* بيوت حُربت وزيجات اثتلفت بسبب صحاحات الألسن الطويلة الجزيرة ،الرادار ، بوليسي الباطيما ، الويفي هي الأوصاف التي أضحت تعبر عن حالة الكثير من النسوة اللواتي جعلن من التقرعيج مهنة لهم ، فمن منا لم يصادف يوما ذالك المشهد للجارات و هن جليسات النوافذ يترقبن الداخل و الخارج بأعين حذرة و متتبعة للأحداث ، فهن على اطلاع بكل ما يجري حولهن من صغيرة و كبيرة ، فإن فاتك خبر مثلا فلك أن تسأل الجارة و كن على يقين أنك ستجد بجعبتها الكثير من الأخبار هي الظاهرة التي اضحت تشكل الطابع السائد في المجمعات السكنية و العمرانية و التي أدخلت الكثيرين في عالم النميمة و تطليق فكرة العيش في العمارات لما تسببه من مشاكل و فتن بين الأسر وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل هل الفراغ و الفضول يبرر تلك التصرفات التي تبديها الكثير من الجارات بهدف استراق السمع و انتهاك خصوصيات الغير؟؟ التقرعيج على الجارات و المارة من باب الفضول و قتل الفراغ من خلال زيارتنا الميدانية لأكثر من عمارة في الجزائر العاصمة لاحظنا مدى تواجد النسوة في شرفات العمارات و كثيرات يختبئن وراء سياج النافذة ، قد يطول بهن النظر لساعات في الكثير من الأحيان في محاولة لهن لقتل ساعات التواجد بالبيت بمفردهن من خلال الاطلاع على اخبار الجيران و المستجدات الحاصلة في الحي و هذا بعد ذهاب رب البيت للعمل و الأبناء للمدارس ، وأكثر ما يلفت الانتباه المسنات اللواتي اكتسبن عادة الجلوس في زوايا الشرفات و مشاهدة المارة من باب الفضول و تمضية الوقت ، وهو الأمر الذي يشكل مصدر ازعاج لدى القاطنات بالحي و يعتبرنه تجسس على اسرار البيوت التي ما إن تخرج إلا واستغلتها الكثيرات في ما يضر و يهدم من باب الغيرة و الحسد ، فكثيرة تلك القصص التي جارت احداثها في البنايات و العمارات و انتهت بطلاق و جرائم تصل في الكثير من المرات إلى أروقة المحاكم ، كان سببها الألسنة اللئيمة و الانفس النمامة التي تهوى افتعال المشاكل و غرس نار الفتن ، متجاوزين بذلك كل الايات و الاحاديث التي تنهى عن التجسس و الغيبة و انتهاك حقوق الغير بالتدخل فيما لا يعنيهم و لكن لا حياة لمن تنادي و لمن جعلوا النوافذ مهنتهم ، "صافية" ربة منزل التقينا بها في إحدى شوارع العاصمة سألتاها ما ان كانت من محبي التقرعيج أم لا أجابتنا على أنها ليس لها الوقت حتى تضيعه من أجل جاراتها بل تفضل العيش عن معزل عنهم خاصة انها لم تسلم من شرهم و تقول بعبارات صريحة " راني خطي بالهم .. يخطوني " هذا بعدما كثرت المؤامرات عليها بعدما تخاصمت مع احدى الجارات بسبب لسانها الطويل على حد قولها و تقول : كل ما يهمهن اتباع خطوات الغير و كأنهن يحاولن الحصول على الخبر الحصري حتى يحصدن انتباه الأخريات و يكون محل استماع ". من التقاط اخبار الجارات الى نشرها في المجالس النسوية "خالتي عودا" من جهتها استنكرت هذه التصرفات و التي ليست جديدة علينا بل هي قديمة و موجودة منذ زمان اين كانت الجارات يلتقين في اسطح العمارات من اجل غسل الملابس و الحديث عن احوال الناس و لكن متحدثتنا تؤكد ان هناك اختلاف مابين الجيرة في الماضي و الحاضر و تقول : "حتى و ان كنا في الماضي نطلع على اخبار الأخريات إلا أن هذا كان من باب الاطمئنان عليهن لا اكثر و ليس من أجل جعلهن حديث الجلسات ذلك لأن القلوب كانت فيها نوع من التراحم و النية عكس اليوم أصبحت أعراض الناس تنتهك و تستغل فقط من أجل الثأر و الانتقام و الغيرة بالأخص التي اصبحت منتشرة بكثرة في أوساط النساء للأسف و هو ما لا يقبله ديننا الحنيف " ، و يبدو من خلال ما لمسناه على لسان الكثير ممن تحدثنا معهم أن "التقرعيج" من طباع النساء ليس على سبيل التعميم و لكن أكثرهن يجدن في القصص التي تحوم في أوساط الحي ما يثير اهتمامهن و فضولهن و يشاركن في صنع الخبر و نشره فقليلا