ما الذي تركته الأزمة في الرواية؟ إستطلاع/ نوّارة لحرش يؤكد روائيون وكتاب في هذا العدد من كراس الثقافة أن الروايات التي "استثمرت" في سنوات أزمة الجزائر افتقدت الإقناع الفني وجاءت في شكل شهادات في حين يؤكد آخرون أن الرواية التي تنطلق من هذه الفترة التاريخية بصدد الانكتاب الآن وربما تكتب في المستقبل وربما لن تُكتب على الإطلاق.. مع التأكيد على ظهور نصوص متميزة في هذه الفترة لروائيين لم ينتظروا لم تنجبهم الأزمة ولم ينتظروها ليحفروا مجراهم على أرض الرواية الطيبة. لحبيب السايح/ كاتب وروائي نصوص المحنة وضعت معالم في طريق الكتابات اللاحقة في السؤال جميع مكونات النقاش الذي أثير ولا يزال، ولو بحدة وإنتشار محدودين، حول مدونة السرد الروائي التي تراكمت نصوصها، خلال المحنة الوطنية، كما أحب أن أصفها، واستمرت تظهر من حين لآخر في الكتابات الروائية باللغتين معا العربية والفرنسية، في داخل الجزائر خاصة، آخذة في ذلك المسافة الزمنية اللازمة التي لم تأخذها جميع النصوص خلال إشتعال أتون العنف، فسميت لذلك "إستعجالية". وأنتِ تعرفين دلالة مفهوم "الإستعجال" الذي كثيرا ما جعله بعضهم يحيل على تلك النصوص التي لن يتوافر لها صدى، لأن اليومي والوقائعي والعياني جرفها إلى سيل الخطاب الصحفي في بنيته الإخبارية. شخصيا، إذ كتبت "تماسخت دم النسيان" كنت في عمق دوامة المحنة. غير أني أخذت من داخل الأحداث الدامية والمؤلمة، حد الإنهيار، تلك المسافة الزمنية في ذاتي. وهي المسافة التي سمحت لي بأن أطرح السؤال: هل سفك دماء المسلمين ظاهرة جديدة في تاريخهم، ومن ثمة في تاريخ الجزائر؟، ما دام أن الجواب كان بالنفي فإني عملت على أن لا أُدين. ما فعلته هو تعرية الحماقة. ولو أني شجبت الجريمة تحت الغطاء الديني. كان لا بد، كما كتبت ذلك على ظهر الغلاف، من إظهار الضياع الذي خطت سبيله الحماقة بالدم المستباح معلماً لكل المنسيات في وجدان هذا الإنسان الجزائري الذي كأنما خلق ليكرس اللامعنى إذ ينقاد بسرعة وينسى بسهولة ويرد الفعل شعور المهان. وكان يجب أن أنتظر ثمانية أعوام كي أكتب "مذنبون.. لون دمهم في كفي" بعيدا تماما بمسافة زمنية حقيقية لأتبين أننا أذنبنا جميعا في حق الجزائر، بشكل أو بآخر، بدرجة أو بأخرى. بصفتك صحافية وشاعرة وقارئة تدركين ضرورة حجم المعرفة وكمية الصبر ومخزون التجربة لكتابة نص روائي عن حدث عظيم مثل المحنة الوطنية. ما أنجزته نصوص المحنة الوطنية، تلك التي إستوعبت الرهان السياسي والفكري للعشرية الدامية، هو أنها وضعت معالم في طريق الكتابات اللاحقة. هل واكبت أم لم تفعل؟ الدراسة والنقد، وربما الإنتقاء التاريخي، وحدهما قادران على الإجابة. فلا بد، إذاً، لمن يعود الآن من الكتُاب إلى تاريخية ما حدث من أن يقرأ المدونة إذا أراد أن يضيف نوعيا وفنيا وجماليا، أي أن يهدم بناء التوثيقي والتاريخي ويعيد تشكيله بمنظور فلسفي وجمالي مؤسسين على الخيال. سعيد هادف/ شاعر وناقد مقيم في المغرب الرواية الجزائرية حاولت بشكل أو بآخر سبر أغوار الأزمة يستفاد من التاريخ أن الرواية كانت أهم وسيط إبداعي وإعلامي في أوروبا بعد التطور الذي عرفته الطباعة في القرن الثامن عشر، وبوصفها نمطا من أنماط التعبير الفني الحديث اضطلعت بدور حيوي في سيرورة التجدد لبعض المجتمعات الأوروبية خاصة التي إستفادت من الإصلاحات الدينية. الأمر لدينا يختلف فالمجتمع الجزائري كسائر المجتمعات العربية ولظروف عديدة، لم يعرف الرواية إلا في زمن متأخر، كانت فيه الوسائط الإعلامية التكنولوجية (كالراديو والسينما والتلفزة...) قد بدأت تغزو حياة الناس؛ وهذا عامل أساسي حسب تقديري، حال دون خلق جمهور روائي. بخصوص المتن الروائي الجزائري إذا ما كان واكب أزمة ومحنة الجزائر خلال العشرية السوداء فكل ما يمكنني قوله هو أن الروائيين الجزائريين حاولوا بشكل أو بآخر سبر أغوار الأزمة، مع أن ما يسمى بالعشرية السوداء ليس سوى تجل لأزمة الدولة التي عبر عنها المفكر مالك بن نبي سنة 1948 ب"قابلية الإستعمار" في كتابه "شروط النهضة" هذا من جهة، من جهة أخرى فكل روائي فذ يراهن مثلما يرى المفكر والروائي المغربي عبد الله العروي، على كشف عقدة شعبه، حيث لكل شعب، مهما كان تاريخه طويلا أو قصيرا،عقدته، ولعل أهم شرط في العمل الروائي هو موسوعية المبدع وإرتباطه بزمنه، وقدرته على النفاذ إلى أغوار ثقافة شعبه. كمال قرور/ كاتب وروائي رواية الأزمة لم تكتب بعد، وربما الإعلام الجزائري واكبها أكثر مما واكبها الأدب رواية الأزمة لم تكتب بعد. إنها مؤجلة، قد تكتب وقد لا تكتب، مثلما لم تكتب رواية الثورة، إلا ما ندر. رواية الثورة مؤجلة أيضا في إنتظار من يأتي لاحقا ليكتبها. السبب ليس قيمة الحدث وإنما قد يكون عجز الكُتاب أمام هذه الأحداث العنيفة المتتالية والمتشابهة. أو بسبب الحاجز الإديولوجي الذي يحول دون الوصول إلى حقيقة ما حدث، فيسقط الكُتاب في التبسيط والتبجيل، إرضاء للخطاب السياسي، حيث يغيب صوت الآخر كما يغيب النقد والتمحيص، وتهيمن الرؤية التقديسية المنتفعة من الراهن وتحجب كل حقيقة مخالفة للرسمي. مثلما كانت الثورة عظيمة، كانت الأزمة الأخيرة أعظم. ولذلك بقيت مستعصية على فهم بعض الكُتاب والروائيين، وليس كلهم، ربما ما ينقصنا هو الخيال الذي يجعل من هذه الحوادث العظيمة أعمالا فنية إنسانية يتذوقها عشاق الفن والجمال، وقد تنقصنا أيضا مثلما قلت سابقا الحرية وقد تكون الجرأة، بالتمرد على ما هو سائد، ربما واكب الإعلام الجزائري المحنة الأخيرة أو الأزمة أكثر مما واكبها الأدب، نظرا للظروف الموضوعية التي تسمح للإعلامي بتناول الأحداث اليومية بطريقة وصفية تحتاج فقط سرد الوقائع دون التعمق في أسبابها بينما يحتاج كاتب الرواية إلى إعمال العقل لتحليل ما يقع وإستعمال الخيال لبناء