يتمنى الكثير من الناس الحصول على سكن أفضل من خلال استبدال الكراء، باقتناء شقق داخل عمارات السكن الاجتماعي، غير أن الحلم الجميل ينتهي بكابوس جيرة سيئة تؤجج نيرانها مشاكل مرتبطة بالنظافة، والحفاظ على جمالية ما يعتبر ملكا مشتركا. الحالات متعددة، لكن دردشة بسيطة مع ساكنة عمارة واحدة كفيل بالوقوف على تفاصيل متداخلة لما تعيشه بعض الأسر الوهرانية داخل إحدى العمارات الكائنة بضواحي حي مرفال ، والتي تكشف فيها ساكنات العمارة عن واقع مرير لمشاكل كان من الممكن تجاوزها بالقليل من الاتفاق ورحابة الصدر ، غير أن العناد بين الجيران جعل من العمارة ساحة معركة سلاحها السب، الشتم ورمي بالقمامة ، والخوض في أعراض الناس. "أتمنى أن يأتي اليوم الذي أتمكن فيه من الحصول على سكن فردي، بعيدا عن مشاكل الجيران، ووجع الراس" هي عبارة يتلفظ بها العديد من سكان العمارات الذين صادفنهم في ظل المشاكل ونقص الوعي و الأخلاق الحسنة . تكاد المشادات الكلامية أن تتحول إلى طقس يومي يمارسه سكان العمارة رجالا ونساء ، بعد أن كانت المشاكل في البداية حكرا على النساء فقط. «لقد اتفقنا في البداية على تقسيم مهمة التنظيف بيننا في إطار مجموعات دون الاستعانة بأي شخص غريب» تقول إحدى ساكنات العمارات التي بدأت رفقة جاراتها في التناوب على تنظيف العمارة. غير أن النتيجة لم تكن مرضية بعد أن لاحظت أن مجموعتها تتعب أكثر من باقي المجموعات. كما أن بعض النساء يمتنعن عن تنظيف مدخل العمارة تخوفا من غضب الزوج ، أو لاعتقادهن أن الأمر نوع من الانتقاص لكرامتهن ولأن كلام الزوج لا يقبل النقاش، فوجئت النساء بأن إحدى الجارات تسقط عن نفسها المشاركة في التنظيف، مشيرة إلى أن زوجها غيور،ولم يتقبل فكرة أن تشارك زوجته في التنظيف تحت مرأى ومسمع باقي السكان وهو ما اعتبرته قريناتها من ساكنة العمارة بمثابة إهانة للجارات وأزواجهن ، كما أكدت أنها وباقي النساء حريصات على القيام بعملهن في الوقت الذي ينصرف فيه الأزواج نحو عملهم . لم يحل انقطاع البعض عن المشاركة في توقيف حملة التنظيف الأسبوعية التي تقوم بها نساء العمارة، على اعتبار نظافة العمارة مرآة لسكانها ، بحيث لم يحدث تخلف الجارات عن المشاركة في التنظيف أي تغيير يذكر، فقد كانت النتيجة مرضية خاصة أن الجارات المتقدمات في السن يدفعن ببناتهن نحو المشاركة في التنظيف، مما طرح مشكلا على الجارات الشابات اللواتي لم يرزقن بنات بعد ، أو أن بناتهن لم يتجاوزن سنواتهن الأولى. تقول الحاجة خيرة وهي تردد عبارة إحدى الجارات التي لم ترقها فكرة تنظيف المساحة التي تعود لجاراتها التي تشترك معها في نفس الطابق. كانت الخطوة الثانية هي تنظيف كل جارة للمكان المخصص لها، مما جعل النتائج غير مرضية بالمرة ، «لا يمكن أبدا أن أنظف المساحة المتواجدة أمام شقتي، وأن أترك المساحة المقابلة لي، لأنها على الرغم من محاذاتها لباب جارتي إلا أن عدم تنظيفها يوحي بأن المكان ككل غير نظيف، لذا لا أتوانى عن تنظيف الطابق ككل تقول الحاجة خيرة التي امتلكت من رحابة الصدر ما افتقدته غيرها من الجارات. لتبدأ الحرب النسائية التي تجاوزت مسألة التنظيف إلى ما هو أكبر. تصفية الحسابات يفشل مخطط النظافة أعلنت بعض الجارات القطيعة، بينما لم تتردد أخريات في تصفية الحسابات كل على طريقتها، «لقد كنا نتفاجأ أن الأزبال تتكوم في شرفة الطابق الأول ، مما يعني أن إحداهن تقوم برمي القمامة عن عمد كنوع من الانتقام لامتناع الجارة القاطنة في الطابق الأرضي عن المشاركة في التنظيف» تقول إحدى الجارات التي رأت أن تفاصيل الحياة داخل العمارة تحولت إلى جحيم، حيث تنتشر الملاسنات في أي وقت من اليوم ، مع إمكانية تطورها بطريقة غير متوقعة، وباستحضار جميع الأسلحة النسائية .أصبحت علاقات الأطفال انتقائية تتحكم بها الأمهات حسب نوع التحالفات، إضافة إلى تقاذف التهم، ونشر الإشاعات التي أدخلت الأزواج على الخط ، لقد قام أحد الجيران بمنع زوجته وبناته من تنظيف العمارة بعد أن وصل إلى مسامعه أن الزوج يشيع عنه داخل الحي أنه عديم الرجولة لكونه يعرض زوجته وبناته لأعين الفضوليين بسبب السماح لهن بالتنظيف أمام مدخل العمارة ،حيث يقطنون في الطابق الأرضي تقول أم سمير جارة الحاجة خيرة في العمارة وصديقتها المقربة وهي تنفي الواقعة التي ترى أنها من تداعيات الكيد النسائي الذي يعصف بهدوء العمارة ، والذي انتهي بالقطيعة بينها وبين الجارة ، بعد أن تطور الأمر إلى تشابك بالأيدي . يوميات الصراع داخل العمارة تحمل الجديد كل يوم ، على الرغم من أن البعض حاول تفادي المشكل من خلال الاستعانة بإحدى السيدات لتنظيف العمارة بشكل دوري ، غير أن تهرب البعض من تقديم المبلغ المالي المتفق عليها ، كان سببا في تأجيج المشاكل من جديد، وهذه المرة داخل البيت الواحد «لقد كانت بعض الجارات تمتنعن عن تقديم المبلغ المالي على الرغم من أن أزواجهن يزودهن بالمال ، وهذا ما تم اكتشافه بالصدفة عندما اجتمع الأزواج من أجل مناقشة تأخر البعض عن تأدية المبلغ المتفق عليه، ليكتشوفوا أن بعض الزوجات فضلن الاحتفاظ بالمبلغ لأنفسهن، لتعود المشاكل من جديد» تقول ام سمير التي ترى أن حجم المشاكل لا يمكنها أن يثنيها على بذل أقصى جهد من أجل الحفاظ على نظافة المسكن على الرغم من أن الأمر صعب.وما لاحظنها تحول مدخل العمارات إلى مطرح للقمامة، بسبب تعمد البعض رمي الأزبال من الطوابق العليا كنوع من الاستفزاز، إضافة إلى تحريض الأطفال على رمي القمامة ، وتخريب المساحات الخضراء يحدث هذا لغياب الوعي وثقافة النظافة وسط ساكني العمارة وتغيب تعاليم الدين الاسلامي الذي يوصي بالنظافة التي تعد شرط من الإيمان .