يشهد اليمن توترا متواصلا سواء بين حكومة الرئيس عبد الله صالح، مع الحوثيين أو بين الحكومة والحراك الجنوبي الذيب يبحث عن الإنفصال، وكذا دخول تنظيم القاعدة على الخط في اليمن ليخلط الأوراق هناك، ويرى الصحفي والكاتب اليمني عبده سيف القصلي في حوار خص به "الأمة العربية" أن هذا التوتر والتصعيد، من صنيع نظام عبد الله صالح الذي يبحث عن توريث الرئاسة لنجله، وخلق التوتر في البلاد يهدف إلى محاولة إظهار اليمن أمام العالم ومحيطه الإقليمي أنه مهدد من عدة جهات، معترفا في الوقت ذاته أن الحوثيون دخلوا هذه اللعبة رغم معرفتهم بتفاصيلها. توترات حادة نشبت بين السلطات اليمنية والمسلحين الحوثيين بعد يومين فقط من إعلان الرئيس صالح إعادة تفعيل "اتفاقية الدوحة"، والتي تم التوصل إليها في 2008 برعاية قطرية، وذلك أثناء زيارة الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لصنعاء، في 13 جويلية الماضي. وقد أسفر هذا التوتر عن نشوب اشتباكات بين المسلحين الحوثيين وبعض القبائل الموالية للسلطة والتي وقفت في وقت إلى جانبها في حربها مع الحوثيين، كما قتل في الاشتباكات عدد من الجنود، واختتطف آخرون من قبل المسلحين الحوثيين (قالت مصادر متعددة أن عددهم بلغ مائتي جندي) أقدم الحوثيون على الإفراج عنهم مؤخرا، علما أن الهدنة بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين والتي بدأت منذ فيفري الماضي، قد تعرضت للعديد من الانتكاسات، كان أبرزها الاشتباكات التي دارت بين الجانبين خلال النصف الأخير من الشهر الماضي، والتي أسفرت عن مقتل حوالي 70 شخصا، وجرح العشرات من الجانبين، وخاصة في منطقة حرف سفيان بمحافظة عمران، بالإضافة إلى مقتل شيخ قبلي (الشيخ زيدان المقنعي) في مديرية منبه، ومحاصرة آخر عضو في البرلمان (الشيخ صغير بن عزيز)، ثم قامت طائرة مروحية بنقله إلى أحد مستشفيات صنعاء للعلاج بعد تعرضه لإصابات طفيفة. ويتبادل طرفي الصراع (الحكومة والحوثيين) الاتهامات بانتهاك هدنة فيفري الماضي، التي وضعت حدا للاشتباكات التي بدأت في أوت 2009. وقد فشلت وساطات قبلية عدة في إيقاف المواجهات بين الجانبين، ورغم الهدوء الحذر مؤخرا إلا أن الأيدي على الزناد والأوضاع تشير إلى احتمال نشوب حرب سابعة أعنف من سابقاتها لأن الحوثيون أصبحوا شبه مسيطرين على محافظة صعدة وأجزاء من محافظة عمران والطرق المؤدية إلى صعدة من جميع الجهات، وقد تمكنوا مؤخرا من التنكيل ببعض مشائخ القبائل الموالين للسلطة مثل الشيخ المقنعي وبن عزيز كما ذكرت، وهناك احتمالات أن تنفر القبائل الموالية للسلطة من الوقوف إلى جانبها باعتبار أن السلطة خذلتها وتركتها وحدها تواجه الحوثيين. الحديث عن دور أمريكي أو إسرائيلي في تغذية الصراع لا أساس له من الصحة، بدليل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية رفضت حتى الآن طلب الحكومة اليمنية بضم الحوثيين إلى قائمة الجماعات الإرهابية كي يتم اعتقال بعض قادتهم في الخارج مثل يحيى الحوثي المقيم في ألمانيا، والحديث عن قيام طائرات حربية أمريكية بقصف مواقع للحوثيين، مصدره الحوثيون أنفسهم، ولا أساس له من الصحة، ولو كان حدث ذلك لكشفت عنه الولاياتالمتحدة، فالطائرات الحربية الأمريكية لم