فتجدهم يغزون الساحات العمومية طوال ساعات النهار ويحتلون المقاهي عند حلول الظلام لممارسة هوايتهم المفضلة لعبة ''الدومينو''، لأن العمر تقدّم بهم ليعطي لهم إشارة انطلاق مرحلة الفراغ والملل التي يجسدها توقف عقارب ساعاتهم، لأن كل الأيام القادمة ستكون متشابهة بالنسبة إليهم• لمعرفة الأسباب التي دفعت بهذه الشريحة الهامة في مجتمعنا إلى اعتزال الحياة بعد بلوغهم سن الستين واتخاذهم المقاهي والساحات العمومية ملجأ لهم وملاذا يستحضرون فيه ذكريات الماضي، تحدثنا إلى عينة منهم للاستفسار عن واقع حياتهم بعد الإحالة على التقاعد• الحاج بوعبد الله، متقاعد منذ 12 سنة، وجدناه يتصفح إحدى الجرائد بساحة ''السيزاري'' في وسط مدينة شرشال غربي ولاية تيبازة• يقول إن عددا كبيرا من المتقاعدين يستسلمون ببساطة إلى الروتين والملل الذي ينتابهم مباشرة بعد إحالتهم على التقاعد، حيث تصبح أيامهم كلها متشابهة، وعدد قليل فقط منهم من يفكر ويخطط لما بعد التقاعد وكيف يستثمر وقته عوضا عن الشعور بالملل والضيق والفراغ• وعن حاله يضيف الحاج ''هذه حالي منذ السنوات الأولى التي تلت إحالتي على المعاش، ليس لي أنيس سوى هذا المكان الذي أجده متنفسا لي، أو متابعة بعض برامج التلفزيون، وكلما شعرت بالضيق أتوجه نحو أحد منازل أبنائي المتزوجين لأستأنس بأحفادي الذين أعتبرهم خير أنيس وأمتع جليس للتخفيف من وحدتي••''• أما عبد القادر الذي لم يبلغ سن الستين بعد إلا أنه أحيل على التقاعد مؤخرا، بعد أن قضى أكثر من 32 سنة عمل في إحدى الشركات العمومية المتخصصة في الأشغال العمومية، فيقول''أُصدقكم القول أنني شعرت بتغير كبير على سلوكاتي بعد الأشهر الأولى من إحالتي على التقاعد''• ويضيف أنه أصبح عدوانيا وبات ينزعج من أبسط الأمور نتيجة الفراغ الرهيب على حد تعبيره، لكن الآن بعد مرور سنة ونصف تقريبا عن وضعه الجديد هذا يفكر مليا في العودة مجددا إلى ميدان العمل، ''حيث تقدمت بطلب عمل إلى إحدى الشركات الخاصة للعمل كسائق، لأبتعد عن هذا الروتين لأنني لازلت أحس بقدرتي على العطاء''• ومن هذا المنطلق، فإن فئة المتقاعدين بالجزائر تعكف على إيجاد ما يشغل وقتها، فالبعض منهم يجد في الساحات والحدائق العمومية سبيلا لقضاء وقت مع نفسه، يحدّثها وتحدّثه ليسترجع ماضيه وذكرياته مع الشباب• في حين يرى العديد منهم أن ارتياد المساجد هو أفضل مكان لتمضية ما تبقى من العمر في الصلاة والعبادة والتوبة من أخطاء الماضي، كما أنها فرصة لالتقاء جمع المتقاعدين الذين يلازمون المساجد لساعات طويلة للخوض في عدة نقاشات تخص أمورهم الدينية والدنيوية• وفي المقابل، يعتبر آخرون أن أحسن وسيلة أو طريقة للترويح عن النفس وقتل الوحدة هو ارتياد المقاهي لارتشاف القهوة واحتساء الشاي مع نظرائهم من المتقاعدين، والتجمع حول الطاولات لممارسة اللعبة المفضلة لغالبيتهم ''الدومينو''• هؤلاء المتقاعدين هم عينة ممن ربما وجدوا في هذه الأماكن على اختلافها سبلا ليشغلوا به أنفسهم، غير أنه كان من الأفضل إيجاد بدائل أخرى لهاته الشريحة من خلال إنشاء نواد يمارسون فيها مختلف النشاطات والهوايات، حيث يكون النادي فضاء للاستفادة من خبرات هذه الطاقات البشرية الكامنة للمساهمة في صقل خبرات الجيل الجديد!