الاستثمار عندنا مجرد تقليد أو موضة لا يخضع إلى عقلانية اقتصادية ولا إلى قاعدة وأسس استثمارية بالمقاييس العالمية المتعارف عليها، لأنه صار ببساطة استيراد الماركات الأجنبية من سيارات وهواتف وخردة. هذا هو الاستثمار في عقول بعض الذين يخططون له، الآخرون يفكّرون وينتجون ونحن نستورد منهم كل شيء "خردة .. ملابس .. إسمنت.. قمح ... بل وحتى البشر" ونسمي كل هذا استثمارا أما المستقبل فهو من علم الغيب ولا يجب التخطيط له ولا للأجيال القادمة. إن الدول التي انطلقت بسرعة الصاروخ نحو المستقبل وتركتنا نعود بالسرعة نفسها إلى الخلف لم تستثمر في الخردوات والأواني المنزلية وأحدث الهواتف وآخر صيحات الموضة في سيارات" الفيراري" و"بي أم دبليو" التي نستوردها نحن بكل فخر، بل تستثمر الفكر وتستثمر الإنسان الذي هو رأس مال كل دولة وكل أمة، هذا الإنسان الذي يبدع ويفكر لينتج ما نقف نحن العرب أمامه فاغري الأفواه عجبا ثم نستورد ما صنعوا لنضيفه إلى إنجازاتنا كاستثمار ونوع من أنواع الاقتصاد. لقد أصبحنا نعتمد على عائدات النفط والاكتفاء بما يأتينا من وراء الحدود من ملبس ومأكل ومشرب ونتفرج على الأجناس الصفراء التي تشبه النمل في عملها، بينما نبقى نحن نتفرج على سرعة إنجاز هذا النمل البشري وتقنيته العالية لنضرب أخماسا في أسداس.. عجبا. لا أريد أن أثير هنا تاريخ علومنا المجيدة ونجعلها حائطا للمبكى نتباكى عليها وننوح على أطلال. لقد صارت الطاقة البشرية عندنا كلها مادة خام، فكرنا لا زال جديدا لم يستعمله منذ قرون، حتى معادننا لا زالت خاما وأراضينا لا زالت خاما تنقصنا فقط انطلاقة حضارية لو صدقت النيات واستثمرنا في الإنسان وفكره وجعلنا منه رأس مال الأمة. وبالرغم من أن الانطلاقة ليست بالأمر الهين، لأن انطلاقنا ووقوفنا يعني كارثة بالنسبة للضفة الأخرى لأننا بالنسبة لهم مجرد مستهلكين لأفكارهم وحضارتهم ..فلا زلنا سوقا كبيرا لجميع أشكال الخردة. إن أي دولة أو أمة تريد نهضة حقيقية عليها أن تستثمر في الإنسان لأنه رأس مال أي حضارة .. وأكبر مثال على ذلك اليابان هذه الدولة المُشكَّلة من مجموعة من جزر آيلة للزوال في أي لحظة والتي لا تملك لا طاقة ولا معادن وأرضها تكاد تكون بورا خرجت من الحرب العالمية بخراب كبير انطلقت من العدم لكنها استثمرت في الإنسان وفكره. أما نحن فلا زال الإنسان يأتي في آخر الاهتمام بعد الهواتف النقالة وكل أشكال الخردة المستوردة.