ستظل أسباب انتصار العرب في حرب 2006 مادة خصبة وثرية لكل الباحثين عن مسببات ومقومات هذا النصر، لكن أن يحقق ثلة من الرجال لا يتجاوز عددهم ال 2000 رجل هذا الإنجاز الكبير فهو العجب بعينه، في هذه الحلقة نقترب من الأبطال الذين صنعوا النصر، علنا نقف على أسبابه. الجنود والمقاتلون الذين التقينا بهم في مناطق متفرقة من جنوب لبنان كشفوا لنا أسرارا عسكرية وتفاصيل قتالية تؤكد أنهم لم يحققوا معجزة، وإنما كانوا أداة ل "نصر إلهي". وهذا الانتصار ورغم عظمته، إلا أنه في نظر صانعيه مجرد بداية لسلسلة من الانتصارات التي ستؤدي حتما في النهاية إلى تحرير القدس، وإعادة هيبة الأمة، فمقاتلو حزب الله يرون أن زمن الهزائم انتهى بلا رجعة، وأنه لم يعد هناك مكان للذل أو الخنوع أو الاستسلام لإرادة الأعداء، وفي أبعد نقطة في جنوب لبنان، حيث خطوط التماس مع فلسطينالمحتلة، وصلنا إلى قرية عيتا الشعب، هذه الأخيرة التي نالت من الشهرة هي وشقيقاتها "عيترون"، "مرج عيون"، "مارون الراس"، ما لم تنله أي قرية أو مدينة أخرى في العالم، والسبب أن تلك القرى سجلت بين حواريها وأزقتها أكبر الملاحم العسكرية، وأعظم المعارك بين الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والشرك، الأمل واليأس، القوة والضعف، فهنا انتصر حزب الله على حزب الشيطان. لكن الالتقاء بقادة وجنود المقاومة الإسلامية اللبنانية من الأمور البالغة الصعوبة، وبعد محاولات دامت لشهور، وافقت قيادة حزب الله بشكل محدود على طلبنا في إجراء حوارات مع بعض القادة والجنود الذين شاركوا في الحرب، وبالطبع لم يسمح لنا بمعرفة أسماء هؤلاء أو التقاط صور لهم أو لمواقعهم، على أية حال فإن المعلومات التي زودونا بها تعد كنزا ثمينا يكشف عن بعض ملامح هذه الحرب، فهناك في عيتا الشعب التقينا بأول قائد ميداني في المقاومة، والذي استهل حديثه عن حرب 2006 بالقول: "في هذا المكان وقعت إحدى المواجهات الكبيرة، وكان الجنود المهاجمون من نخبة الجيش الصهيوني، وتتألف تلك النخبة من الوحدات الخاصة، وتضم كلا من ألوية غولاني، المظليين، جعفاتي، نحال، وتعتبر إيغوز هي نخبة النخبة في لواء غولاني، لذلك كان عناصرها يصيحون خلال المواجهات معنا قائلين ".. إيغوز.. إيغوز.. إيغوز" في محاولة لإرهابنا وإخافتنا كي نتراجع". ويضيف محدثنا: "كان عدد أفراد الكتيبة الواحدة من الكتائب المهاجمة ثلاثمائة جندي معززين، وكل كتيبة مضاف إليها سرية أخرى، تضم مئة جندي فكان العدد الإجمالي للكتيبة أربعمائة جندي، مقسمة إلى فصائل، وكل فصيل يضم ثلاثين جنديا". ويضيف محدثنا: "هذا الدمار الذي تراه، والذي تعرضت له بلدات الجنوب اللبناني خلال الحرب كان عملا همجيا إجراميا، ولم يكن له علاقة بالمعركة العسكرية، لكنها عادة الصهاينة الجبناء الذين حاولوا التملص من هزيمتهم المرّة في الميدان بقتل المدنيين العزل والأبرياء، إن الصهاينة تذرعوا أثناء قصف القرى السكنية بأنهم يدمرون أماكن تواجد المقاومين، وهم يعرفون جيدا أن المقاومين كانوا منتشرين على طول خطوط الجبهة، في الحقول أكثر من القرى، إلا أن الكيان الغاصب أراد الانتقام من البلدات بعد فشله في اقتحامها"، ويسخر محدثنا من مقولة "إن مقاتلي حزب الله لا يخافون الموت لأنهم يسلكون الطريق إلى الجنة"، فيقول: "إن الطريق إلى الجنة هي في كيفية ممارسة الحياة وليس في الاستشهاد فقط في معركة"، موضحا "أن من أهم مبادئ خوض الحرب لدى المقاومين في حزب الله، هي محافظة كل مقاوم على حياته، ويضيف: "لذلك ارتدينا الخوذات والدروع، حتى اختلط الأمر على الجيش الصهيوني، واعترف العديد من جنوده أنهم لم يكونوا