الجانب الفني الذي يعطي للحدث وقعه الدرامي المتميز، كما يحتاج كاتب الرواية أيضا إلى شيء من أكسجين الحرية وبعض طلقات الجرأة. لهذا نجد من سارعوا إلى كتابة رواية الأزمة هم الصحافيون أنفسهم أو بعض من يشتغلون في الحقل الإعلامي أو كانوا أقرب إلى الأحداث، حيث كانت المادة الأولية متدفقة فشجعتهم على إستثمارها في أعمال روائية مساهمة منهم في تسجيل ما حدث بغض النظر عن القيمة الإنسانية والجمالية للنص المكتوب. رواية الأزمة قد تكتب لاحقا، مع رواية الثورة والثورات السابقة والأحداث الأليمة التي عرفتها بلادنا في تاريخها المجيد، نحن في حاجة إلى إعمال العقل لتحليل ما حدث، ويحدث أن المآسي تعيد نفسها كلما تحققت لها نفس الظروف في غياب عقل راشد يجنب المجتمع الدماء والدموع والحزن. لا نستعجل.. حتما ستكتب كل هذه المآسي بقلم من خيال وجمال. واسيني الأعرج/ روائي وأستاذ جامعي أغلبية ما كُتب عن الأزمة كان عبارة عن شهادات أرى أن مسألة مثل هذه طبيعية، يعني عادة من الصعب أن تكتب عن شيء أنت تعيشه، تحتاج إلى زمن، لكن مع ذلك أقول لا، دعني أكتب، دعني أشهد على عصري، ولهذا أغلبية الكتابات هي كانت كتابات/ شهادات، أغلبيتها ولا أقول كلها، فهناك روايات طبعا، لكن الشهادة كذلك أنا لا أرفضها لأن الشهادة في أوقات الأزمات وأوقات القسوة مهمة وجيدة وتفيد، واكبت وأحيانا نقول حتى أن هناك فائض، كثير من الناس كتبوا عنها، لكن السؤال مثلما في قضية الثورة أيضا هل هناك نص تراجيك لأن الوضعية تراجيك، ولما تقول تراجيك هذا يعني حاجة ملحمية، هوميرية تتداخل فيها الآلام والسعادات المقهورة، هل عندنا هذ النص الذي نبحث عنه، لا أدري، حقيقة لا أدري، لكن الجهد موجود أكيد في النصوص ربما لأن رؤانا كلها رؤى جزئية وعندما تكون الرؤية جزئية يصعب عليك أن تكتب ملحميا، تكتب ملحميا عندما تصبح رؤيتك هامة، كبيرة، واسعة، لكن حتى تكون تلك الرؤية واسعة يجب أن تفهم كل حيثيات الحدث، والسؤال: هل نحن عندنا علم بكل الحيثيات وما حدث، هل عندنا الوسائل والقدرة الثقافية والفكرية التي تسمح لنا بالدخول في الظاهرة ومتاهاتها وخفاياها وخلفياتها، عندي كثير من الشك في هذا، نعم أشك في ذلك. مرزاق بقطاش / كاتب وروائي ما كُتب لا يرقى إلى المستوى الفني المنشود الرواية، كما تعلمين، هي زبدة المعرفة في هذا الزمن. كل المواضيع تمر عبر أنابيقها، ولكن، بتؤدة. شخصيا، لا أحب الإستعجال في الكتابة الروائية، ولا أحب الروايات التي تولد تباعا على غرار ما يحدث مع القِدر المضغوطة. الرواية فلسفة وعيش ومعايشة ثم الدخول في صلب المعاناة، أي الكتابة. وأحسب أن جميع الإنجازات الروائية بدءا من القرن السادس عشر إلى يومنا هذا، إنما جاءت بعد مخاض طويل عسير. فيما يخص الجزائر والمحنة التي عاشتها، أحسب أن ما كُتب بخصوص هذا الموضوع لا يرقى إلى المستوى الفني المنشود. كنت أنتظر