حاول تنظيم ما يعرف ب"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إعادة فكرة العمليات الانتحارية إلى الواجهة وتحريض العناصر الإرهابية التي أبدت نفورا حادا منها على انتهاج هذا السبيل الذي أكسبهم لفترة معينة صدى إعلاميا بعد الإخفاق الكبير الذي سجله، مؤخرا، بفضل المتابعة الأمنية التي مكنت من القضاء على اثنين كانا المخططين للتفجيرات الانتحارية في الجزائر. وعمل رفقاء درودكال من خلال شريط فيديو جديد بثّته تحت عنوان "عشاق الحور 2" على إقناع الإرهابيين الجدد الذين يشكون عدم الاستقرار نتيجة التناحر المسجل في التنظيم ومعه تفشي ظاهرة التصفيات الجسدية نتيجة غياب الثقة بين مختلف العناصر بأهمية العمليات الانتحارية كوسيلة لاستعادة وجودها وفرض منهجها الدموي بزعم شرعيتها دون الخوض كثيرا فيها، معلّلين ذلك باستهدافهم لمختلف أسلاك الدولة. أما ما يتعلق بسقوط المدنيين فيها والتي أثبتت المصادر الأمنية أن ضحاياها يشكلون أغلبيتها، فإن الجماعات الإرهابية على لسان منظّرها أيمن الظواهري الذي أكد أن تنظيم القاعدة لا يستهدف المدنيين فقد صنفتهم في دائرة "التترس" الذي يعني أن الجماعة الإرهابية مضطرة لقتلهم وأنهم بمثابة الشهداء أو أن هؤلاء تم قتلهم خطأ، وفي الحالتين فإن الإرهابيين يعتبرون عمليات القتل العشوائية أمرا مفروضا رغم محاولات تبريرها بحجج حرصوا على ربطها بالدين الإسلامي لإعطائها شرعية قد يعجز الإرهابيون -الذين هم أغلبهم ذوو مستويات منخفضة- عن إدراك حقيقتها، وقد سارع قادة التنظيم إلى توجيه هؤلاء إلى رسائل كل من الإرهابيين "أبي الحسن رشيد البليدي"، رئيس اللجنة الشرعية في التنظيم، وكذا "يوسف العيري" و"أبي يحيى الليبي" لترسيخ فكرة الانتحار والحد من التردد الذي وجد له طريقا إلى عقول عدد من الإرهابيين الذين بقوا في اتصال مع عائلاتهم وتمكّنوا من تبيّن بعض من الحقيقة التي جعلتهم يراسلون قادتهم بحثا عن أجوبة مقنعة عما يحدث، مؤخرا، خاصة وأن العمليات الإجرامية الأخيرة لم تختلف عن تلك التي درجت عليها الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا" التي لا تفرّق بين مستهدفيها وأتت على الأخضر واليابس. وكانت أجوبتهم في رسائل تدور حول التفجيرات التي وقعت في الجزائر وردا على ما أسموه بالاتهامات التي أطلقها عليهم المعترضون عليها ويقصدون العلماء. وأظهر شريط الفيديو لأول مرة أطفالا يحملون أسلحة رشاشة ويتدربون في الجبال قيل عنهم إنهم ولدوا في الجبل وهم أبناء إرهابيين ينشطون تحت لواء "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وكان سنهم لا يتجاوز عشر سنوات، أحدهم استطاع التحدث بلغة عربية فصحى، في حين بدا آخران أصغر من أن يستطيعا التكلم، واستغرقا في مداعبة الأسلحة التي كانت بحوزتهما، كما أظهر الفيديو إرهابيا مسنا في محاولة لإعطاء انطباع بأن الجماعة الإرهابية تحوي في صفوفها مختلف الفئات العمرية، ويتعلق الأمر بالمدعو "عبد الله السطايفي"، الذي قيل إنه قضى 15 سنة في الجبل. وركز الفيديو طيلة مدة بثه التي استغرقت ساعة ونصف على الانتحاريين السبعة الذين فجروا كلا من مبنى حرس السواحل والدرك بزموري البحري، ويتعلق الأمر بالمدعو "أبا ساجدة محمد العاصمي"، مبنى الأممالمتحدة في الجزائر، "رابح بشلة"، البالغ من العمر 64 سنة، المدعو "أبوعثمان إبراهيم"، المجلس الدستوري ببن عكنون الذي فجره المدعو "أبوعبد الناصر عبد الرحمان"، دورية الجيش الوطني بالأخضرية الذي حاول تفجيرها المدعو "أبو البراء عبد المالك" بواسطة حزام ناسف بدراجة نارية، مقر الحرس الجمهوري ببرج الكيفان الذي فشل في تفجيره كل من المدعو "أبو بصير يوسف" العاصمي، وكذا المدعو "إبراهيم الأدهم". والتي قيل إنها من تخطيط عبد الرحمان بوزقزة، أمير كتيبة الفاروق، الذي تم القضاء عليه في منطقة بني عمران العام الماضي. مقر الشرطة القضائية بالناصرية الذي فجّره كمال موحون المدعو "عبد الله الشعياني" ولم يشر التنظيم إلى التفجير الذي وقع في الثنية ولا مفجره رغم أن الحادثة لا تفصلها عن الأخيرة إلا أيام فقط. وحسب متتبعين للشأن الأمني، فإن محاولات الإرهابيين أظهرت وبصورة جلية العجز الذي ألحق بالتنظيم لا سيما وأن أغلب العناصر الذين ظهروا في شريط الفيديو قد تم القضاء عليهم في عام 2007، والأكثر من ذلك فإن المخططين للعمليات الانتحارية تم القضاء عليهم في أواخر عام 2007 وبداية 2008، ويتعلق الأمر بكل من "سفيان فصيلة أبي حيدرة" الذي كان بمثابة المؤسس الفعلي للتنظيم والذي قضي عليه في 08 أكتوبر من عام 2007، في حين تم القضاء على خليفته "عبد الرحمان بوزقزة" المدعو "عبد الرحمان الثلاثي" في 28 جانفي من عام 2008. وهما الإرهابيان المسؤولان عن جميع العمليات الانتحارية التي وقعت بين 2007 و2008 بالجزائر ابتداء بقصر الحكومة وصولا إلى تفجير الثنية. ورأت بعض المصادر أن قادة التنظيم قد بثت شريط الفيديو في هذا الوقت بالذات موازاة مع إعادة هيكلة التنظيم الذي تخلص من عدد من الإرهابيين الذين أضحوا أخطر من أن يبقوا على قيد الحياة ومنهم من تم استبعاده على غرار منافس درودكال الذي التف حوله الإرهابيون معلنين ولاءهم له دون غيره.