تقم بعمليات في اليمن إلا ضد مواقع يتواجد فيها عناصر ينتمون لتنظيم القاعدة. أما عن حقيقة استمرار الصراع منذ منتصف 2004 وحتى الوقت الحاضر، فالمسألة معقدة أشد تعقيد، ففي منتصف العام الماضي، قال العميد يحيى محمد عبدالله صالح، رئيس أركان قوات الأمن المركزي، وإبن شقيق رئيس الجمهورية، في حوار مع صحيفة "الوسط" اليمنية، أنه كلما اقتربت القوات الحكومية من حسم الصراع في صعدة تأتي التوجيهات العليا بإيقاف الحرب. والمعروف عندنا في اليمن أن "التوجيهات العليا" مصدرها رئيس الجمهورية نفسه، والمعروف -والشائع أيضا- في اليمن، أن حرب صعدة "تبدأ باتصال تلفوني وتتوقف باتصال تلفوني". طبعا حرب صعدة ليس لها أسباب واضحة، غير أن نشوبها واستمرارها بهذه الصورة خلط الحابل بالنابل، فالرئيس اليمني صالح كلف العميد علي محسن الأحمر بتولي ملف الحرب في صعدة، وهو بذلك يريد إحراقه أمام الرأي العام ويتمنى أن يقتل في صعدة كي يهيئ الجو لابنه أحمد لتولي الحكم في بعده، لأن علي محسن الأحمر يشكل خطورة على مستقبل نجل الرئيس، بحكم نفوذه الواسع في الجيش، وعلاقته القوية برجال القبائل والإسلاميين ومختلف الأطياف السياسية في اليمن، ومحل ثقة واحترام عند الجميع، وقد قام الرئيس العام الماضي بتنحية الضباط من قادة الألوية والكتائب الموالين لعلي محسن الأحمر، وشكت مصادر مقربة من علي محسن الأحمر بعدم انصياع بعض قادة الجيش لأوامره، مما يعني أن توجيهات أخرى صدرت لهم بعمل ذلك، والأمر الأكثر غرابة هو أن الأسلحة التي يحارب بها الحوثيون القوات الحكومية، هي أسلحة تأتيهم من مخازن الجيش، وهناك "تجار الحروب" المستفيدين من استمرار هذه الحرب، خاصة وأن تجار الأسلحة المشهورين في اليمن هم من الموالين للحزب الحاكم ونظام الرئيس اليمني صالح. للسعود دور كبير في كل ما يجري في اليمن من أحداث منذ نشوء الدولة السعودية وحتى الوقت الحاضر، والمجال لا يسمح بذكر ذلك بالتفصيل، لكن دورها في حرب صعدة، فقد اقتصر في البداية على تقديم الدعم المادي والإعلامي للقوات الحكومية، والرئيس صالح وظف حرب صعدة لتحقيق مكاسب من السعودية، مستغلا ما يسمى ب"الدور الإيراني" في المنطقة الهادف إلى نشر التشيع ومبادئ الثورة الإيرانية، وعندما اقتنعت السعودية بعدم جدوى الدعم المقدم للحكومة اليمنية، توقفت عن ذلك، فتمكن النظام اليمني من تصدير أزمة الحوثيين للسعودية، ودخلت السعودية في حرب مع الحوثيين نهاية العام الماضي، وتمكنت من حسمها سريعا رغم تكبدها خسائر لم تكن توقعها سواء في الأرواح أو المعدات أو الأراضي السعودية التي تمكن الحوثيون في البداية من السيطرة عليها، غير أن السعودية عمدت مؤخرا إلى دعم رجال القبائل الموالين لها ليقوموا بمناوشة الحوثيين، علما أن السعودية تحظى بنفوذ واسع في أوساط القبائل اليمنية المحاذية للشريط الحدودي مع اليمن، وتقوم بصرف مخصصات شهرية وسنوية لرجال ومشائخ القبائل عبر "اللجنة الخاصة" التي يرأسها الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي بيده "الملف اليمني" منذ قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962، وهذه اللجنة تأسست عام 1962 لتولي شؤون القبائل التي كانت موالية للملكيين الذين دعمتهم