أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، في تصريح خص به "الأمة العربية" على هامش التجمع الشعبي الذي نشطه بكل من جيجل وميلة، أول أمس، أن انتصار ثورة الجزائر قد دفعت بالنضال العربي إلى مرحلة جديدة، وأيقنت الشعوب العربية أنه في وسعها الآن أن تحل مشاكلها بنفسها، مما جعل الدول الغربية تعيد تنظيم علاقاتها مع هذه الدول على أساس جديد بعدما باءت مؤامراتها ومناوراتها بفشل ذريع، وعلى هذه الدول أن تعتذر للشعوب. وفند بلخادم ما روجته بعض اليوميات من أكاذيب حول موقفه من تصريحات رئيس الوزراء التركي ودفاعه عن الثورة الجزائرية، مشددا على عدم ذكرها، مؤكدا أنه لم يدل بهكذا تصريح، مجددا دعوة الآفلان في تجريم فرنسا عن جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري. في فترة وجيزة، تمكنت بعض دول المغرب العربي (تونس، مصر والمغرب) من أن تغير نظامها وأن تصنع لها مكانة عربية ودولية مرموقة، وأن تصبح محط آمال الشعوب الأخرى من الخليج إلى المحيط في تحقيق الوحدة العربية وتعزيز التضامن. وفي خضم هذه النجاحات التي حققتها هذه الدول ، يكاد المراقبون السياسيون أن ينقسموا إلى فريقين، ويطلقون أصواتا يعبرون بها عن مواقفهم عبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، وحتى على صفحات الفايسبوك، فمنهم من وصف هذه الثورات ب "السلبية" كونها تُحَوّلُ رؤية سياسية مشوهة ومتنافرة وغير متماسكة. في حين يرى الموقف الآخر أنها تعبير عن وعي إيديولوجي، كون هذه الثورات جاءت في إطار تكريس واقع متخلف عبّر عن مرحلة انحطاط وانهيار للأنظمة العربية، وأن هذه الثورة ما زالت تفاجئ العالم بالإنجازات التي حققتها لحد الساعة في إقامة مؤسسات والجمع بين عدة تيارات. وكان لحزب جبهة التحرير الوطني، ممثلا في أمينه العام السيد عبد العزيز بلخادم، موقف من هذه الأحداث، موضحا بأنها لا تخرج عن إطار الحراك السياسي، وقال بلخادم إنه لا يمكن أن نطلق على هذه الأحداث ب "ثورة"، لأن الثورة تعبّر عن إرادة المواطن في كل دولة، وتحترم كذلك سيادة الدول وحق الشعوب في اختيار حكامها. ويرى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أن الثورة تكون وليدة نضج ثوري، لكن الحراك السياسي المراد به إيجاد شكل جديد من التنظيم الديمقراطي لسلطة الجماهير الشعبية. كما أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، في سياق متصل، أن ما يحدث في المنطقة العربية لا يمكن أن يوضع موضع شبهة أو تساؤل أو الحكم بأن هذه الثورة إن سميت ثورة ذات سمات سلبية وأخرى إيجابية، لأن لهذا الواقع كما قال ظروفه الموضوعية وجذوره التاريخية، غير أنه لا يمكن لأي منّا أضاف بلخادم أن يتجاهل أن هذا الالتحام جعل الشعوب العربية في وحدة مصيرية فعلية، أدركت أن معركتها واحدة وأن مستقبلها واحد، وعلى هذه الشعوب أن تلعب الدور بنضالها السياسي الوطني، وأن يعكس التطور التاريخي ويدفعه إلى الأمام. وقد أراد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني من خلال هذا التصريح ومن باب التلميح أن العمل الثوري الإيجابي هو عمل يومي دؤوب فيه صبر وفيه نكران للذات