ما تجد نساء يرفضن الدخول في هذه الحوارات و يتركن ذاك المجلس النسوي الذي تكثر فيه الأقاويل ، و في هذا الإطار يقول عمي صالح : " لسان المرأة لا يرحم باستطاعته أن يهلك الحرث والنسل ويأكل الأخضر واليابس ، الرسول عليه الصلاة و السلام رأى أن جهنم تمتلئ بفئة النساء و هو ما يتأكد مع استفحال هذه المظاهر التي كثرت في مجتمعنا ، فالأصح أن تنتبه المرأة ببيتها و نفسها و أولادها و تترك مشاكل الناس لأهلها "و يضيف :" لا يقتصر التقرعيج الجزائري على ربات البيوت فقط و انما حتى العاملات و هذا ما لاحظته من خلال تجربتي في العمارات ، فهذا الصنف من النساء لا يفوتن عليهن فرصة الإطلاع على أخبار جاراتها في العمارة من خلال التواصل مع اقرب جارة لها و ما زاد من هذه الأحاديث الفارغة الهواتف التي أضحت الوسيلة السريعة لنقل الأخبار." جارتي جعلتني أشك في زوجي بسبب نيتها الفاسدة و يأخذنا الحديث الى الغوص أكثر في ما قد تشكله هذه الظاهرة من خطر على الأسر وهو ما سيظهر من خلال قصة "ناريمان" سيدة تبلغ 32 من عمرها و التي لم يكتب لزواجها الاستمرار و السبب على حسب قولها الحظ السيئ الذي جمعها للعيش بجانب جارة لئيمة اللسان تحترف التدخل في شؤون الأخريات على أساس أنها الجارة المصلحة و تقول :" عندما تكثر الوشوشات و الهمسات من حولك تبدأ بتقفي أثار من يحاول تحطيمك و تشويه صورتك و ما إن تكشف أمره تسقط الأقنعة عن بعض الوجوه و تنصدم بواقع مؤلم لا ينفع الندم بعدها و هو بداية القصة التي كانت ستنتهي بطلاق و خسارة زوجي من اجل كلام هابط و نازل لا فائدة منه ، فبعدما أدخلتها إلى بيتي و أمنتها عن أسراري أصبحت تتدخل في كل الأمور حتى وصل بها الأمر إلى أن جعلت زوجي خائنا و هو ما رأته بأعينها و أكدته لي أنه على علاقة بإحدى الفتيات في العمارة ، ورغم إنني على ثقة كبيرة بزوجي إلا أنها زرعت الشك في و أصبحت أتتبع خطواته و هاتفه و افتعل المشاكل بمجرد ان يغيب عن البيت لساعة من الزمن الامر الذي جعلنا نعيش في دوامة مشاكل ، لم نستطيع الخروج منها بسهولة وهو ما دفعني لأن أهجره و أذهب الى منزل والدي و يبدو أن الابتعاد عن بعضنا كان له نتائج حيث تفطنت الى نفسي بعدما أصبحت بعيدة عن كلامها كما انني تأكدت أن ما رأته كان من صنع نيتها الفاسدة حيث حاولت ان توقع بيني و بين أسرة تلك الفتاة لأنها تكن لهم كل الشر ، و أصبحت على يقين أن زوجي لا يرضى لي الشر خاصة أنه تحملني لأشهر عدة و لم يلفظ بكلمة طالق ، وهو ما جعلني أسرع لأنقذ عائلتي من الضياع و بقدرة الله و رحمته لم أخسر زوجي و عدت لبيتي و وضعت تلك الجارة عند حدها و أنا الآن أعمل على تغيير مكان اقامتي حتى أنسى ما جعلتني أعيشه من أوقات عصيبة." التقارب السكني زاد من استفحال الظاهرة وفي هذا الصدد تقول الأخصائية النفسانية "نور شلفاوي : "فلانة تزوجت و فلانة طلقت و أخرى اشترت سيارة و ابنة الجارة في العمارة الأخرى خرجت مع فلان " هي الأقاويل التي لطالما ترددت على ألسنة الجارات و لكن ما علينا إلا أن نتذكر أنه سيأتي يوما و نحاسب عليها لما فيه من قذف و غيبة و تجسس على الآخرين هذا من جهة ، و من الجانب النفسي نعتبر هذه الصفات من العادات التي استهوتها الكثير من النسوة بسبب طباعهن التي يصعب تغييرها ، فالفضول و الفراغ يعدان السببين المحوريين في تفشي ظاهرة التدخل في شؤون الغير من طرف الجيران ، حتى و ان كنا مؤمنات و ملتزمات إلا أن لسان المرأة يبق سلاح ذو جدين بقدر ما فيه من الخير فيه من الشر ، و ما يزيد من استفحال هذه الظاهرة هو التقارب السكني ،و ليست مرتبطة بالنساء فقط و انما حتى الرجال و هو ما أكدته الكثير من الدراسات ، كما أن هذه الظاهرة لصيقة بصفة كبيرة بمجتمعنا العربي عكس المجتمعات الغربية التي تبق بعيدة كل البعد عن ابداء مثل هذه التصرفات وهو سبب رقيهم و تطورهم .