أن أقرأ روايات عن الثورة الجزائرية أولا بأول، ثم ما عشناه بعد الإستقلال، وإذا بي أقرأ كتابات مستعجلة يظن أصحابها أنهم يعالجون صلب الموضوع. والمعروف في تاريخ الرواية العالمية أن الإنجازات الروائية لا تتحقق إلا بعد هدوء البراكين الإجتماعية. لست في حاجة إلى أن أضرب المثل في هذا الشأن: تولوستوي كتب عن زحف نابليون على روسيا بعد ستين سنة من الحرب، ونجيب محفوظ كتب عن ثور 1919 بعد أكثر من ثلاثين عاما على نهايتها، وباسترناك كتب رائعته الدكتور زيفاغو بعد أربعين عاما من نهاية الحرب البلشفية والأهلية، وهكذا دواليك. أختم ردي بالحكاية التالية. ذات يوم من مطالع هذه الألفية الثالثة، سألتني صحفية عن عدم وجود أثر للدماء في روايتي (خويا دحمان)، وتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت لها، ولِمَ، يا تراك، تريدين رؤية الدماء؟ أو تراني أكون قادرا على بلوغ ذلك الوصف الذي قدمته التلفزة الجزائرية ذات يوم عن مدى ما أحدثته العشرية السوداء في نفوسنا؟ وبالفعل، فقد تفرجت على فيلم وثائقي أنجزه زميل صحفي إنتقل إلى رحمة الله قبل بضعة أشهر، يصور فيه امرأة في حوالي الستين عاما من العمر، قتل ابنها شر قتلة، ولم يعثر المحققون إلا على رأسه فصوروه. وراحت هذه المرأة تبكي وصورة رأس فقيدها قبالتها. هل هناك روائي قادر على تجسيد مثل هذه الشحنة الدرامية؟ أريد أن أخلص إلى القول إن الرواية الجزائرية لم تعالج موضوع العشرية السوداء. حقا، هناك روبورتاجات صحفية وتلفزيونية عرفت كيف تتناول هذا الموضوع، أما الجانب الروائي، فأنا لا أومن بأنه حقق المرجو في هذا الشأن، ذلك أن الرواية، من حيث الجوهر، إنما تعني التأمل العميق، وليس اللخبطة التي يلجأ إليها هذا الكاتب أو ذاك لكي يقول: أفقت صباح اليوم باكرا، وسمعت صوتا رهيبا في الدرج، ولكن تبين لي أن قطة سوداء قفزت فوق صندوق القمامة.. لا أحب التحدث عن نفسي، وإذا كان هناك من أديب في هذه الجزائر عرف معنى الإرهاب، فهو مرزاق بقطاش، ذلك الذي تلقى رصاصة عبرت قفاه وخرجت من أعلى الصدغ الأيمن.... وأعتذر لأرواح زملائي من أهل الأدب، أولئك الذين عصف بهم الإرهاب، وأعني بهم يوسف سبتي وفرحات شركيت وعبد القادر علولة وبختي وعبد الرحمن شرقو، وغيرهم. الأصوات التي إنطلقت في هذا الزمن وزعم أصحابها أنهم عرفوا معنى الإرهاب كان يفترض فيها أن تنطلق منذ عام 1991 عندما ساحت المخلوقات الجهنمية في شوارع الجزائر. أرجوك، لقد أثرتِ مواجدي بهذا السؤال، ولذلك أتوقف عند هذا الحد. مع إحترامي لقراء صحيفة النصر. فيصل الأحمر/ شاعر وروائي النصوص الجميلة حول الأزمة هي حاليا بصدد الإنكتاب أعتقد أن الروائيين الجزائريين واكبو الأزمة واستطاعوا احتضانها في رواياتهم وإن كنت لا أريد أن أضع الجميع في كفة واحدة مثلما يُفعل عادة لأن هنالك من يعتبر تناول الروائيين الجزائريين للأزمة خطيا، يعني