شمعة أخرى تنطفئ من شموع جيل الثورة الجزائرية، في ظرف ما زالت فيه الأجيال تبحث عمن يرسم لها لوحة عن حقائق تاريخية من ثورة نوفمبر ويغربل لهم ما أفرزته الأيام والسنين ويكشف اللجام عما دار من صراعات ونزاعات بين القادة الثوريين، والحال الذي وصلت إليه الجزائر إلى حد أصبحت مطالبة بإجراء إصلاحات سياسية رحل إلى الأبد المجاهد والمناضل في حزب جبهة التحرير الوطني إفراح محفوظ يوم 23 مارس 2011 عن عمر يناهز 74 سنة، توفي بمسكنه الكائن بحي بن عجال دائرة بودواو ولاية بومرداس بعد مرض عضال ألزمه الفراش، والمجاهد إفراح محفوظ يعتبر إحدى الوجود الثورية التي كان لها الحظ وشرف المشاركة في الثورة والانخراط في صفوفها، لكن الرجل بعد الاستقلال عاش التهميش والإقصاء من قسمة بودواو لحزب جبهة التحرير الوطني لأسباب يجهلها بعدما حول ملفه من قسمة بولوغين، وينحدر المجاهد إفراح محفوظ من عرش آث إفراح بمنطقة القبائل الكبرى، وهو من مواليد 29 جويلية 1937 بمنزل بورقيبة تونس، عاش ظروفا سيئة في بلاد الغربة، وحنينه إلى الوطن دفعه إلى الانخراط في صفوف الثورة وعمره لا يتجاوز 18 سنة، مارس نشاطه في سرية تامة. كان لنا يوم الأربعاء 25 ماي 2011 لقاء مع أرملة الفقيد السيدة إفراح جميلة المولودة - كتو- مُعَلّمَة متقاعدة وأمّ لسبعة أولاد معظمهم إطارات دولة وذلك بمسكنها الكائن بحي بن عجال بودواو ولاية بومرداس، وقبل أن نفاتحها في الموضوع أجهشت بالبكاء، وبصعوبة انتزعنا منها هذه المعلومات حول مسيرة الفقيد، من خلال ما تملكه من وثائق طبعا، كون الرجل كما قالت يتميز بأنه رجل كتوم للغاية إلى حد أن البعض يظنون أنه أبكم، فهو قليل الكلام أو الثرثرة (إن صح القول)، فقد كان يقضي كل وقته في الصلاة وقراءة القرآن، ومتابعة قناة الجزيرة بالرغم من انعزاله كليا عن السيّاسة.. تكشف لنا السيدة جميلة أن الفقيد بدأ نشاطه في تونس، حيث تلقى تدريبه على يد عبد الله المولدي، وكان مكلفا بالدعاية للثورة والتجنيد وجمع المال والأسلحة، حرث عمل رفقة المدعو ربّوحي علاوة وجمال قابة والقاسمي محمود (متوفي)، وكان يحضر رفقة مجموعة من المجاهدين الاجتماعات في أحواز تونس أو المرسى كما يسمونها، ولحيويته رشح ليكون رئيس خلية، وسجن في تونس بسبب مواقفه النضالية، ذلك بتواطؤ من أحد الحرس التونسيين عندما ألح على احد الجزائريين و هو قريب لعون الحرس التونسي على دفع الاشتراكات. الكل أعجب له بوفائه وإخلاصه لوطنه، بشهادة يوسف بن خدة و العقيد الطيب الثعالبي المدعو السّي علاّل، والذي كان مستشار بديوان وزير العدل الذي ذكر نشاطه في جمع المال والأسلحة والدعاية، ما كشفته لنا أرملة هذا الر جل أنه يو ما مرض، وكان طبيب إيطالي قد حضر له أوراق السفر إلى فرنسا للعلاج، لكنه رفض أن تعتب قدمه بلد العدوّ الذي كان سببا في إبعاده عن وطنه، مكتفيا بالحقن التي كان يقدمها له المدعو علي بوقشال مسؤول الناحية آنذاك، إلى أن شفي من مرضه، كما اشرف المجاهد إفراح محفوظ على تجنيد الكثيرين ومنهم مختار بوشيبة وهو اليوم حسب المصادر عقيد بناحية وهران بعد الاستقلال عيّن المجاهد إفراح محفوظ مع الحكومة المؤقتة في بلدية دلس، تقول أرملة أنه كان من أكثر المناضلين انضباطا في حزب جبهة التحرير الوطني عندما كان منخرطا بقسمة بولوغين في الفترة بين 1963 و1967، وبشهادة سكان (سانت جان)، ولكن عندما غير مقر سكناه وحول ملف انخراطه في الأفلان إلى قسمة بودواو، لقي تهميشا من طرف مسؤوليها، و تنكروا له لسباب وصفها بعض مناضلي القسمة بالجهوية، فقرر الانعزال عن السياسة، ولزم بيته متفرغا للصلاة وقراءة القرآن إلى أن سقط فريسة المرض الذي ألزمه الفراش إلى غاية وفاته.