كثيرا ما نتحدث عن الفراغ القاتل الذي يمر فيه شبابنا، وعن التهميش الذي أصبح جزء من واقعهم، و عن جملة المشاكل التي تهدد مستقبلهم، لكننا في المقابل نسينا في الوقت ذاته أن نلفت النظر الى صور شيوخنا وهم منتشرون في المقاهي و الساحات العمومية .. لا عمل لهم بعد هذا العمر ولا مرافق تأويهم في فترة الفراغ التي يمرون بها. لذلك الشباب ليسوا وحدهم بل هم جزء من الكل الذين يتكبدون في هذا المجتمع مرارة الفراغ القاتل الذي أصبح واقعا فرضته وأملته الظروف الاجتماعية، في بعض الأحيان والتهرب من المسؤولية واللجوء الى الراحة كحجة بعد السنين الطوال من العمل في أحيان أخرى، أصبح واقعا فرض نفسه بشكل كبير وأصبح الفراغ الذي يعيشه جزء لا يستهان به في المجتمع ظاهرة تتطلب حلا جذريا، خاصة وأنه لا يمكن أن نختزل الدور الذي قدمته هذه الفئة من المجتمع بسنوات العمل وفقط، ففي المجتمعات التي تحترم نفسها تجد أن رحلة العطاء عند الفرد مستمرة استمرار رحلته في هذه الحياة، لكن لا شيء من ذلك يحدث عندنا. سنوات العمل والعطاء تختزل في المقاهي والساحات العمومية ان المتطلع والمعايش ليوميات شيوخنا وكبار السن في مجتمعنا سوف يفق على حجم الفراغ الذي يمرون فيه، فبعد مشوار حياة مليء بالعمل والعطاء، أصبحوا لا شيء بعد ذلك، همهم الوحيد في هذه الحياة العيش في حدود يومهم في انتظار قطار الموت الذي ينتظرونه، سيما وأن ثقافة العمل في هذه الرمة ولو في أعمال على بساطتها قد تبدو غريبة أو ظربا من الخيال في مجتمعنا، فالحقيقة أو الواقع يفرض على المتقاعدين خاصة عند الرجال اما البحث عن اعمال اخرى حرة، أو التعايش وفق النمط الجديد من الحياة والتي غالبا ما تنتهي بشيوخنا والمتقاعدين الى الشارع الذي به تختزل حكاية العطاء والبذل في جلسات الدردشات مع الأصدقاء في الحي. الساحات والحدائق العمومية ملجؤهم الوحيد بعد المنزل أصبح قتل الوقت والتفنن في إضاعته مهمة قل ما يقال عنها أنها عادية بالنسبة للكثير من شيوخنا ومن المتقاعدين، فمع بزوغ بوادر يوم جديد تبدأ الحياة بالنسبة لهؤلاء كما انتهت عليه بالأمس، أو بالأحرى أن تعاقب الأيام ومرور السنوات لم يعد له أي معنى، سيما و أن الساعات والأشخاص والأماكن كلهم على اختلاف هم نفسهم لم يطرأ عليهم أي جديد، فاليوم بالنسبة لهم أصبح مجرد اشراقة شمس سرعان ما تعود الى الغروب بعد ذلك، فهذه هي حياتهم أصبحت تشبه كثيرا حركة الشمس، في الصباح نجدهم منتشرين في الساحات العمومية والمقاهي، مع وقت مستقطع للأكل والقيلولة، لتعود الحياة الى طبيعتها في المساء اين ينتهي يوم هؤلاء، لا عمل لا مبادرة لا جديد في الحياة سوى انتظار القادم وما تخبؤه الأيام دون أن "الدومين " و"الكارتا " وسائل المسنين لقتل الوقت! ان دائرة الفراغ التي يمر بها كبار السن في مجتمعنا، تجعلهم مضطرين في كل مرة للبحث عن الحلول التي تمكنهم من الخروج من نفق الروتين القاتل، لذلك يصبح "الدومينو" الشطرنج وغيرها.. المتنفس الوحيد لهؤلاء من أجل الترويح عن أنفسهم والهروب من الواقع المرير الذي لم يعد يحمل سوى مجرد يوميات تتكرر في كل مرة، فحتى الأعمال الحرة على بساطتها لم تعد تستهوي الكثيرين منهم ولو أن ظروفهم الاجتماعية تتطلب ذلك نظرا للمعاش الزهيد الذي يتقاضاه الكثيرون والذي لا يسد حتى رمق عيشهم، فالظروف في أحيان كثيرة تكون عائقا في سبيل تحقيق بعض المشاريع ولو على بساطتها، وكذلك في بعض الأحيان تكون الحياة الروتينية التي الفها البعض وكذلك التكاسل في بعض الأحيان سببا كافيا لجعلهم يركنون الى الراحة ويتهربون من المسؤولية رغم صغر البعض منهم وقدرته على العطاء. الفراغ والتهميش.. يعمقان جراح الشيوخ والمسنين تكتسي المرافق المتخصصة بمساعدة المتقاعدين وكبار السن أهمية بالغة سيما في المرحلة الأولى من التقاعد، فهذه الفترة تشكل فراغا نفسيا بالنسبة لهذه الفئة خاصة وأنها ألفت ولمدة طويلة ميدان العمل والتواصل الاجتماعي مع الأخرين، فبمجرد التفكير في النهاية التي سيؤول اليها العامل في النهاية خاصة في ظل غياب المرافق والهياكل المتخصص لمساعدة هؤلاء على الاندماج في المجتمع من جديد تكون بالنسبة لهؤلاء مشكلا يصعب كثيرا تجاوزه، لكن في مقابل كل هذا لا يمكن أن تكون كل هذه الظروف عائقا أو سبيلا للتهرب من المسؤولية خصوصا وأن الكثير ممن نشاهدهم يملؤون يوميا الساحات والمقاهي هم رجال ما زالوا يتمتعون بكافة امكانياتهم و قدراتهم الصحية العقلية منها والجسدية.