كلهم يضعونهم في سلة واحدة، هي سلة الأدب الإستعجالي السريع غير الجدير بالإحترام، وهذا فيه خطأ وشطط، وهنالك أيضا مثلما هي الحال لدى الناشرين المشارقة أو في أوروبا أيضا الذين يَعُدُون كل نص جزائري حول الأزمة عملا مهما ويرحبون به تلقائيا على اعتبار أنه شيء مثير والحقيقة أن هناك إعتبارات تجارية تحكم منطق النشر، أنا من منظور جامعي أكاديمي أو منظور ناقد مجبر طبعا على أن يُمحص ويحترم أراءه، أعتقد أنه كان هناك تناول متفاوت للأزمة، كانت هنالك نصوص نوعية تناولتها بشيء من الجودة وبإحترام لمستوى النص الروائي ولعمق هذه الأزمة، هنالك نصوص مثلا الأزمة شكلت فيها خلفية فقط، يعني لم تظهر بقوة ومع ذلك فهي نصوص عميقة مثلما هي الحال عند رشيد بوجردة أو عند إبراهيم سعدي، هنالك من كتب مباشرة حول الأزمة إلى درجة أن الأزمة وصلت حتى تُحرك النص من الداخل، مثلما هي حال الرواية المثيرة جدا لبوكفة زرياب "غدا يومكم مضى"، أو "متاهات ليل الفتنة" عند حميدة عياشي، فنلاحظ هنالك تجشيم للنص أصلا، وكأن الأزمة أصابت أيضا الكتابة بشكلها القديم، تغير شكل النص كله، هنالك من كتب في منتصف الطريق بين الرواية وشيء آخر مثلما هي الحال في "ذاكرة الماء" عند واسيني الأعرج، روايات متفاوتة، من تحدث عن رواية إستعجالية، يعني كل ما كتب عن الأزمة وكان إلى حد ما مواكبا لها، موازيا لها، متازمنا معها، كله وضع في سلة واحدة، وهذا الرأي على كلٍ جائر جدا، سمة الأدب الإستعجالي الذي يُكتب تحت ظرف طاريء هكذا، وهذا خطأ كبير، من المفروض النصوص لا تُوضع كلها في كفة واحدة، وبمجرد أن نجمع كل النصوص في سلة واحدة نكتشف مباشرة أن هذا عبارة عن سلوك كسول، وسلوك اختزالي سريع غير جدير أصلا بالإحترام لكي نتكلم فيه، فالنصوص متفاوتة بطبيعة الحال وأعتقد وهذا رأيي سأقوله بتحفظ وأعلم أنه ربما لن يوافقني الجميع، أعتقد أن النصوص الجميلة حول الأزمة هي حاليا بصدد الإنكتاب، لأن النصوص التي هي ورشات كتابة حاليا وأتوقع أنها تظهر في سنوات مثل 2013 أو 2014 أو 2015، في هذه السنوات سيكون الأمر قد إعتمل، ولو أن ما ذكرته عند حميدة العياشي، واسيني الأعرج، وبوكفة زرياب واكب الأزمة بشكل جميل، وشخصيا لي روايتان متعلقتان بالأزمة إحداهما ظهرت هي "رجل الأعمال" وأثنيّ عليها إلى حد ما بحكم عمق النص وعمق التناول، وهي رواية بعيدة عن فكرة الأدب الإستعجالي بالرغم من أنها كُتبت تزامنا مع الأزمة أو مع الأيام الأخيرة للأزمة، تتكلم أصلا على الظرف الذي كان يحيط بالبلاد وكيف أن الشخصيات المصابة بضياع كبير وبحالة ضلال كبيرة لا تجد إتجاهاتها وهي الشخصية المحورية في الرواية، وكيف أن الحاصل هو هذه الأزمة التي نحن فيها ثم البحث عن جذورها، الجذور التي هي الأب، هي العائلة هي المناخ السوسيولوجي الذي تنمو فيه الشخصيات إلى آخره، ورغم أن هنالك نصوص جديرة بالإحترام قد