فقدت الجزائر، وزوايا وحلقات حفظ القرآن الكريم منذ أيام، الشيخ العلامة الموسوعي محمد باي بلعالم شيخ زاوية "أولف" بأدرار، عن عمر ناهز الثمانين عاما أمضاها بقرى "التوات" ومدنها، باحثا ودارسا، موثقا ومؤلفا للعديد من الكتب التي هي اليوم من أهم المراجع في الفقه، وخاصة في المذهب المالكي. فالرجل ابن العلماء وفقيه ابن الفقهاء، فهو من سلسلة (باي بلعالم بن محمد عبد القادر بن محمد المختار بن أحمد العالم القبلوي الجزائري)، ويعود نسبه إلى قبيلة "فلان" والتي تضاربت حولها الأقوال واختلفت فيها الآراء، والشهير أن أصولها تعود إلى قبيلة "حمير" القبيلة العربية الشهيرة باليمن. ولد الشيخ سنة 1930م في قرية ساهل من بلدية اقبلي بدائرة "أولف" ولاية أدرار دولة الجزائر، فقد حرصت أسرته على تعليمه، بداء بالقرآن الكريم في مسقط رأسه في مدينة "ساهل"، والمعرفة والتي تخرج منها العديد من الفقهاء، فدرس القرآن الكريم على يد المقرئ الحافظ الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن المكي بن العالم، ودرس على يد والده مبادئ النحو والفقه، ودرس على يد الشيخ محمد عبد الكريم المغيلي مدة من الزمن، ليشرع حفظه الله في ترحاله في طلب العلم والمعرفة قاصدا زاوية الشيخ أحمد بن عبد الله المعطي السباعي، مكث هناك حوالي سبع سنوات، حيث تلقى فيها عدة علوم منها علوم القرآن والحديث والنحو والفقه المالكي وأصوله والفرائض.... وخلال فترة دراسته، تحصل على عدة إجازات، منها الإجازة العامة بعد إنهاء دراسته عن شيخه الطاهر بن عبد المعطي السباعي، كما تحصل على شهادة ليسانس في العلوم الإسلامية. ورغم انشغاله وجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه، إلا أنه لم يتوقف عن التحصيل العلمي والمعرفي، ليشغل وقته الثمين بالمطالعة والتأليف والترحال إلى عدة بلدان في داخل الوطن وخارجه، حيث كانت له لقاءات مع عدة شيوخ وطلبة، أفاد واستفاد. كما قصد المملكة العربية السعودية، إذ كانت أول زيارة له إليها، مؤديا فريضة الحج سنة 1974 م. ألف الشيخ في فنون عديدة، فكتب ونظم وشرح وحقق في علوم القرآن والحديث والفقه وأصوله والميراث والسيرة والتاريخ والوعظ والإرشاد والتوجيه... حيث له ما يزيد عن 35 كتابا وله عدة كتب لم تطبع، منها ما هو الآن تحت الطبع، وله وقفيات في مكتبة "الحرم النبوي الشريف". وقد كان يعكف كل عام على إتمام ختم "صحيح البخاري" وتدريسه كاملا، ما بين شهر شعبان وذي الحجة، حيث يختم في الأربعاء الأخيرة من شعبان من كل سنة، ويدرس أيضا موطأ "الإمام مالك" كاملا، وشرح "صحيح مسلم" كل سنتين، كما كان يدرس تفسير القرآن الكريم، إذ كانت له خمسة أيام في الأسبوع، ويقوم بتدريس المتون والكتب التي ألفها. كما كان رحمه الله يعكف على تدريس الطلاب وتأطيرهم مع كوكبة من المشايخ الذين تخرجوا على يده، منهم فضيلة الشيخ بن مالك أحمد والشيخ لكصاسي محمد.. فقام من خلال الزاوية، بدور هام في المنطقة، فساهم في تعليم الطلاب أمور دينهم ودنياهم.