يميزون إذا كان الجندي الموجود أمامهم إسرائيليا أو من حزب الله، ويؤكد محدثنا أن المقاومين قاتلوا في الوقت نفسه بثبات وشجاعة في مواجهة عدو واضح ومعروف لديهم منذ القدم، ثم يردد مازحا: "لقد خيب الجيش الصهيوني أملنا، كنا نعتقد أنه أكثر مراسا في خوض الحرب، لكنه كان أهون علينا من جناح بعوضة ". يواصل القيادي الميداني في حزب الله قائلا: "قوات العدو دمرت كل شيء في قرية عيتا الشعب، وأطبقت على القرية من جهاتها الأربع، واستمر القتال العنيف بضراوة منذ اليوم الأول للعدوان وحتى الثامنة من صباح الرابع عشر من أوت 2006، هذه القرية التي ذاع صيتها عالميا لم يكن بسبب ما أصابها من دمار، وإنما بفضل بسالة مقاوميها الذين خاضوا أروع الملاحم العسكرية حسب القاموس العسكري، وأنبل صفحات الجهاد في تاريخ الأمة، ففرضت على العدو أصعب اللحظات في تاريخ قواته المسلحة، هذه القرية الصغيرة على الخريطة اللبنانية قبل الخريطة العربية، تمكن مقاوموها في اليوم الأخير من المعارك أن يطلقوا الصواريخ بمحاذاة السياج الحدودي على مواقع العدو داخل فلسطينالمحتلة، فأسقطت القتلى والجرحى بدون حساب، فعيتا الشعب هي عنوان الفشل الذريع للعدوان، وهي أيضا عنوان للصمود العربي". ويضيف محدثنا: "استشهد تسعة مقاومين في عيتا الشعب في ميدان الجهاد، ظلت دماء "حسان قعيق" ظاهرة للعيان فوق الثرى، قبل أن تذوب في التراب مع مياه الأمطار، وقد استشهد حسان عندما كان يحاول القفز لتغيير موقعه بعد أن اقتنص ميركافا صهيونية، فشاهدته طائرة "أم. كا"، فقصفت موقعه بعدة قذائف أمريكية مما يسمونها ذكية، فطالته شظاياها فنال الشهادة، فهنيئا له، فقد كان نعم المقاوم، ونعم المجاهد".. ويقول محدثنا: "في هذه البقعة أيضا استشهد ثلاثة مقاومين هم هشام مرتضى وآخران من خارج عيتا الشعب، وقد لجأ الثلاثة إلى الملجأ بعد اشتداد قصف الطيران الصهيوني الذي اتبع أسلوب الأرض المحروقة، لكن الغارات ورغم قوتها، إلا أنها لم تستطع سوى هدم الملجأ، فبقي المقاومون الثلاثة تحت الأنقاض لمدة عشرة أيام، واستشهدوا دون أن تسقط منهم قطرة دم واحدة". في المحطة الثانية وصلنا إلى واحدة من أهم النقاط التي وقعت فيها ملاحم معركة لبنان 2006، الموقع يسمى "خلة وردة" وهي منطقة مزروعة بأشجار الزيتون، وتحاذي الخلة بلدة تسمى طربيخا، وهي إحدى القرى السبع التي تمت عملية أسر الجنديين الصهيونيين في آخرها، تلك العملية التي وقعت تحديدا عند حقول زراعية تدعى "كعب الأرض"، ففي يوم 12 جويلية 2007، انطلقت أصوات القذائف والرصاص في هذا المكان، معلنة عن نجاح عملية الخطف، جغرافيا تقع الخلة عند حافة تلال تسمى الحدب والراهب وظهر الجمل وأبو طويل، وتتميز تلك التلال بلونها الأخضر لكثافة انتشار الأشجار البرية فيها، مشكلة المدى الطبيعي لقرية عيتا الشعب، لكنها اليوم تحولت مع رسم الخط الأزرق إلى حدود أمنية وعسكرية تنتشر عليها مراكز المراقبة الصهيونية، ومن قبل شكلت خلال الحرب خطوط الجبهة الرئيسية، بعدما حاول الجيش الصهيوني الدخول منها إلى قلب القرية، فقتل المقاومون العديد من الجنود ودمروا عددا آخر من الدبابات والمركبات العسكرية قبل أن يصلوا إلى مداخل القرية، حيث كانت عمليات حرب العصابات في انتظارهم. يروي لنا قيادي آخر في المقاومة، وهو ممن أشرفوا على معارك عيتا الشعب قائلا: "عند التاسعة من صباح الثاني عشر من جويلية، تمكنت مجموعة من رجال المقاومة من أسر الجنديين، وعند الحادية عشرة من اليوم نفسه، تحركت دبابة صهيونية من موقع تلة الراهب، باتجاه موقع للمقاومة فانفجرت فيها عبوة ناسفة زرعها المقاومون سلفا، الأمر الذي أدى