ما إن يحل فصل الصيف إلا ويزداد الباعة المتجولون الحاملون لقارورات المياه المعدنية الباردة، فالفرصة مواتية لكسب بعض الدراهم من وراء عطش الأشخاص في الشوارع، الأماكن العمومية وعلى وجه الخصوص على مستوى محطات الحافلات، خاصة وأن درجة الحرارة المرتفعة لاحل لمواجهتها إلا بشرب المياه الباردة التي لاتعوضها المشروبات الأخرى ولاحتى المثلجات، هؤلاء الباعة هم أطفال ومراهقون يعتبرون فصل الصيف مصدر رزق وفرصة لتحصيل بعض النقود، ويزداد هذا النشاط حدة هذه الأيام مع اقتراب حلول شهر رمضان، وتعدى نشاط هؤلاء الباعة حدود المياه المعدنية ليشمل مواد استهلاكية أخرى أهمها: خبز المطلوع، البيض المسلوق، المحاجب، المشروبات الغازية والشاي، هو الأمر إذن الذي وقفت عنده "الأمة العربية" في أهم محطة حافلات بالعاصمة ألا وهي محطة تافورة. ارتفاع الأسعار لايمنع الإقبال على مواد الرصيف الساعة تشير إلى الحادية عشرة إلا ربع صباحا، هو بداية وقت العمل عند مدخل المحطة من الناحية الغربية، اصطف هؤلاء الباعة على الرصيف الجميع يضع بضاعته أمام قدميه مناديا عليها بتعابير شعبية مختلفة "محاجب سخونين حارين وبلا حا ر"، "سعيدة باردة"، "بيض مغلي"، "حمود، كوكا كولا، بيبسي، كل شيء بارد، قرب واطلب"، وغيرها من الشعارات، الكل يحاول استدراج المارة والمسافرين، والغريب في الأمر هو الإقبال الكبير على هؤلاء الباعة، فالأشخاص لايجدون حرجا في شراء أو تناول هذه الأطعمة في الشارع، اقتربنا من أحدهم وهو يهم بشراء قارورة ماء معدني، سألناه عن الظاهرة، فرد علينا "بالرغ من أنها غير قانونية إلا أن هؤلاء الباعة يقدمون لنا خدمة، فالوقت تقريبا دخل على منتصف النهار وهو وقت الغذاء، وأنا على سفر لأنني سأتوجه الآن إلى تيبازة، ولايوجد بالمحطة أكشاك لاقتناء مانحتاج إليه، وكما ترين فالحر اليوم شديد، ولايمكن لنا تحمل العطش والجوع، لذا فالضرورة تحتم علينا اللجوء إلى هؤلاء الباعة"، وعما تناوله وكم دفع مقابله أجاب قائلا الأسعار هنا مرتفعة مقارنة بما هو معمول به في المحلات والمطاعم، فخبز المطلوع 25 دج، البيض 15 دج للحبة الواحدة، المحاجب 25 دج، سعيدة 25 دج قارورة صغيرة، لقد تناولت مايعادل 150 دج، وسأختمها بتناول كوب من الشاي وشراء سيجارة، الحمد لله كل شيء متوفر بتافورة". الباعة الأطفال: "رمضان، العيد والدخول المدرسي، لازم علينا نخدمو" "محمد" 15 سنة، بائع للمياه المعدنية، سألناه لماذا يبيع بمحطة الحافلات، فقال "هي خير محل لكسب المال، فالحرارة شديدة والمسافرون كثر، كما أن موقع المحطة خارج المدينة وبعيدا عن المحلات وعدم توفرها على أكشاك لبيع هذه المواد، كل هذه الأمور لصالحنا، فنحن نكسب في اليوم أحسن بكثير إذا مازاولنا نشاطنا في مكان آخر، في الصباح نبيع هنا وفي المساء نجوب داخل الحافلات"، وعن ثمن القارورة الصغيرة المقدر ب 25 دج سألنا محمد عن إرتفاع ثمنها فأجاب بأنه أمر طبيعي والقيمة المختلفة هي مدخول لنا مقابل اقتنائها وبرودتها وحملها طيلة اليوم، إضافة إلى المخاطر التي نحن عرضة لها، فالشرطة تلاحقنا تقريبا كل يوم، والحمد لله اليوم لا يوجد عناصر الأمن "فالسوق ماشي"، لكن عندما يكونون هنا لن تجدي ولاحتى بائع السجائر فما بالك ببائع المحاجب والبيض". نفس الرأي يشاطره فيه خالد صديقه محمد، "خالد 13 سنة" بائع البيض والمحاجب الذي تحدث عن ضرورة النشاط الذي يقومون به من أجل كسب بعض المال، خالد تلميذ في الثانية متوسط يقول أن مايحصله اليوم ينفعه عند الدخول المدرسي لاقتناء الأدوات المدرسية، لأن دخل الوالد لايكفي وأردف قائلا "لايخفى عليك يا أختي أن هذا العام يتزامن الدخول المدرسي مع مصاريف رمضان وعيد الفطر، لذا وجب علينا الإحتياط والتحضير من قبل"، خالد الذي كان يتحدث إلينا بنبرة تحدي ومسؤولية تفوق سنه سألناه إن كنا نفضل أن يبيع المحاجب بالحلال أم يجوب الحافلات لسرقة المحفظات والأقراط بأجبناه أن مكانه الأصلي هو المدرسة، فرد قائلا: "المدرسة في الخريف والشتاء والربيع أما الصيف فالخدمة خير من القعاد". تركنا محمد وخالد والآخرون يزاولون نشاطهم وسط الإقبال الكبير على بضاعتهم لأن الساعة الآن تشير إلى منتصف النهار، والناظر يخيل إليه أنه في مطعم مفتوح، زبائنه رجال يخدمهم الأطفال، تنقلنا إلى الجهة المجاورة لنسأل رئيس المحطة عن هؤلاء الباعة فرد أنه لاسلطة لهم عليهم، لأن مهمتهم الأساسية هي تنظيم عمل وسير الحافلات، وأن الأمر بيد أعوان الأمن العمومي، فهم لايتواجدون هنا بصفة يومية وعندما يتواجدون يغيب هؤلاء الباعة وبمجرد تغيبهم يوما واحداً يعود الباعة إلى مزاولة نشاطهم بصفة عادية.