أيضا، وهو عمل بعيد عن الصخب السياسي، إذ به يمكن استشراف آفاق المستقبل دون الوقوع في أخطاء قد تسلمها للانحراف أو الجمود. وحسب عبد العزيز بلخادم، فإن حزب جبهة التحرير الوطني يقف دائما مع مطلب الجماهير، وهو تحقيق ديمقراطية أسلم وأكثر جدية وتكون إطارا للممارسة المسؤولية الشعبية في نفس الوقت. وبفوز التيار الإسلامي في الانتخابات التي أفرزتها كل من تونس ومصر والمغرب، عاد الحديث عن الإسلاميين في الجزائر وعودة ما سمي ب "حرب المساجد" التي دارت رحاها بين الفيس والسلطة آنذاك، وعرفت أوجها في الانتخابات التشريعية والصراع الدائر بين هذه الحركات وحكومة حمروش عندما وضع قانون المسجد، واعتبره الفيس استفزازا له. كما لجأت السلطة إلى سياسة إخراج شيوخ "الزوايا" لتوظيف الشرعية الدينية كظاهرة في بناء دولة ذات تركيبة حضارية معينة، وما تزال آثار هذه الأحداث شاهدة على الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتتحمّل تبعاتها إلى اليوم، بدليل أن معظم الأحزاب السياسية صوتت ضد عودتها إلى الساحة، وتحميلها مسؤولية العنف. وربما الهدف من ذلك هو محاولة مسخ كل ما هو إسلامي، خاصة الأحزاب ذات التوجه العلماني، وفي مقدمتهم حزب لويزة حنون التي أطلقت من خلال تجمعاتها هجمة مضادة على الإسلاميين وشيوخ الزوايا قصد تنفير الناس منهم. وقد زاد قرار زعيم حركة مجتمع السلم من حدة هذا الملف، عندما حاول أن يجس نبض الأحزاب الإسلامية عندما دعا إلى تكتل إسلامي أو تحالف إسلامي إن صح القول من أجل استعادة المقاعد التي فقدها التيار الإسلامي في تشريعيات 2007. بلخادم في رده أكد ومن منطق الحكيم أن الحركات الإسلامية ظاهرة ليست بالجديدة، وأن الأفلان غير متخوف من الحركات الإسلامية مهما كانت قوتها، وأنه غير متخوف من المحطات القادمة، كما أنه لا يخشى من وجود صلاح الدين جديد، لأن حزب جبهة التحرير الوطني يحترم إرادة الشعب المسلم إذا اختار التوجه الإسلامي، وأن هذا الأخير ( الشعب) أصبح واع و له قناعات فكرية و سياسية، وهو يمارس الديمقراطية على نحو ناضج ومسؤول ومنضبط وأن الجزائر لن تعرف ثورات جديدة بوجود هذه الحركات. وإذا تحصلت الأحزاب الإسلامية على جزء من إرادة الشعب، فإن ما هو مؤكد أن الأصوات من جاكرتا إلى الرباط كما قال هو تراجع إلى نسبة 30 أو 40 بالمائة. وأكد بلخادم، في هذا الصدد، أن حزبه مع المنافسة الشريفة ومع التعددية وهو يحتكم إلى الشعب، وأنه غير متخوف من اعتماد الداخلية أحزاب إسلامية، في إشارة منه إلى حزب العدالة والتنمية الجديد الذي يقوده الشيخ عبد الله جاب الله، والذي يتمتع بشعبية كبيرة، لكن الشيء الذي ينبغي الاتفاق عليه قال بلخادم، هو أن تكون لهذه الأحزاب برامج وضوابط تجمعنا بهم وهي (وحدة الوطن، الاحتكام إلى الشعب، والثوابت الوطنية، ونبذ العنف). وكان الأمين العزيز بلخادم في التجمعين الشعبيين اللذان نشطهما بولايتي جيجل وميلة، قد استعرض في حديث مطول مسلسل العنف الذي عاشته الجزائر في بداية التسعينيات، ورسالة السلام التي تحمل أعباءها رئيس الجهورية عبد العزيز بوتفليقة وهو يضع مشروع المصالحة الوطنية وعرضه على الاستفتاء الشعبي