شهد المسرح الوطني، أول أمس، عرضا لنص مسرحية الحصار للكاتب عبد الحق قصاير من مسرح الخشبة الذهبية لسيدي بلعباس. الحصار هو عنوان المسرحية وإن كان هذا الأخير حقيقة مفروضة، تناول الكاتب العدوان الأخير والقصف على غزة من خلال مشاهد درامية واقعية يعيشها سكان غزة، وغيرها من مدن فلسطينية والنص كتب خلال أيام القصف، حيث ألهمت الكاتب بأحداثها إيمانا منه بتجسيد ملامح الدراما اليومية على خشبة المسرح بقلم يكتب وبلسان ينطق وبذاكرة تخزن هذه المشاهد الدامية. يشكل اختفاء العجوز "أم السعد" أم الشهيد ذات 10 سنوات وأم محمود الجريح بؤرة الصراع الداخلي لدى محمود الذي يتجرع الألمين، ألم الجراح وألم فقدان الأم والخوف من استشهادها ويعلو المشهد بل كل المشاهد بصوت القنابل والدبابات و... الذي يحصد آلاف الأشخاص الصغار منهم قبل الكبار، بل وحتى المسعفين.. المعبر هو الطريق الوحيد الذي يمكّنهم من الوصول إلى بر الأمان، يقفل بسلاسل حديدية من رشاش عبر شخصية الحراس المستهزئين لجراح سكان غزة إذ يعتبر لديهم كل مصاب مقاتل وإن كان في بطن أمه. يعكس عبد الحق قصاير غياب الوعي الإنساني عامة الذي يجعل من بر الأمان طريقا مسدودا حتما على الدواء بل حتى على حليب الأطفال، الذين يرضعون الوطنية وحب الوطن من أثداء أمهاتهم. خلال العرض يتبادل فيها الممثل والمخرج غانم بوعجاج والممثل فريد بلعياط الأدوار من حراس مراقبين إلى الابن والمسعف وكأنه عرض درامي قدم في شكل قراءة نصية للمسرحية دون اللجوء إلى الخشبة، من خلال بحث محمود عن أمه المتواصل وعطشه الشديد الذي لزمه طوال مدة العرض، والذي يدل على ارتباط الابن بأمه والأم بالابن رمزا للوطن والجذور والعطش الرامز لفقدان الحرية الأمان، فهي كلها دلالات رمزية يفهمها المتلقي إذ شُكِّلت في شكل ثنائيات الأم والوطن، الابن والأم، الصبر والخوف، الجريح والمسعف، العطش والهلع، وظفت كلها لتنبه المتلقى وتحثه على الاستفاقة، كما حدث في نهاية المشهد الدرامي الذي شكّل فيه استفاقة الأم وهي دلالة عن ضرورة استيقاظ الوعي العربي والعالمي بل الإنساني وسط هذه الجثث التي لا شكل لها إلا الجراح وتدمير المعبر، لينتهي العرض نهاية مفتوحة وكأن عبد الحق قصاير يؤرخ لمسرحية أخرى بل مسرحيات أخرى جديدة على ضوء الأحداث التي تشهدها غزة بل فلسطين كلها. العرض الذي قدم بالمسرح الوطني الجزائري ضمن فضاء "صدى الكتاب" الذي حمله شعار "القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية" أكد فيه أعضاء الفرقة أن الالتزام والفن قضايا جمالية تلتقي مع باقي التجارب، كما فعل كاتب ياسين في مسرحية فلسطين المخدوعة وكأنه أرّخ للقضية الفلسطنيية بعد 29 سنة من بدء الانتفاضة. وأضاف الممثل فريد بلعياط أن سبب اهتمامه بالمسرح كونه شاب هو الالتزام بالقضايا الإنسانية التي تجعل داخل كل فرد منها يشعر بوجود ممثل صغير بداخله، قصد البحث عن الحالة الروحانية بداخله. وختم اللقاء بالحقيقية المرة التي يعيشها واقع المسرح الجزائري وهو الاقتباس الذي يعتبر تجربة سيئة لكنها مفروضة وبدونها لا وجود للمسرح الجزائري وركز على التأليف كضرورة ملحة بل واجبة للنهوض بالمسرح الجزائري. للإشارة، فإن أعضاء فرقة الخشبة الذهبية لمسرح بلعباس حصدت العديد من الجوائز الى جانب إشرافها على المختبر المسرحي داخل فضاء الجامعة.