كُتبت، لكن أنا أتوقع أن ما سيكُتب في المستقبل من قِبل الروائيين الذين اليوم ربما غير مسيطرين على الساحة بعد أو أسماءهم لا تملأ الآذان جيدا أعتقد أنهم يحضرون لنصوص جيدة وأنا أتلمس هذا الأمر وأعرف حتى بعض النصوص التي في صفحاتها الأولى، أعرف أجوائها وأعرف أصحابها وكيف يفكرون، وهذا خاصة من خلال العمل الجواري أو التواصل المستمر بين المبدعين، وأبشر من هنا وهذا كلام إن شاء الله سيصادق عليه التاريخ، أبشر بنصوص جميلة هي في الطريق. جمال فوغالي/ كاتب وقاص الرواية الجزائرية تناولت المتنى الذي عايشناه بشكلٍ فني استطاع احتواء مرحلةَ الأزمة أولا ينبغي أن نؤكد على أن هناك حقيقةً نقديةً مفادها أننا نعيشُ زمنا إستثنائيا للرواية على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم الغربي بإعتبار أن الرواية أصبحت مملكةً قادرة على إحتواء جميع أنواع الفنون، مثلما يقول إدوارد الخراط: "إنها عابرة للأنواع"، من خلال ما تستعرضه عبر مساراتها السرديةِ أو شخوصها أو متونها أو فضاءاتها، وعليه السؤال الذي طرحتِهِ يؤكد حقيقة هذا، مع تواضعي الكبير في أنني قد تابعت كثيرا مما كتب المرحلةَ وراهن ما تناولته الروايةُ الجزائريةُ بالخصوص، أدركُ أن هناك من الروائيين سواء من كتبوا باللغة الفرنسية أو بالعربية تناولوا ظاهرة راهن الجزائر خاصة في العشريتين اللتين مرتا بما فيهما من أفراح وبما فيهما من إنكسارات وأتراح، وأؤكد أنها تناولت هذا المتنى الذي عايشناه بشكلٍ فنيٍ قادرٍ على أنه إستطاع أن يحتوي هذه المرحلةَ بالخصوص، أُسمي مثلا: "متاهات ليل الفتنة" لحميدة العياشي، أُسمي واسيني الأعرج في "سيدة المقام"، أُسمي أيضا لحبيب السايح، هؤلاء إستطاعوا بشكلٍ من الأشكال أن يُقاربوا ظاهرةَ العنفِ في الجزائر من خلالِ رواياتٍ تمنح حضورها واستثنائيتها وفرادتها من تناولها على المستوى الشعري واللغوي على أنها إرتفعت عن الواقع ولكنها دون أن تبتذل هذا الواقع، فنيا على الأقل، الشخوصُ، المساراتُ السردية، الفضاءات، الأمكنة المتغيرة، المترجرة التي حاكت فنيا هذا الواقع وتوكأت عليه، وهذا يؤكد على أن الرواية الجزائرية إستطاعت أن تَنفُذَ إلى روحِ ما حدث في الجزائر في ذلك الوقت، وتناولت هذا الإنسان، وأؤكد على أنني إستحضرتُ هنا أيضا محمد ساري في روايةٍ من رواياته التي قرأتها أيضا وأكدت لي تناوله الفني المعرفي لمثل هذا الراهن، وأظنها ليس كتابة إستعجالية ولكنها كتابةً إستطاعت أن تقارب بمستوياتٍ مختلفة بين هؤلاء الروائيين الذين ذكرت والذين لم تحضرني أسمائهم على أن الرواية الجزائرية قد تناولت هذهِ الظاهرةَ بشكلٍ فني متميزٍ، على أن القراءات ينبغي أن تعود إلى مثل هذه النصوص الروائية قدر المُستطاع لتؤكد معرفيا ونقديا وقرائيا هذا وأن تتناولها بشكلٍ يسمح لنا بأن نخرج بخلاصات قد تكون مختلفةً، ولكنها على إتفاق في أنها