يتحدث الخطاط السوري المقيم بالجزائر "طلال شوقي"، في هذا اللقاء الذي خص به "الأمة العربية"، عن رحلته المضنية مع جماليات الكتابة العربية منذ أن كان عمره لا يتعدى خمسة عشرة سنة، وكيف حط رحاله بالجزائر، بعد أن صار هواء بلاده يخنق ذاته، ليلعن بعد مخاض عسير كان عنوانه السياسة، عن ولادة جديدة في رحب لغة الضاد وما جمّلها من خط عربي، هي إذن لحظات من ذاكرة "شوقي" التي لمسنا فيها عشقه وولهه لفن الخط رغم عامل السنين. "الأمة العربية": حدثنا عن رحلتك مع الخط العربي؟ الخطاط السوري طلال شوقي: بدأت ميولي للخط العربي منذ صغري، ونمت شيأ فشيأ مع تمرسي على يد بعض الخطاطين، فلقد كنت بالموازاة مع دراستي في الثانوية تخصص تقني، لا أتوانى في العطلة الصيفية عند ذهابي لبيت جدتي في الشام، عن الالتحاق بأساتذة الخط المتواجدين بحي الخطاطين، وبالتحديد عند شيخ الخطاطين العرب "بدوي الديراني" الذي أعتبره قدوة في الأخلاق والعلم، وبفضله نهلت أسس وقواعد الخط العربي وأنواع الخطوط، وفي الحقيقة صبره على أخطاء تلاميذه على الرغم من بلوغه من الكبر عتيا آنذاك، هوالذي جعلني أتعلق به أكثر. هل لنا أن نعرف متى بدأت تزف بنات قريحتك للجمهور السوري؟ في الواقع، لقد باشرت العمل الخطي أثناء دراستي في الثانوية، وكنت وقتها أبيع لوحاتي وأجني مدخولا متواضعا، أساعد به والدي "رفعت" الذي أمدني بالإرادة والتحدي، فهو بالإضافة إلى كونه مناضل ثائر ضد كل ماهو سياسية استعمارية كانت تنتهجها فرنسا خلال فترة الإنتداب، كانت له مواهب في الفن التشكيلي، فحببيني صراحة لكل ماهو إبداع فني، فلقد كنت أهوى كتابة الشعر والنحت والرسم. الأكيد أنك من هواة المطالعة؟ هذا صحيح، أنا أهوى المطالعة مثل أبي، فبالرغم من أن دراستي كانت تقنية، إلا أنني كنت أطالع بكثرة الأدب الجاهلي والإسلامي والعباسي، إضافة إلى أدب المهجر لدرجة أنني أحفظ الكثير منها، وبالنسبة لي الذي لايطالع لايمكن أن يتأقلم مع المستجدات في أي مجال كان. بعد مرحلة الثانوية، ماهو الطريق الذي شققته ؟ بعد الثانوية وحصولي على البكالوريا، انضممت إلى العمل بالجيش وبقيت فيه لمدة 9 أشهر، وبالضبط في سنة 1963 تم تنحيتي من منصبي، بسبب الانقلابات التي كانت بين البعثيين والناصريين من جهة والانفصاليين من جهة أخرى، وحينها قررت الدخول لمعهد المعلمين الخاص وتحصلت على شهادة في الأدب العربي، بعدها وجدت نفسي في دائرة البطالة للظروف الأمنية التي كانت تمر بها البلاد، وعدم قبولي للعمل في المؤسسات الوطنية على أساس انتمائي لجيش الناصريين الساعي لتحقيق الوحدة العربية سابقا، في هذه اللحظات كانت تنتابني فكرة السفر. أين كانت وجهتك الأولى بعد أن صار هواء بلادك يخنق ذاتك ؟ في سنة 1964 ، كانت وجهتي الأولى إلى مصر، لتواجد احدى أخواتي هناك، وبمجرد أن وصلت إلى المطار أجريت اتصالا بالخطاطيين المصريين منهم حسني وأمين شحات، وذلك قصد العمل كخطاط، إلا أن الإجابة التي تلقيتها من كليهما "ما في حاجة ستضيع وقتك"، لأصطدم فيما بعد بأمن مصر الذي أوقفني وقال لي بالحرف الواحد،" نحن نحترم الدولة التي منحتك جواز السفر، إلا أنه مدون فيه مسموح لكل البلاد العربية، ماعدا مصر والعراق"، وفي الحقيقة اختياري لمصر، كان ظنا مني بتلقي الدعم من طرف زوج أختي الضابط المصري، مباشرة بعدها ركبت الباخرة واتجهت صوب الجزائر. لما استقر بك المطاف في الجزائر، ماذا قررت أن تفعل؟ لما أتيت إلى الجزائر، كنت أود الاشتغال كخطاط أيضا، اتصلت بالمسؤولين في جريدة الشعب، بحكم أنها الصحيفة الوحيدة الناطقة باللغة العربية آنذاك، وقدمت اليهم أعمالي ونماذج من الكتابات الخطية، من بينها عنوان جريدة "الشعب" ، وقتها طلبوا مني التريث والانتظار إلى أن يستدعونني للعمل معهم، بقيت على الحال أترقب اتصالهم إلا أن الأمر لم يتم، والمفاجأة كانت بعد مرور خمس سنوات أين رأيت عنوان جريدة "الشعب" الذي خطته هو المعتمد إلى يومنا هذا، وكما يدرك الجميع لم يكن هناك حقوق المؤلف، بعدها توجهت للعمل مع شركات خاصة بالخط العربي منها شركة "سبال" الفرنسية المؤسسة من قبل" أبيريو" ، والذي كان عملي بها كتابة أسماء الشركات والمؤسسات بالخطوط العربية منها أسماء المحلات المتواجدة حاليا بمقر رياض الفتح. كون رغبتك كانت جمة في أن تكون خطاطا، ألم تفكر بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة ؟ طبعا فكرت في ذلك، وتوجهت لمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، وكانت لي فرصة التعرف على الخطاطيين محمد لمين حكار واسكندر اللذين أقدرهما، إلا أنني كنت أشعر من كلامهما بأنني شخص غير مرغوب فيه، وجئت لأقاسمهما لقمة عيشهما. وعلى هذا الأساس، تخليت عن الفكرة ودخلت إلى سلك التعليم عند "الآباء البيض" وامتهنت تدريس مادة اللغة العربية في سنة 1965، ثم صرت أشتغل في القطاع العام إلى أن تقاعدت في سنة 2001. بعد المسار التعليمي الطويل الذي قضيته، هل انطفأ بداخلك شعاع الخط العربي؟ الأكيد، أن التدريس لم يؤثر على اتجاهاتي الفنية، لأنني كنت أمار س الخط دائما على هامش عملي، فلقد أنجزت مثلا العديد من الرزنامات التي تتضمن حكم وآيات مكتوبة بالخط العربي، كما طلب مني منظمو تظاهرة الخط العربي بالمدية مرات عديدة المشاركة في الورشات أو المعارض، وصراحة أنا أرفض الظهور لغياب ثقافة الفن التشكيلي عند الجمهور. برأيك غياب الثقافة التشكيلية عند الجمهور، تعده سببا كافيا لعد م عرض إبداعاتك؟ ربما، قد يكون اليأس كذلك، وعامل التكنولوجيا الذي ساهم في الإستغناء عن إبداعات الخطاطين.
الكثير من المبدعين يعتبرون التكنولوجيا عاملا مساعدا وليس لاغيا لدور الخطاط، ما قولك؟ هذا صحيح، لأن مهما تطورت التكنولوجيا لايمكن أن تقوم بما يقوم به الخطاط، لأن كتابة الحرف باليد يختلف حسب موقعه، وهذا الشيء الذي تبقى الآلة عاجزة عنه، إضافة إلى إبداع الخطاط الذي يزيد اللوحة رونقا وجمالا. هل تعتبر نفسك خطاطا؟ لا لم أصل بعد، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" وهذا دليل على أنه مهما تعلمنا نبقى قاصرين. ماذا تقترح للنهوض بالخط العربي في بلادنا؟ أقترح تدريس مادة الخط العربي، وبالأخص خط الرقعة في كل المؤسسات التربوية حتى ينشأ الطالب على الكتابة الجميلة المقروءة والتي لا تأخذ الوقت الكبير، إلى جانب ذلك تنظيم دورات تدريبية لكل الأساتذة في مادة الخط العربي، حتى يقتدي الطلبة بخطهم.