قاطعا على الشعب الجزائري وعودا كثيرة، واتخذ فيها مواقف صارمة لوقف حالة العنف وعودة استتباب الأمن داخل البلاد، وكل الناس ركبت هذه الموجة ووضعت جدا للنزيف الدموي، ولهذا لا ينبغي العمل على التضليل في تمرير هذه الرسائل الواهمة. واستطرد بلخادم حديثه بالقول، إن الجزائر بعيدة عن الربيع العربي لأنها عاشت تجربة قاسية و ليست على استعداد لتكرارها، لأنها اليوم تقود قاطرة "الإصلاحات" وإنعاش الاقتصاد الوطني وبعث التنمية من جديد، وقد كان بداية تجسيد ما وعد به هو إصلاح المنظومة القضائية والتربوية وإصلاح هياكل الدولة وكانت الجزائر كلها ورشات، وكان لا بد عليه أن يواكب إصلاح المنظومة السياسية بمراجعة القوانين التي تؤسس للممارسة الديمقراطية ( قانون الأحزاب والجمعيات، الإعلام) وكل ما يتعلق بتوسيع دائرة المشاركة السياسية، على أن تعطى للبرلمان صلاحيات المصادقة والتعديل أو الحذف إن تطلب الأمر. وعن موقع جبهة التحرير الوطني من هذه الإصلاحات، قال بلخادم إن الأفلان كان وما يزال صانعا للحدث وصانعا للإصلاحات. ورد بلخادم على الذين ذهبوا بالقول إن الإصلاحات السياسية أفرغت من محتواها، بأن هؤلاء لم يقدموا البدائل، وأن اتهامهم الغرض منه كسب أصوات المواطنين في الاستحقاقات القادمة. وحسب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، فإن الأفلان ما زال مقتنعا بأن "الحوار" هو الأسلوب الحضاري الذي يمكن الجسور بين السلطة والشعب ويضمن التواصل بين الحاكم والمحكوم، وحول إلغاء المادة المتعلقة باستقالة الوزراء قبل موعد الانتخابات جدد الأمين العام للأفلان موقف حزبه من هذه المسألة بأنها لن تضيف شيئا، لأن المطلوب هو "المراقبة" وبقصد بهذا استعمال الوزراء إمكانيات الدولة في الانتخابات، والذين يعارضون الأفلان يظنون أن معارضتهم له قد توصلهم إلى الحكم، مشيرا بالقول إنه إذا مشينا في هذا الطرح، على رئيس الجمهورية أن يستقيل إذا ترشح، وبهذا المنطق سوف نؤجر البلاد للآخر. وقد وقف بلخادم وقفة إجلال وتقدير في لقاء خص به الأمة العربية حول اللقاء الذي سيجمعه مع آل ورتلان بعاصمة الهضاب العليا مطلع الشهر القادم، حيث قال في هذا الشأن إن الشيخ الفضيل الورتلاني من الذين قادوا العمل في الحركة الوطنية، وسبقونا في النضال، ولهم فضل علينا جميعا لأنهم تركوا بصماتهم في التراث الإسلامي، وجدير بنا الاهتمام بهؤلاء العلماء وإعطاؤهم حقهم الذي يستحقونه. وقال عبد العزيز بلخادم، أن الدولة التي تحترم نفشها هي التي تحترم شيوخها ورجالاتها من العلماء وأصحاب الفكر النير، مستطردا بالقول: وإن رحل هؤلاء عن الدنيا ففكرهم ووثائقهم ومخطوطاتهم ما زالت شاهدة على عروبة الجزائر وإسلامها وإيمانها بوحدة المغرب العربي ونصرتها للقضايا العادلة، ورجع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني إلى مواقف الرجل وهو يتناول مختلف القضايا، مشيرا بالحديث عنه بأنه كان عالم في دعوته الإصلاحية وزعيم سياسي في مواقفه الثورية، وأن الجزائر تفتخر لوجود رجل مثل هؤلاء مثل أمبارك الميلي، ابن باديس والأمير عبد القادر وغيرهم، لأنهم فطروا على حب الإسلام والعروبة.