الديمقراطية ليست شعارا بقدر ما هي ممارسة يومية، وثقافة يجب تجديرها، والزاوية الديمقراطية في العديد من الدول قد تبدأ من البلدية أو من خلال توسيع مفاهيم اللامركزية الإدارية مما يستوجب إقرار مفاهيم النسبية على المستوى الوعاء الانتخابي، والبلدية بامتياز هي المحضن الأساسي والمدرسة الأولى للديمقراطية، ولكن لا يمكن أن تنتظر المعجزات إن لم تقدر هذه البلديات بإمكانيات، "فأميارنا" أغلبهم قد تنعدم لديهم الثقافة الديمقراطية رغم أن نسبة الجامعيين فيهم في تزايد مستمر. * وبالتالي سيكون تأثير ذلك إيجابيا على الخدمة العامة وفلسفة النفع العام، ولكن ميدانيا أصبح التنافس على المجالس الانتخابية لأغراض شخصية وتحسين المستوى المعيشي للمنتخبين أكثر من خدمة مواطني البلدية، وما أكثر المتابعات القضائيا بسبب الرشوة، واستغلال الوظيفة لأغراض خاصة، والنفوذ... وذلك قد يدفعنا لتساؤل جوهري، ما السر في ذلك؟ * * للإجابة نقول إن التحسين المادي لم يمس مجالسنا المنتخبة الدنيا على غرار باقي الوظائف الانتخابية مما يدفع الكثير لمحاولة الاسترزاق بطرق ملتوية وغير شرعية... * * والتردي لم يمس الأشخاص بقدر ما مس العديد من المصالح الخدماتية... فمصلحة الحالة المدنية، ومصالح الضرائب في تآكل مستمر، فجيراننا دخلوا عهد الرقمنة والمعلوماتية وعالم المعرفة ونحن أحيانا - للأسف الشديد - حتى القلم قد لا يلقاه لكتابة شهادة الميلاد أوإجراء معاملة وإنني قد لا أبالغ في تقييمي - على الأقل - أتكلم عن البلدية التي أقطن فيها أثناء إجازة الصيف في أعالي العاصمة، لذلك يجب أن تتواكب هذه الثورة التشريعية المرتقبة (قانون البلدية والولاية) مع الثورة التكنولوجية، والثورة في أساليب التسيير، بإضفاء الشفافية، ومشاركة المواطنين في المجالس الشعبية البلدية بفتحها على الجمهور والإعلان عن القرارات والتوصيات الصادرة بنشرها وتعميمها في الأرجاء الإقليمية للبلدية، مثلا. * * كما أن بعض البلديات تفتقد لمقومات الحياة فلا مدا خيل، ولا ميزانية محترمة، ولا منتخبين يقدرون المسؤولية، ثم نطلب منهم المعجزات والنجاعة ومؤشرات أداء عالية الجودة والنوعية، وما أكثرها في الجزائر العميقة... * * وقد يكون هناك تكوين مستثمر ورسكلة لأعضاء المجالس المنتخبة ولكن ما لم تصاحبه النزاهة والعفة وخدمة الصالح العام، كل ذلك يبقى مجرد تنظير لا وجود له على الواقع الملموس، وعليه فإن أغلب أعضائنا قد توجد فيهم تلك المواصفات، ولكن الباقي- للأسف- جاء لخدمة نفسه وعشيرته والأقربين، فنتمنى من القوانين البلدية والولائية أن تنشئ آلية رقابية فعالة وليست كارتونية لا تصمد للوساطات من أجل الزجر، أي انحراف عن الوظيفة الانتخابية. * * ومن العيوب الظاهرة للعيان أن المنتخب قليلا ما يحترم منتخبيه، فقد ينتخب بمسمى حزبي أو على أساس لون سياسي، ثم بعد مدة نتيجة لعملية كيميائية تقترب الدهاليس السياسية أثناء تشكيل المجلس، ومع ما تقتضيه مصلحته قد يغير لونه السياسي للون آخر، دون أدنى احترام للوعاء الانتخابي الذي انتخبه، وعليه يجب تجريم هذه التصرفات المنافية للديمقراطية المسؤولة أو الشعبية. وقد توجد العديد من الاجتهادات القضائية في هذا الشأن في الأنظمة المقارنة، وقد توصلت لتحريم هذا التصرف. * * ومن الملاحظات السلبية أيضا، أن بعض "الأميار" والأعضاء المنتخبين يتصرفون في البلدية وكأنه "شريف" أو "قسمة حزبية" بدلا من أن يعمل على إرساء الصالح العام يعمل على إرساء بعض المصالح الحزبية الضيقة، فمفهوم الصالح العام هو أكثر المفاهيم غرابة في بلديتنا وذلك لانعدام ثقافة الرأي والرأي الآخر. * * وإنني كمواطن بسيط، لعل أبسط تقييم للبلدية يمكن إصداره من خلال مؤشرات حول مدى النظافة، ونسبة احترام المصلحة العامة والصحة العامة، ولعل هذه "النقاط السوداء" قد تجتمع فيها بلديتنا شمالا وجنوبا، فعملها فيه قصور وتقصير شديد، وإن لم نقل إهمالا لهذه المصالح من طرف مجالسنا المنتخبة، ورمي المنشفة على الشعب وحده غير كافي، وأني لن أجرم "أميارنا "ولكن لهم مسؤولية تحقيق نتائج سواء من خلال النوعية المستمرة، أو النظافة المقبولة كحد أدنى واحترام الصحة لعامة للمواطنين. * * لذلك نتمنى أن اللقاء الذي انعقد بين "أميار الجزائر" بعد اختفائه لأزيد من عشرين سنة، لا يكون مجرد "حمام سخون" كل واحد يدلي بدوله، ثم يخرج من الحمام وكأن لا شيء لم يقع، فيجب أن يتبع ذلك بأمور عملية عاجلة ولعل أولها إصدار قانون البلدية والولائية متكيّف مع المتطلبات الحديثة من عصرنة للإدارة، وسياسة الانفتاح على الغير، وتوسيع الصلاحيات للمجالس المنتخبة حتى لا تكون للامركزية الإدارية شعار جاف. * * كما أن على "أميارنا" أن لا يدخلوا بعقلية "العهدة الأولى لنفسه والعهدة الثانية لغيره والصالح العام"، فهذه العقلية للأسف متعشعشة في العديد من أعضاء المجالس المنتخبة، مستغلين العقار والمحلات والرخص وو.... وفي المقابل مصالح الأفراد في مهب الريح وفي موجة أخرى؟!..... * * فلنؤمّن لأعضائنا المنتخبين حياة كريمة ومكافآت تليق بمهامهم، كما نؤمن مصالح المجموعة الإقليمية بقوانين متزنة وحكيمة وصارمة تطال أي شخص يتلاعب بالشأن العام.