ما تزال إجراءات القرض التوثيقي الذي أقرته وزارة المالية في قانون المالية التكميلي 2009 وشرع في العمل بتدابيره في الفاتح من جانفي 2010، يثير انتقادات واسعة من طرف المتعاملين الاقتصاديين، سيما منهم المصنعين المحليين الذي ألزموا بها كوسيلة وحيدة لتمويل الواردات من الأسواق الخارجية حيث ما تزال "الباترونا" ومنتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية وحتى أطراف نافذة وفاعلة في المركزية النقابية تدعو إلى إلغائه على الأقل بالنسبة للمتعاملين من الصناعيين المحليين. وبلغة الأرقام، يشير العديد من الخبراء الاقتصاديين إلى أن إجراءات القرض المستندي تسببت في خسائر قدرها 600 مليون دولار في ظرف 18 شهرا، وأيضا توقف 400 مؤسسة اقتصادية عن النشاط بشكل كلي أوجزئي. وكانت مسألة مراجعة بنود هذا الإجراء كوسيلة وحيدة لتمويل الواردات من بين أهم الملفات التي تمت مناقشتها خلال اجتماع الثلاثية الماضي في فيفري المنصرم، وقد اتفق ضمنيا وقتها على وقف العمل به بداية من شهر جانفي 2012، وذلك بعد الضغوطات الكبيرة والمتصاعدة التي مارستها منظمات أرباب العمل منذ سبتمبر 2009، حيث شجبت مبررات الحكومة حينها بان الإجراء يهدف إلى تقويض ظاهرة الاستيراد العشوائي وتقليص منحنيات استيراد المواد المقلدة من خلال الإجراءات المكملة للقرض المستندي مثل شهادات مطابقة المنتوج من طرف شركات بلد المنشأ لكن مثل هذه المبررات لم تقنع المتعاملين الاقتصاديين والمستوردين النظاميين، مؤكدين أن هناك إجراءات أخرى كان من الممكن أن تطبقها لتقويض الظواهر التي تنخر الاقتصاد الوطني. وتساءل الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى في وقت سابق عن سبب إحجام وزارة المالية عن استشارة المتعاملين الاقتصاديين خلال كل مراحل صياغة إجراءاته، بالرغم من طلب هؤلاء إشراكهم في حوار جدي وفعال من اجل التوصل إلى أرضية عمل مشتركة. وقال مصيطفى أن الحكومة أذعنت بعد أكثر من سنة ونصف إلى مطالب منظمات ارباي العمل لكن للاسف كما قال بعد فاتورة ثقيلة، نزيف مالي قدر باكثر من 1,5 مليار دولار وتسبب إجراءات القرض المستندي في توقف 400 مؤسسة اقتصادية عن النشاط وكلها من المؤسسات التي تعتمد على واردات المواد الأولية من الأسواق الخارجية. وقال مصيطفى أن 60 بالمائة من المؤسسات التي أغلقت من نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لم تتمكن من مسايرة الدائرة المالية التي أقرت وأنهكت بالكامل بعد مرور أقل من 6 أشهر من بداية تطبيق إجراءات القرض المستندي، مشيرا إلى أن مطالب "الباترونا" منذ مارس 2010 لم تجد الآذان الصاغية من طرف السلطات العمومية بالرغم من إشارات الإنذار التي كان تطلقها مقرونة بالأرقام والمعطيات التي ترسم صورة قاتمة لمستقبل الصناعيين المحليين في حال الاستمرار في تطبيق إجراءات القرض المستندي. ومن المرتقب أن يكون ملف القرض المستندي وما صاحبه من انتقادات من بين الملفات التي سيتم أيضا مناقشتها بعمق خلال لقاء الثلاثية المقبل "الحكومة المركزية النقابية الباترونا" في سبتمبر الداخل إلى جانب العديد من الملفات الأخرى ذات الصبغة الاستعجالية والأولوية.