السعودية بالمال والسلاح في حربهم مع الجمهوريين والتي استمرت حوالي ثماني سنوات بعد الثورة. والحوثيون أيضا يتهمون الحكومة بخرق الاتفاقيات التي أبرمت بينهم وبينها، لكن المشكلة الرئيسية في كل ذلك أنه بعد كل هدنة بين الطرفين لا تستطيع الحكومة فرض سيطرتها على محافظة صعدة، وتقوم بسحب قوات الأمن والجيش من هناك، مما يمكن الحوثيين من إعادة ترتيب صفوفهم وتجهيز أنفسهم للمواجهات القادمة، كما يقوم الحوثيون بجباية الزكاة من المواطنين لصالحهم، ونشر مبادئهم في أوساط العامة، وغير ذلك من الأمور التي تثير حفيظة المواطنين، ثم تبدأ الاحتكاكات والاتهامات بين الطرفين، ولم يتضح بعد الطرف الرئيسي الذي يقوم بخرق الاتفاقيات بسبب الاتهامات المتبادلة بشأن ذلك، مع العلم أن السلطة فرضت تعتيما إعلاميا لما يدور في صعدة، ومنعت وسائل الإعلام المختلفة من النزول الميداني لنقل وقائع المواجهات. نعم.. لاشك أن لحكومة الرئيس صالح دور في مختلف أزمات اليمن الداخلية. يبدأ دور حكومة صالح في أزمة صعدة منذ نشوء تنظيم "اتحاد الشباب" عام 1986 لتدريس شباب الطائفة الزيدية على يد صلاح أحمد فليتة، وكان من ضمن مدرسيه مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي. ثم تحول اسم التنظيم إلى تنظيم "الشباب المؤمن" عام 1997 على يد بدر الدين الحوثي، وقد حظي تنظيم الشباب المؤمن في بداية تأسيسه بدعم السلطة بغرض استخدامهم ضد حزب الإصلاح الإسلامي، وقد أكد الرئيس اليمني دعم حكومته للحوثيين في خطاب له بعد نصف شهر من انطلاق الحرب في صعدة (انطلقت الحرب في 18 يونيو 2004 وخطاب الرئيس كان في 3 يوليو 2004)، حيث قال:"أنا لم أنظمهم ولكن صحيح لقد جاءنا مجموعة من الأخوان وقالوا هؤلاء شباب مؤمن معتدلين لا يريدوا أن يكون لهم ارتباط خارجي مع قيادة خارجية فيريدوا دعم الدولة حتى يبتعدوا عن الارتباط والتبعية الخارجية وفعلاً نالوا الدعم على أساس أنهم شباب مؤمن وأنهم معتدلين وغير متعصبين أي تعصب مذهبي". ثم تداخلت الأحداث بعد ذلك، فالرئيس يهدف -كما ذكرت- من استمرار الحرب إلى إحراق العميد علي محسن الأحمر شعبيا ليهيئ المناخ لنجله "أحمد" لتولي الحكم من بعده، وتجار السلاح الموالين لنظام صالح وجدوا في استمرار الحرب فرصة لا تعوض في تحقيق مكاسب من وراء تجارتهم، كما أن رجال القبائل المتعطشين للنهب وجدوا في الحرب فرصة للوقوف بجانب الدولة وقد عاثوا في صعدة فسادا وروعوا الآمنين ممن لا علاقة لهم بالحوثيين ونهبوا ممتلكاتهم الثمينة عن بكرة أبيها، مستغلين ظروف الحرب وعدم قدرة الدولة على فرض الأمن والاستقرار والسيطرة على مجريات الأحداث. وقد حاول الرئيس مؤخرا الزج بحزب الإصلاح الإسلامي في مواجهته مع الحوثيين بغرض إضعافه، ولو أن حزب الإصلاح وقع في الفخ وشارك في الحرب فإن الدعم للحوثيين لاشك أنه سيأتي من داخل قصر الرئيس نفسه. هذا الكلام تداولته وسائل الإعلام بكثرة، وخاض فيه بعض السياسيين والكتاب العرب وحتى الأجانب. لكن لا يوجد في أرض الواقع ما يؤكد صحة ذلك، فالأسلحة التي يستخدمها الحوثيون ليست إيرانية الصنع، ولكنها تأتيهم من مخازن أسلحة الجيش اليمني، وهذا طبعا باعتراف الحكومة وباعتراف الحوثيين أنفسهم، وبعض هذه الأسلحة يشترونها