سنة 2010، هي سنة تشارف على النهاية بحلوها ومرها، ستخلد كباقي السنوات، سنة فقدت فيها الجزائر على غرار باقي السنوات، عددا من رجالها، فذهبوا وتركوا وراءهم ما يخلدهم لأنهم عملوا وقدموا بدون منّ أو حساب، ففقدت الساحة السياسية من رجالها، الفنية والرياضية، لأسباب عدة، أغلبها كان المرض وأقساها رغم قسوة الموت مهما كان سببها، الإغتيال. ''النهار'' حبّذت في هذه الوقفة تخليدهم ولو بذكر جزء من مناقبهم، لعل وعسى تتفطن السلطات، خاصة منها وزارة الثقافة إلى أنها تفقد رجالها تباعا، فتتكفل بهم قبل أن يختطفهم الموت، فيصدق عليها قول: ''كي كان حي كان مشتاق تمرة، وكي مات علقولوا عرجون''. ''بلوصيف'' أول لواء في المؤسسة العسكرية.. يغادر بداية 2010 فقدت الجزائر بتاريخ 15 جانفي 2010، الجنرال مصطفى بلوصيف، عن عمر يناهز 70 سنة، على إثر مرض عضال ألزمه الفراش لفترة طويلة، ينحدر الجنرال من منطقة بني مهيدي بولاية الطارف، ويعد من بين أصغر الملتحقين بصفوف جيش وجبهة التحرير بالمنطقة الشرقية، أين كان رفيق درب العديد من القيادات الثورية، من بينهم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وقد تقلّد الجنرال ''بلوصيف'' عدة مناصب ومسؤوليات في صفوف الجيش الوطني الشعبي، قبل أن يتم تعيينه في رتبة جنرال بقيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، وأمين عام لوزارة الدفاع الوطني في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد. ويعد الجنرال، أحد أبرز أعمدة المؤسسة العسكرية، خلال سنوات الثمانينات. شغل مناصب عليا بالمؤسسة العسكرية، حيث كان المحافظ السياسي للخدمة الوطنية في نهاية الثمانينات، قبل أن تتم ترقيته إلى رتبة لواء، ليكون بذلك أول من يتقلد هذه الرتبة العسكرية في الجزائر، كما عُرف الجنرال ''بلوصيف''، كونه أول عسكري برتبة رفيعة تتم محاكمته، بتهمة فساد مالي، حيث نسبت إليه في بداية سنوات التسعينات، عندما أحيل على القضاء العسكري بالبليدة، تهم تحويل وتبديد أموال عمومية، استغلال أملاك وعتاد للجيش لأغراض شخصية. الكاردينال العربي بلخير.. ''جنرال'' لم يجد من يخلفه لدى ''المخزن'' فقدت الجزائر بداية السنة، وتحديدا يوم 29 جانفي، سفيرها لدى المغرب الجنرال ''العربي بلخير'' أو من يعرف لدى مقربيه ب''الكاردينال''، بسبب العلاقات الكثيرة التي كانت تربطه بالمسؤولين داخل وخارج الوطن، ارتبط اسمه بديوان الرئاسة. الكاردينال، فارق الحياة عن عمر يناهز 73 سنة، بعد معاناة طويلة مع المرض، دامت أكثر من سنة. شغل ''كاردينال فرندة'' الكنية التي أطلقت عليه نسبة إلى المنطقة التي ينحدر منها ''فرندة''، التابعة لولاية تيارت، منصب مدير للمدرسة العسكرية لتكوين المهندسين ببرج البحري في السبعينات، ثم تولى الجنرال مناصب هامة في الدولة جعلته يتدرج في هرم السلطة، بالنظر إلى قوة شخصيته وحزمه، حيث شغل منصب مدير لديوان الشادلي بن جديد، وبعدها وزيرا للداخلية في النصف الثاني من العام 1991، لينسحب من المشهد السياسي بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف، قبل أن توكل إليه مهمة تمثيل الجزائر في المملكة المغربية عام 2004، بصفته سفيرا، وبقي في المنصب إلى أن تدهورت حالته الصحية سنة 2009، حيث بقي منصبه شبه شاغرا إلى أن وافته المنية مطلع سنة 2010، وبقي المنصب كذلك طيلة 10 أشهر، أين تم تعيين أحمد بن يمينة شهر أكتوبر المنصرم خلفا له، وبرحيل بلخير، تكون الجزائر فقدت واحداً من أهم مهندسيها وأحد صقور المؤسسة العسكرية. وزارة الدفاع تودّع ثالث صقورها في شهر.. الجنرال متيجي فقدت المؤسسة العسكرية في السادس من شهر فيفري عام 2010، وهو يوم جمعة، ثالث صقورها في ظرف شهر واحد، هو الجنرال ندير متيجي، مدير الإتصال والتوجيه بوزارة الدفاع الوطني، الذي فارق الحياة عن عمر يناهز 69 سنة، بعد تعرضه إلى سكتة قلبية.