رغم رسكلة الأميار وكل التوصيات التي تقدم لهم من أجل تحسين أدائهم، لازال غالبيتهم يعيشون في عالم آخر بعيدا عن الواقع، تكريسا لسياسة الرداءة التي صارت مرادفا لشيء اسمه "مير"، ولا نعرف لماذا تعول وزارة الداخلية على رسكلة الأميار وتليقنهم فن"الاتيكيت" والأمر سيكون مجرد مضيعة للوقت وإهدار للجهد والمال، لأن"أميارنا" أو بالأحرى غالبيتهم لا يتمتعون بشخصية خدمة البلاد وأداء الواجب، والذي يتمتع بمثل هذه الشخصية لا يحتاج إلى رسكلة أو إعادة تأهيل أو تلقين فن "الاتيكيت"، لأن واقع البلديات يؤدي في بداية كل عهدة إلى انشقاق الأعضاء وسحب الثقة من بعضهم البعض، وفي نهاية العهدة تكون الطريق معبّدة لاختلاسات وتحويل أموال المشاريع نحو المحكمة. إذا، المشكل والخلل ليس في قلة الوعي، بقدر ما هو إصرار على احتقار هذه المجالس البلدية للمواطن، وذلك بالدوس على كل القوانين. مشكلة "المير" عندنا لا تبدأ من عنده، ولكنها تبدأ من سياسة فوقية صارت تلازم سياسة تسيير البلديات بالأوامر الفوقية واستبداد "المير"، باعتباره "ميرا" حرا في بلديته يفعل ما يشاء، حتى ولو استغل وسائل البلدية كلها ووضعها تحت تصرف زوجته. و"المير" أيضا ليس ميرا لوحده، فشقيقه وابنه وكل من له صلة ب "الأميار"، أيضا يتصرفون مثلما يتصرف "المير" تماما، وهي نفس التصرفات التي تحدث على مستوى الوزارات حينما يصر أبناء الوزراء، وزراء أيضا يتصرفون في وسط مجتمع بصفة وزير مفوض من الأب الوزير، وليس كمواطنين أبناء مسؤولين لهم حقوق وعليهم واجبات. إذن، تبقى رسكلة "الأميار" وتدريبهم، وحتى معاقبتهم، أمور هامشية لا تعالج أساس المشكل، بقدر ما هي هدر للمال ومصبغة للوقت والجهد، لأن المشكل أعمق من "المير" يتصرف في بلدية كأنها ملكية خاصة، ولا حتى في وزير يتصرف في وزارته كأنها مزرعة ورثها عن جده لأمه أو أبيه، المشكل الأساسي في هذه الجزائر هو غياب سيادة القانون على البعض ممن يرون أنفسهم أعلى من القانون، ليكرس هذا القانون بحذافيره على المستضعفين، وإن كان البعض يردد على مسمع "المير" عبارة "القانون هو القانون" لأن "المير" سيرد بثقة "المير هو المير".