والبعض الآخر يغنمونها من المواقع العسكرية التي يتمكنوا من السيطرة عليها. قد يكون هناك دعم إيراني فعلا، لكنه يقتصر على دعم مادي مقدم من بعض الحوزات والمرجعيات الشيعية في إيران، وحتى مثل هذا الدعم فلا يوجد ما يؤكده. والدعم الواضح يكمن في التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الإيرانية المنحازة إلى جانب الحوثيين، والعيب هنا ليس على إيران، فإيران من حقها أن يكون لها مشاريعها الخاصة مثلما للولايات المتحدة وغيرها مشاريعها الخاصة، والعيب هو أن يظل العرب ساحة مفتوحة للمشاريع الأجنبية، فلا هم لديهم لديهم مشاريعهم الخاصة مثلما أن للآخرين مشاريعهم، ولا هم قادرين على مواجهة مشاريع الآخرين. فعلا هناك دور قطري لوضع حد للاقتتال الداخلي، وهذا يأتي في سياق التحرك القطري القائم في أكثر من جبهة اقتتال عربية، ولا شك أن قطر تهدف من وراء ذلك إلى البحث عن دور عربي، ومكانة عربية تؤهلها لأن تكون دولة ذات تأثير في المنطقة، وهذا الدور يثير حفيظة بعض الدول العربية الأخرى التي ترى أن الدور القطري يأتي على حساب دورها مثل مصر والسعودية، وقد أثارت المساعي القطرية في اليمن حفيظة الجارة السعودية التي أزعجها تدخل قطر في حديقتها الخلفية. والدور القطري مرتبط بالمال، فالتدخل القطري في 2008 والذي تمخض عنه ما سمي ب"اتفاق الدوحة" بين السلطات اليمنية والحوثيين، ارتبط بمسألة قيام قطر بإعادة إعمار ما دمرته الحرب في صعدة، وعندما أرادت قطر أن تقوم هي بمسألة الإعمار حتى لا تذهب الأموال التي ستقدمها سدى أو ربما لغير مستحقيها، أثار ذلك حفيظة السلطات اليمنية، ثم شن الرئيس صالح هجوما على "اتفاق الدوحة" ووصفه بأنه كان "خطأً تاريخياً" لأنه جعل الحوثيون يشعرون بندتهم للسلطة، وجاء هذا الهجوم بعد أن توترت العلاقة مع قطر على خلفية عدم حضور الرئيس صالح قمة الدوحة عندما شنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة نهاية العام الماضي، وقيل حينها أن عدم حضوره القمة التي كان من أول الداعين إليها، كان بإيعاز من السعودية التي بغيظها الدور القطري في المنطقة. ومؤخرا، حصل توتر بين اليمن والسعودية، ومن أجل إغاظة السعودية، أرسل الرئيس مستشاره السياسي الدكتور عبدالكريم الإرياني إلى الدوحة، حيث سلم أمير قطر رسالة من صالح تعلقت بتعزيز وتطوير "العلاقات الأخوية الحميمة" بين صنعاء والدوحة، وبعد يوم واحد من زيارة الإرياني إلى الدوحة، قام الأمير القطري بزيارة مفاجئة إلى صنعاء، استمرت لعدة ساعات، وأعلن خلال جلسة المباحثات إعادة تفعيل "اتفاقية الدوحة"، التي تم التوقيع عليها بين الحكومة اليمنية والمسلحين الحوثيين في العاصمة القطرية الدوحة مطلع فبراير 2008 وذلك بناء على الخطوات التنفيذية التي تم التوصل إليها بين الطرفين في يونيو 2007. وبعد يومين فقط من الزيارة والإعلان عن تفعيل اتفاقية الدوحة اندلعت المواجهات بين الحوثيين وبعض القابئل الموالية للحكومة في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أي خارج محافظة صعدة) وهناك احتمال أن تكون السعودية قد أوعزت إلى القبائل الموالية لها بالتحرش بالحوثيين وخرق الهدنة بغرض توجيه رسالة لقطر وإثبات أن دورها في اليمن ليس ذو جدوى.