عادت المركزية النقابية لتطرح مشروع استحداث الدينار الجزائري الجديد، وهو المقترح الذي سبق وأن قدمه رئيس المركزية النقابية الأسبق المرحوم عبد الحق بن حمودة، لكن هذه المرة ليس من منطلق الظروف والمعطيات السابقة التي اقتضت التفكير في مسعى إعادة تقييم العملة الوطنية في خضم مفاوضات الجزائر مع صندوق النقد الدولي، وما تلاها من اتفاقيات لجدولة الديون الجزائرية، بل بهدف مواجهة شبكات التزوير التي استغلت حسب المركزية النقابية فترات نقص السيولة النقدية لإغراق السوق بالمليارات من الأوراق المالية المزيفة. وقال ألتلي عاشور ممثل المركزية النقابية، أمس السبت، في تصريحات إذاعية إن الاقتصاد الوطني حاليا يواجه إحدى اكبر المعضلات والجرائم التي أخلت بموازناته العامة والتي تتمثل في تداول كميات كبيرة من الأوراق المالية المزيفة في السوق، مؤكدا أن نشاط شبكات التزوير ارتفع بشكل مقلق ومخيف خلال السنوات الأخيرة إلى حد تداول كميات منها على مستوى أعلى المؤسسات البنكية الرسمية في إشارة إلى بنك الجزائر وهي تستغل في كل مرة فترات نقص السيولة النقدية لصرف أوراقها المزيفة، خصوصا في أسواق التجزئة والتعاملات المالية خارج اطر المراقبة.
يجب إعادة ترتيب بيت العملة الوطنية من الأساس
وأضاف ممثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أن الفاعلين الاقتصاديين مطالبون بالتكتل كقوة اقتراح واحدة من أجل احتواء هذا المشكل الذي ينخر الاقتصاد الوطني ويضربه في الصميم، موضحا أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين من جهته يقترح مشروع إعادة ترتيب بيت العملة الجزائرية ومن الأساس باستحداث "الدينار الجديد"، سواء على صعيد فئاته النقدية المعدنية أو الورقية، وإعادة تشكيل فئات ومجموعات نقدية جديدة. ومعلوم أن شبكات التزوير أصبحت تعتمد على التكنولوجيات عالية الدقة في عمليات التزييف، إلى درجة لا يمكن للعين المجردة أن تفرق مثلا بين الورقة النقدية من فئة 1000 دج أو 500 دج المزورة ونظيرتها الأصلية ،ولن تكتشف إلا بواسطة الكاشف الالكتروني المزود بالفاحص ذي الأشعة الحمراء. وحسب آراء العديد من المحللين والفنيين الاقتصاديين المتخصصين في القضايا والملفات المالية، فإن الظاهرة أخذت أبعادا خطيرة لما يحصل البنك الرسمي المعتمد أوراق مالية مزيفة ويطرحها مجددا في سوق، مثل ما حدث مؤخرا في بنك الجزائر على مستوى فرعيه في ولايتي عنابة وأم البواقي شرق البلاد، الأمر الذي هز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وأنعش بالتالي سوق الكواشف الإلكترونية للأوراق المالية المزيفة والتي تقتنى بشكل مكثف من طرف المؤسسات الاقتصادية والتجار ورجال الأعمال التي تقتضي تعاملاتهم اليومية بتداول عشرات الملايين من الدينارات.
تزوير العملات بات ظاهرة عالمية حتى في الاقتصاديات المتطورة
وحسب ممثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، فان مشروع "الدينار الجزائري" الجديد من شأنه أن يعيد الوضع إلى نقطة الصفر، وبالتالي ضمان انطلاقة سليمة في سوق مالي خال تماما من الورق المالي المزور بالموازاة، يشدد ذات المتحدث على ضرورة أن تلعب كل السلطات الرقابية دورها كاملا في ضمان سلامة الاقتصاد الوطني من شبكات التزوير والتزييف. وحسب العديد من الأخصائيين المتخصصين في القضايا المالية، فإن الوضع يقتضي إيجاد تكنولوجيا تضاهي و"تلغي" تلك التي تعتمد عليها شبكات التزوير التي أصبحت تعتمد على تقنيات دقيقة وناسخات رقمية هي من آخر جيل الطابعات، مؤكدين أن ظاهرة تزوير العملات باتت في الوقت الحالي ظاهرة عالمية وتشتكي منها العديد من الاقتصاديات، حتى المتطورة منها. فمثلا في أوروبا، وتحديدا في ألمانيا وفرنسا وبدرجة أقل إيطاليا، ما تزال الملايين من أوراق الأورو المزورة تتداول في السوق المالي، لكن السلطات أقرت العديد من الإجراءات الاستثنائية العاجلة، وفعلا تمكنت من احتواء المشاكل في حينها وأيضا تسجل حالات تزوير مماثلة وبشكل مستمر في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا. لكن حسب هؤلاء الخبراء، فإن طريقة التعامل والتعاطي مع الظاهرة هي التي تختلف. ففي وقت تسارع السلطات المالية وحتى الأمنية إلى احتواء الظاهرة، نسجل في الجزائر بطء ردة الفعل، الأمر الذي يزيد من تكدس الأوراق المالية المزورة في السوق وأيضا يساهم هذا التباطؤ في تحفيز شبكات التزوير على النشاط أكثر.