بدأ القلَق يتسلّل إلى نفوس تلك الشعوب من العثرات والعقبات، التي باتت تُعرقِل مسيرة الثورات الثلاث في تونس ثم مصر فليبيا، وفي هذا السياق نظّم مركز الحوار العربي في واشنطن دوة لتقييم ما أمكن للثورات الثلاث تحقيقه والتحدِّيات التي تُواجهها.والتِزاماً بالتسلسل الزمني للثورات الثلاث، تحدث في بداية الندوة الدكتور خالد الطرودي، المحلل السياسي التونسي والباحث في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في ولاية فيرجينيا، فأشاد بالثورة التونسية، مفجِّرة الثورات العربية، والتي سُرعان ما أصبحت نموذجا للخروج من أزمة الرّكود السياسي العربي وأمَلا للشعوب العربية في التخلُّص من أعتى الدكتاتوريات، وكسَر حاجز الخوْف وحدَّد إنجازات الثورة التونسية و عن التحدِّيات والعَقبات التي تعترِض مسيرة الثورة التونسية، قال الدكتور الطرودي: "أولا، عدَم قُدرة الثورة الشعبية على إفْراز قيادات يُمكنها تشكيل حكومة انتقالية لتسيير شؤون البلاد، حملت الثوار على المغامرة بوضْع ثقتهم في حكومة انتقالية تولى المناصب الرئيسية فيها مسؤولون معروفون بانتمائهم للحزب المُنحَل، الذي انفرد بالسلطة في عهد الرئيس المخلوع بن علي، مما يحمِل في طيَّاته خطَر محاولة الالتفاف على الثورة. ثانيا، تنامي التيار السلفي الدِّيني المتزمِّت، الداعي إلى دولة الخلافة، وليس إلى دولة ديمقراطية حديثة تعتمد على التعدُّدية السياسية وسيادة القانون وتَداوُل السلطة. ثالثا، تفاقم المشكلة الاقتصادية بسبب انقطاع موارد السياحة بعد الثورة. رابعا، استمرار وجود بَقايا النظام القديم في مراكز قيادية في مُعظم قطاعات الدولة، خاصة في الشرطة والقضاء، مما يُعدُّ قُصورا في استكمال التخلُّص من فلول بن علي. العسكر والإسلاميون في مصر وعن شباب الثورة في مصر، تحدّث في ندوة مركز الحوار الدكتور طارق عمر، الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة جورج واشنطن، فقال إنه منذ معاوية بن سفيان وحتى محمد حسني بن مبارك، ظلَّت العلاقة بيْن الحاكم والمحكوم في مصر، تسير في اتِّجاه واحد، وهو الاتجاه السُّلطوي الفَوْقي، من الحاكم إلى الشعب. فهو الآمر والشعب المُطيع، بحيث أصبح هذا النَّمط مُستقرّا في وِجدان الأمة وتُراثها الدِّيني والثقافي، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير التي قال إنها حققت ثلاثة إنجازات أساسية: أولا، كسْر حاجِز الخوْف الشعبي من قمْع الحاكم وإلى الأبد، حيث أثبت الشعب المصري أنه لو تمسَّك بحقوقه وطالب بها في مظاهرات سِلمية حاشدة، سينتَزعها رغْما عن الحاكم. ثانيا، خلْع رأس النظام الفاسِد وبقليل من الخسائر البشرية وتفكيك أوصال واجهته السياسية الرسمية وكسْر أدواته القمعية. ثالثا، إنهاء حُكم الفرد والقضاء على نظرية توريث الحُكم والسَّعي نحو التعدًّدية الحِزبية والتوازُن بين السلطات، والعمل على إنهاء زواج السلطة والثروة وما ترتّب عليها من إفساد.