ويعد الجنرال نذير متيجي، أحد أعمدة المؤسسة العسكرية، من مواليد سنة 1914 ببوڤاعة ولاية سطيف، التحق بصفوف الجيش الشعبي الوطني سنة 1963، ضمن مصالح القوات البحرية، قبل أن يرقى إلى رتبة ملازم في نفس السلك سنة 1968، ليتولى عدة مسؤوليات بالجهاز العسكري، وكانت البداية بإطار في المدرسة الوطنية للبحرية، ثم ملحقا إداريا وعسكريا بليبيا، ليعين بعدها إطارا سامٍ بوزارة الدفاع الوطني، قبل أن يشغل منصب رئيس مديرية الإتصال والإعلام والتوجيه بوزارة الدفاع الوطني، بعدما رقي إلى رتبة لواء. ''علي تونسي'' بعد 16 سنة من العطاء.. رصاصة غادرة بمكتبه تنهي حياته كان ذلك في الخامس والعشرين من شهر فيفري 2010، عندما أعلنت وزارة الداخلية عن اغتيال أحد أبرز رجالات الجزائر، في مكتبه على يد أحد مساعديه، هو الفقيد العقيد ''علي تونسي''، الذي ارتبط اسمه على مدار 16 سنة كاملة بمحاربة الإرهاب، وإعادة الأمن والإستقرار إلى ربوع الوطن، بوقوفه عند جهاز الشرطة... تونسي الرجل القوي في جزائر التسعينات، فارق الحياة وهو في ال83 من العمر، مجاهد، كان من بين من التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني، كان في تلك الفترة مايزال طالبا، وعضوا في الإتحاد العام للطلبة الجزائريين، الطالب الذكي، نشط ضمن جهاز التسليح والإستعلامات ''المالغ''، انضم إلى صفوف الولاية التاريخية الخامسة سنة 1957، سجن بعدها بسنة وكان برتبة ملازم، بعد أن تلقى تكوينا بالمدرسة السياسية الإدارية في 1958، ولم يخرج من السجن إلا بعد الإستقلال. تونسي واصل حياته العسكرية في صفوف الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، حيث التحق بجهاز المخابرات العسكرية وحمل صفة العقيد، وفي سنة 1970 عين قائدا للمدرسة الهندسة العسكرية بأرزيو، ثم قائدا مساعدا للناحية العسكرية الرابعة، قبل أن يحال على التقاعد سنة 1988، تولى خلالها مناصب مهمة، منها الإشراف على إنشاء وتنظيم الأمن العسكري سنة 1990. الحياة المهنية للعقيد، لم تتوقف بإحالته على التقاعد لأنه كان من خيرة أبناء الجزائر، ومعينها وقت الشدائد، تونسي كان الوحيد الذي قبل في فترة التسعينات تبوأ منصب مدير عام للأمن الوطني، رغم ما كانت تعانيه الجزائر في تلك الفترة، حيث قرر الرئيس الأسبق ''اليامين زروال'' تعيينه في مارس 1995 مديرا عاما للأمن الوطني، المسؤولية كانت ثقيلة والمنصب كان حساسا، ورغم ذلك تمكن تونسي على مدار 16 سنة من إدارة جهاز الأمن وإعادة هيبته بعد أن فقد جزء منها، وتمكن الفقيد من ترقية صورة السلك بشكل تدريجي، وواصل مخطط التشييد والتكوين في سلك الأمن ولم يكن يخف لومة لائم، وكانت آخر محطاته حملة التطهير التي باشرها في سلك الشرطة، بعد استتباب الأمن وعودة الهدوء، غير أنه فتحه لهذا الملف كان السبب في إنهاء أيام حياته على يد أحد المتورطين في الفساد بالسلك. الرئيس يفقد شقيقه وطبيبه.. بعد سنة من فقدان والدته فاجعة هي الثانية، في أقل من سنة، ألمّت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد فقدانه لوالدته المرحومة الحاجة ''منصورية غزلاوي''، حيث فقد الرئيس في الثاني من شهر جويلية المنصرم شقيقه ''مصطفى''، على إثر مرض عضال. الدكتور مصطفى بوتفليقة، كان أصغر إخوته وأقربهم إلى الرئيس بعد والدته، كان يعمل بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، بصفته مختصا في أمراض الأذن، الأنف والحنجرة. عمل الدكتور مستشاراً في رئاسة الجمهورية، وهو الطبيب الخاص لشقيقه الرئيس، عانى الراحل من مرض عضال، مما جعله يتبع برنامجاً صحياً في مصحات في الخارج بسويسرا، وكان آخر ظهور له في وسائل الإعلام شهر مارس الماضي، مع نجم كرة القدم زين الدين زيدان. الجزائر تفقد علاّمتها ومفتيها الشيخ ''عبد الرحمان الجيلالي'' فقدت الجزائر سنة 2010، أحد رجالات الدين وأبرز المشايخ، العلاّمة والمفتي الكبير الشيخ ''عبد الرحمن الجيلالي''، الذي توفي بأحد مستشفيات العاصمة عن عمر يناهز 103 سنة. ويعد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، أحد