سيحدّثنا الكثير عن نوفمبر، حديث لا علاقة له بالتاريخ ولا بالواقع، ولكنه مجرد تجارة دأب عليها القوم كلما حل الفاتح من نوفمبر. سيحدثنا القوم عن الماضي المجيد، ليقول لنا "أما قبل" ولن يقولوا "أما بعد"، لأنه في كل بلدية أو دشرة أو ولاية ستعزف الأناشيد الوطنية وتعقد الندوات، وسيأتي أحدهم ليتحدث للجمع عن بطولاته وتاريخ كفاحه، لكنك ستسمع همسا في آخر الصفوف لأحد المجاهدين معلقا، من هذا؟ وفي أي ولاية كان؟ الأكيد أن الشلة ستتحدث عن التاريخ وعن تفاصيل المعارك وعن أزيز الطائرات الحربية ودوي المدافع، ولكن ولا أحد منهم سيحدثك عن معركة الحرية والاستقلال وعن الشباب البطال، وعن وعود نوفمبر.. سيأتي الكل ليتاجر "ويبوس" وينال حظه من غداء على حساب الدولة، ليتحدث عن معارك لا أحد يعلم إن كان فيها مشاركا أو شاهد عيان أو مجرد ضمير مستتر ظهر في الوقت الضائع أو في ربع الساعة الأخير، وحتما سيحل نوفمبر ومجاهد ما في قرية ما يعيش على الصدقات، وابنه "حرڤ" مع ثلة من الشباب نحو الضفة الأخرى ولا أحد يعلم إن كان البحر ابتلعه أو أن فرنسا احتضنته، رغم أن فرنسا أبدا لا تحتضن الجزائر. هكذا نوفمبر جاء غريبا ورحل غريبا، لأنه صار مجرد تجارة و"بزنس" يلتف حول ذكراه "النواكر" الذين يدّعون الجهاد، ليحكوا للناس عن البطولات التي كانت لغيرهم، وربما لرجال ماتوا ولا يمكنهم أن يتكلموا اليوم.. سيأتي نوفمبر، ولكنه عند الناس سيكون مجرد يوم عطلة مدفوع الأجر.