الهروب من المراقبين الى القفز في القطارات المتحركة تبدأ مغامرات هؤلاء الباعة يوميا لعرض سلعهم على أفواج المسافرين التي لا تنتهي غير مبالين بالأخطار التي تتهدد حياتهم يوميا. أدت ظروف المعيشة الصعبة بالأطفال والشباب الى أن يصيروا أبطالا رغما عنهم ومغامرين من طراز فريد، يتسللون الى القطارات في محطة آغا بالعاصمة لبيع ما يحملون من مواد استهلاكية كالتبغ والحلوى والمناديل الورقية، يواجهون مخاطر عديدة من أجل بيع سلعهم تبدأ بمطاردات مراقبي القطار التي تجعلهم يعرضون أنفسهم للخطورة من خلال القفز من قطار الى آخر وهو يسير، أو انتظار الثواني الأخيرة لإقلاع القطار ليصعدوا بسرعة كي يتجنبوا ملاحقة المراقب. ففي محطة آغا والمحطات القريبة منها، تصبح عطلة المدارس في مختلف الفصول فترة أخرى للكد والجد بالنسبة للعشرات من الاطفال لجمع قليل من الدنانير لإعانة عائلاتهم الفقيرة للتخفيف من قسوة المعيشة. يبدأ الاطفال والشباب عملهم مع الساعات الاولى للصباح، حيث تعرف محطة القطارات توافد عدد كبير من المسافرين في مختلف الاتجاهات وينتشر باعة القطارات على امتداد المحطة لا يبالون بأي وجهة سيأخذها القطار ماداموا واثقين من قدرتهم على القفز في أي لحظة يريدون، غير عابئين بخطورة ذلك على حياتهم. هم أطفال القطارات الذين تعودوا على التنقل من قطار الى آخر والهرب يوميا من أعوان المراقبة الذين يملأ صراخهم في وجه الباعة أروقة المحطة وعربات القطار كل يوم. البيع في القطار أخطار تتجاوز الأرباح يوفق الباعة في الغالب في تجنب أخطار القطارات المتحركة والمراقبين، إلا أن عملهم اليومي هذا محفوف بالمخاطر. ففي الغالب تنشب بينهم وبين المسافرين مناوشات بسبب تعمدهم المرور في وسط المسافرين الواقفين وما يشكله ذلك من إزعاج خاصة وأن القطار الواحد يركبه أكثر من عشرة باعة وحركتهم الزائدة تثير انزعاج المسافرين الذين غالبا ما يتهمونهم بالسرقة فهذه التجارة الفوضوية هي الفاتورة الوحيدة أو الضريبة التي فرضها الفقر على باعة القطارات. وبين باعة القطارات وجدنا أحمد في السادسة عشرة من العمر، يتخذ من مدخل القطار مكانا لعرض بضاعته من حلوى وتبغ وغيرها. يقول احمد إنه ترك الدراسة منذ مدة لكنه لم يستطع الحصول على عمل إلا في الورشات التي لم يستطع تحمل العمل المرهق فيها، ففضل أن يحمل في يده سلة يضع فيها بعض الحلوى وعلب الدخان والتوجه الى القطار كل يوم كما يفعل العديد من أصدقائه. وأضاف احمد ''كل ما اكسبه من هذه التجارة رغم المخاطر التي نتعرض لها يوميا هو 350 دينار في أفضل الأحوال''. ولا ينتظر احمد من هذه التجارة أن تجلب له أو لعائلته الغنى والمال الكثير بل يفعل ذلك لمساعدة أمه في مواجهة حاجات إخوته وللتعويض عن عطل والده عن العمل منذ مدة طويلة. أما سليم فهو أكثر حظا في تجارة القطارات، فهو -كما قال- يغير سلعه بين مدة وأخرى، فيبدأ صباحا ببيع الجرائد ثم التبغ وعند اشتداد الحرارة يلجأ إلى بيع المياه المعدنية. سليم قال إنه لا يخاف من القفز من قطار الى آخر فقد تعود أن يقوم بذلك منذ مدة طويلة. وسليم الذي تساعده بنية جسمه القوية على التفوق بين أترابه بدا أفضلهم حالا حين أكد قائلا: ''ما أجمعه من البيع يمكنني من أن اصرف على نفسي وعلى عائلتي''. وتكفي عوائد سليم -حسب قوله- لاقتناء سروال وحذاء رياضي وقميص وشراء ما يريده كل يوم. باعة ومتسولون يتحدون الموت يتكرر مشهد البيع في العديد من محطات القطار بالعاصمة ولا يقتصر ععلى الأطفال والشباب فقط، بل يوجد من بين الباعة شيوخ أرادوا أن يحصلوا على لقمة العيش وسط مخاطر لا يستطيع جسدهم النحيل أن يتحملها. في العديد من محطات القطارات عبر مناطق العاصمة يغتنم الباعة فرصة انشغال عون المراقبة للتسلل الى القطار والعديد منهم لا يبالون بالإمساك بالقطار المتحرك والصعود الى عرباته الخلفية كي يتجنبوا لقاء المراقب غير مبالين بالمخاطر التي قد تواجههم في أية لحظة، فعملهم هذا يعتبر في نظر الكثيرين تحدٍ للموت بعدما عجز الكثير منهم عن إيجاد فرص عمل مناسبة. ولا ينافس الباعة في هذا المجال إلا المتسولون الذين اختاروا عربات القطار لاستجداء الناس وطلب الصدقات بين جموع المسافرين. وكما تحدث مناوشات بين الباعة من حين لآخر تحدث أيضا المواجهات نفسها بين المتسولين الذين يحاول كل واحد منهم الاستحواذ على عربة من القطار لصالحه. وحتى المتسولون يقومون بالمغامرة نفسها مع الباعة يوميا من هروب من وجه المراقب الى اختيار وقت تحرك القطار للصعود أو النزول منه.