أبرز المشايخ وعلماء الدين في الجزائر خلال القرن الماضي، ولد الفقيد عام 1980 بالعاصمة الجزائر، وحفظ القرآن في المساجد والزوايا القرآنية التي كانت تنتشر في العاصمة خلال فترة الإحتلال الفرنسي، كان أحد أبرز الناشطين في جمعية العلماء المسلمين المناهضة للإستعمار، حيث عمل بعد استقلال الجزائر أستاذا جامعيا ومدرسا للفقه المالكي، وحصل على شهادات تقدير من الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد عام 1987، كما حظي الشيخ الجيلالي باحترام كبير في الجزائر وقدم حصصا دينية في الإذاعة والتلفزيون حول الأحاديث النبوية والفتاوى، وأصدر سلسلة من الكتب والمؤلفات الدينية، كان أبرزها كتاب تاريخ الجزائر الذي صدر في خمسة مجلدات. أركون شمعة من شموع الفكر والبحث تنطفئ 14 سبتمبر 2010، كان تاريخ انطفاء بريق شمعة من شموع الجزائر، شمعة المفكر الجزائري المعاصر محمد أركون، الذي وافته المنية بالعاصمة الفرنسية باريس، عن عمر يناهز 28 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.أركون مات وترك وراءه ما يخلده، مكتبة ثرية وغنية بالمؤلفات والأعمال البحثية والفكرية في مجال الدراسات القرآنية والإسلامية وفق المناهج الحديثة، على غرار كتاب ''ملامح الفكر الإسلامي الكلاسيكي''، ''دراسات الفكر الإسلامي''، ''الإسلام أمس وغدا''، ''من أجل نقد للعقل الإسلامي''، ''الإسلام أصالة وممارسة'' و''رهانات المعنى وإرادات الهيمنة''، هي إنجازات تمت ترجمتها إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والهولندية والإندونيسية والعربية. ولد محمد أركون في 1927، بقرية تاوريرت ميمون في تيزي وزو، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى مدينة عين تيموشنت، حيث تابع دراسته هناك، وأكمل بعد ذلك دراسته الثانوية في وهران، ثم التحق بكلية الفلسفة في جامعة الجزائر لينهي دراسته الجامعية بجامعة ''السربون'' في باريس، حيث حصل على شهادة الدكتوره في الآداب، كما عمل مدرسا بعدة جامعات في أوروبا وأمريكا والمغرب، واهتم بدراسة وتحليل الفكر الإسلامي. آخر الباءات لخضر بن طوبال.. يلتحق برفيقيه هو آخر الباءات، المناضل لخضر بن طوبال، شاء القدر أن يفارق الحياة بتاريخ 20 أوت 2010، عن عمر يناهز ال87 سنة، بعد أن عانى من تدني وضعه الصحي منذ مدة طويلة، أين خضع لعناية طبية مركزة بمستشفى عين النعجة العسكري، المناضل فضّل البقاء بعيدا عن الأضواء لمدة طويلة، بالرغم من أنه أحد أبرز رجالات الثورة الذين صنعوا الإستقلال. يعرف عن بن طوبال بأنه أحد الباءات الثلاثة، إضافة إلى عبد الحفيظ بوالصوف، وبلقاسم كريم، الذين كانوا يشكلون النواة الصلبة للثورة التحريرية، فقد كانت كل صغيرة لا تمر بدون موافقة هؤلاء الثلاثة. كان عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ، التي انبثقت عن مؤتمر الصومام في أوت 1965، والمجلس الوطني للثورة، ثم تم تعيينه وزيرا للداخلية في الحكومة المؤقتة، كما شارك في مفاوضات الإستقلال مع السلطات الإستعمارية في ''لي روس'' وفي ''إيفيان''. لخضر بن طوبال، من مواليد عام 1933 بميلة، كان سباقا إلى الإنخراط في صفوف حزب الشعب أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو شابا يافعا، ثم ما لبث أن انضم إلى المنظمة الخاصة، وهي الجهاز العسكري لحزب الشعب، الأمر الذي مكنه من الإشراف على تنظيم الخلايا العسكرية لهذا الجهاز بالشمال القسنطيني. حرصه وتفانيه في محاربة الجيش الإستعماري، وقربه الدائم من أبناء الحركة الوطنية وقادتها، مكنه من أن يكون أحد الأعضاء في مجموعة ال22 التي خططت لاندلاع الثورة التحريرية، كما أصبح الفقيد قائدا للولاية الثانية التاريخية، بعد استشهاد البطل زيغود يوسف في 19. ويعتبر الفقيد، صندوق سر الثورة التحريرية بما يحوزه من معلومات سرية حول سبع سنوات من الحرب المدمرة ضد الإستعمار الفرنسي، غير أنه فضّل التكتم عليها.