تناولت ظاهرةً واحدة من خلال تراثنا العربي القديم وصولا إلى ما نحياه الآن في الجزائر المعاصِرة. قد يكون في هذه الروايات ذلك التوثيق ولكنه جزء لا يتجزأ من فنية الرواية الآن، التوثيق من خلال تناولها لذلك الراهن من خلال الصِحافة مثلا، التوثيق من خلال إستعادتها للتاريخ، ومتون التاريخ القديمة الذي يوازي ما حدث لنا في الجزائر، والرواياتُ كلها قد إستعادت هذا التاريخ ولكنها أسقطته وحاولت أن تعيده بشكلٍ آخر كي تسمح للرواية أن تنهض وأن تقول مَقُولَهَا الروائي الذي يُزاوجُ بين ما هو واقع وبين ما هو شعري، بين ما هو تاريخي وما هو واقعي، بين ما هو من الذاكرة الداخلية، وما يحدث الآن في الروايةِ بكل فسيفيسائها إستطاعت أن تقول هذه الظاهرة، هذا الواقع الذي مرت به الجزائر بشكلٍ فني رغم التفاوت الملحوظ بين روائي وآخر. أحمد عبد الكريم/ شاعر وروائي الرواية واكبت إلى حدٍ ما الأزمة وتمثلتها كتيمة أو كموضوع، لكن لم تجد من يحولها إلى مُعادِلات جمالية وفنية ليس من السهل الإجابةُ على هكذا سؤالٍ شائك في عجالة ولكن المتأمل للمشهد الروائي الجزائري خاصة ما كُتب في فترة التسعينيات التي شهدت أزمةً أمنية طالت جميع فئات وشرائح المجتمع وكان المستهدفون الأوائل فيها هم المثقفون والكتاب, يلاحظ من خلال هذا المسح أن الرواية الجزائرية واكبت إلى حدٍ ما هذه الأزمة وتمثلتها على الأقل كتيمة أو كموضوع، لكن إذا تعمقنا في هذا المشهد وحاولنا أن نتقصى مستويات الجمال ومستويات التعبير الفني في هذه النصوص التي كُتبت نستطيع أن نستثنيّ قليل من النصوص التي حاولت بالفعل التعبير وتمكنت فعلا من التعبير عن عمقِ هذه الأزمة، التعبير عنها جماليا وفنيا وليس فقط تمثُل هذه الأزمة كموضوع، طبعا لا يمكنني أن أشير إلى كثير من النماذج التي تمثلت هذه الأزمة ولكن أشير خاصة إلى ما كتبه على الأقل رشيد بوجدرة وما كتبه الروائي واسيني الأعرج، هذه النماذج من ضمن نماذج أخرى تعبر بصدق عن هذه الأزمة وحاولت الوصول والرقي بهذه الأزمة من أزمة سياسية إلى نصوصٍ رائعة وجميلة. يبدو لي أن ما حدث مع هذه الأزمة وتمثُلها أدبيا وكتابيا إذا شئنا هو نفسه ما حدث مع الثورة التحريرية الكبرى التي لم يرقى بها الأدب الجزائري بشكلٍ عام إلى ما كان مأمولا منه التعبير عنه، يجب أن نُقر بأن الثورة الجزائرية تُعتبر من أعظم الثورات التي قامت في خلال القرن العشرين وهي ثورة كان يُنتظر أن نجد لها مُعادِلات جمالية في نصوص روائية وشعرية ولكن للأسف الذي حدث هو أن التعبير عن الثورة التحريرية بقيّ تعبيرا سطحيا مُسجن ولم يُلامس الجوانب العميقة الجمالية والفنية في هذه الثورة وللأسف هو عينه ما حدث مع أزمة التسعينيات التي عاشتها الجزائر والتي لم تجد من الكُتاب ومن الشعراء من حولوها إلى مُعادِل جمالي يمكن أن يُزيل عنها تلك القتامة التي تميزت بها على الصعيدِ الإنساني.