لكن الدكتور طارق عمر أقَر بأن نظام حسني مبارك لم ينتهِ بخلعه ولا زالت له فلول يعملون على إجْهاض الثورة والالتِفاف عليها، وقدّم قائمة بالتحديات التي تُواجه ثورة الخامس والعشرين من جانفي : أولا، عدم مشاركة الثوار في الحُكم ووضع ثقتهم في المجلس العسكري المؤلّف من لواءات، ارتبطت مصالحهم بالنظام المخلوع ويخشون من فقدان مصالحهم الاقتصادية، لذلك يسعى المجلس العسكري الحاكِم إلى عرْقلة مسار الثورة، وإن حاول الإيحاء بعكس ذلك. ثانيا، رغبة الولاياتالمتحدة والغرب والدكتاتوريات الرِّجعية العربية في استمرار سياسات مبارك وبن علي وغيرهم في خِدمة المصالح الغربية على حساب الشعوب، واستخدام علاقات واشنطن الوثيقة بقادة المؤسسة العسكرية المصرية في ضمان أن لا تمضي الثورة المصرية إلى حدودٍ تمَسّ تلك المصالح. ثالثا، تفشِّي الفساد وتوحُّشه طيلة العقود الأربعة الماضية، بحيث وصل الفساد إلى الأجهزة المكلَّفة بمحاربة الفساد والقضاء عليه، مثل الشرطة والقضاء. رابعا، حالة الاستِقطاب التي يسعى إليها التيار الدِّيني مُمثلا في الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين يمكن أن يصبحوا السّبب الرئيسي في فشل مشروع التحوّل الديمقراطي في مصر، لأن همّهم الرئيسي أصبح محاولة سرقة الثورة وحصْد المكاسب السياسية.غير أن الدكتور طارق عُمر أعرب عن تفاؤله بقُدرة الشعب المصري على تصحيح مسار الثورة، من خلال تكاتُف والتِفاف جميع القِوى الوطنية تحت مظلّة أهداف الثورة الشعبية وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الفِئوية الضيِّقة، مستغلِّين قُدرة الشارع المصري على استِمرار الحشد والتظاهر، حتى تتحقّق أهداف الثورة وحتى يُشارك الثوار أو من يُمثِّلهم في الحُكم، ووقف الاستقطاب الحاصل بين الإسلاميين والليبراليين وكافة التيارات الوطنية الأخرى. ليبيا لا جيش وقف مع المتمردين وتابع الحاضرون في ندوة مركز الحوار، المقارنات التي طرحها علي أبو زعكوك، المعارض الليبي ومدير منتدى المواطنة وبناء الإنسان الليبي، بين ثورتيْ تونس ومصر من جهة، والثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من فيفري، من حيث أنه لم يكن هناك جيش في ليبيا يقِف إلى جانب الشعب، كما كان الحال في تونس ومصر، وإنما واجَه الثوار السِّلميون كتائب القذافي المدجَّجة بالسلاح والدبّابات والصواريخ، واضطرّوا لحمل السلاح للدِّفاع عن أنفسهم، وكانت الحصيلة خمسين ألف قتيل وحوالي خمسين ألف جريح وعدد مماثل من المفقودين الليبيين، وهي نِسب عالية جدا بالمقارنة مع تِعداد ليبيا، الذي لا يتخطّى ستة ملايين ونصف مليون نسمة.وكشف السيد أبو زعكوك، العائد قبل أيام من ليبيا، النِّقاب عن مشاركة شباب مصريين من العاملين في ليبيا في النِّضال ضدّ كتائب القذافي، بحيث أن شابا مصريا تمكّن من تدمير أول دبّابة للقذافي يتِم تدميرها في مصراتة، كما ساهم مصريون آخرون بخِبراتهم العسكرية السابقة في تدريب الثوار الليبيين.وحدّد السيد أبو زعكوك إنجازات الثورة الليبية حتى الآن فيما يلي: "أولا، إسقاط نظام القذافي الفارّ بعد قبْضة دكتاتورية قمْعية لأكثر من أربعين عاما. ثانيا، تحلِّي الثوار الليبيين برُوح تعويض البلاد عن عدم وجُود مؤسسات في الدولة بمسارعتهم إلى تكوين مجالس حُكم في المدن المحرّرة، ثم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، الذي يمثل الجميع، سواء في المُدن المحرَّرة أو التي لم يتِم تحريرها بعدُ. ثالثا، المسارعة إلى تشكيل منظمات المجتمع المدني، كركيزة أخرى للتحوّل الديمقراطي. رابعا، بدء تكوين الأحزاب السياسية كنَواة للتعدُّدية السياسية والممارسة الديمقراطية. خامسا، التطوّر المُذهل في بناء الصحافة، لتعمل بمثابة سُلطة رابعة في ليبيا الجديدة."