إلى تدميرها وقتل طاقمها المؤلف من أربعة جنود"، وإثر مقتل الجنود تأزم الوضع الميداني - حسب وصف القيادي -، فحاولت قوة صهيونية التقدم سيرا برفقة سيارة إسعاف لسحب الجنود القتلى، لكن تصدي المقاومين لها حال دون وصولها إلى الدبابة، واستمرت المحاولات لمدة ثلاثة أيام من دون جدوى، فبقي الجنود القتلى في الأرض لمدة أسبوع، إلى حين قررت القوات الصهيونية التقدم باتجاه الأحياء الداخلية لعيتا الشعب". ويضيف محدثنا: "جرى خلال الأسبوع الأول من الحرب قصف متبادل بين الجنود الصهاينة وبين رجال المقاومة، استخدم فيه الجيش الصهيوني طائرات أف 16 والمروحيات من نوعي كوبرا وأباتشي، ومدفعية الميدان من عيار 155 ملم و175 ملم، ومدفعية الهاون، وأضيفت إلى كل تلك الترسانة طائرات أم كا، وهي طائرة خاصة بالتصوير، لكن جرى استخدامها في القصف خلال حرب 2006، بعد تجربة استخدامها في فلسطين لاغتيال الشخصيات الفلسطينية، وقد استخدمت للمرة الأولى في لبنان في مهمتها الجديدة خلال الحرب، وفي المقابل، كان رجال المقاومة يستخدمون في القصف المدفعية والصواريخ المضادة للدروع والرشاشات الثقيلة. فوقعت خلال الأسبوع الأول إصابات في صفوف الجنود الصهاينة، بينما لم تقع إصابات في صفوف المقاومين، لأن الصهاينة كانوا يقصفون الأحياء، التي أصيب عدد من منازلها، بينما استهدف المقاومون الجنود تحديدا". ويواصل محدثنا القول: "بعد مرور أسبوع، بدأت القوات الصهيونية في تنفيذ عمليات التسلل البري، من الجهات الأربع المحيطة بعيتا الشعب: الجهة الغربية للحارة القديمة، والجهات التي تقع عند حارات أبو لبن وشميس والرجم أبو طويل، وسلكت القوة التي اتجهت نحو الحارة القديمة بالآليات منطقة الشومرة المحتلة الواقعة جنوب مستوطنة زرعيت وصولا إلى خلة وردة، ومن هناك تفرقت إلى قوتين، واحدة تسللت ليلا سيرا على الأقدام باتجاه أبو طويل، والثانية باتجاه الأطراف الغربيةالجنوبية للحارة القديمة، أما القوة الثانية التي اتجهت نحو الحارات الأخرى، فقد تقدمت من جهة وادي سوادي جنوبي موقع الراهب، ومن هناك باتجاه مرتفع شويط وحارات الخرزة وشميس وأبو لبن، عندها أصبحت القوات الصهيونية تحيط بعيتا الشعب، وقدر مجموعها بكتيبة معززة من المشاة والاستخبارات. ويضيف محدثنا: "تقدمت مجموعة من تلك القوات في البداية إلى أطراف الحارة القديمة عند السادسة والنصف صباحا، ودخلت إلى "كاراج" تابع لأحد المنازل فكشفها رجال المقاومة، فطوقوا المنزل وفتحوا النيران على الجنود، فجرت اشتباكات استمرت حتى الثامنة والنصف، وانتهت بانسحاب المجموعة بعد وقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوفها، وتحدثت وسائل الإعلام في حينها عن وقوع سبعة قتلى صهاينة داخل "الكاراج"، بينما قدرت المجموعة المهاجمة بفصيل، أي ما يقارب الثلاثين جنديا، وقد ترك القتلى والجرحى في أرض المعركة، وبعد تراجع القوة، جرى تعزيزها من جديد من أجل سحب القتلى والجرحى، واستمرت محاولات سحب المصابين طوال النهار، فكان أن شهد ذلك اليوم أعنف الاشتباكات خلال معركة عيتا الشعب، استخدمت خلالها القوات الصهيونية كافة أنواع الأسلحة الجوية والمدفعية واستقدمت جرافة ومدرعتين تحت غطاء كثيف من النيران، لكن المقاومين دمروا الجرافة وإحدى المدرعتين، وتمكنت المدرعة الأخرى من سحب الإصابات، ويقول محدثنا: "استشهد في تلك المعركة هشام السيد وكان يقاتل مع والده ضمن المجموعة المقاومة، حيث طارد هشام القوة الصهيونية المنسحبة إلى خراج البلدة، فأصبح هدفا مكشوفا أمامها فانهالت عليه القذائف والطلقات حتى استشهد، وتمكن المقاومون من سحبه في اليوم التالي بمشاركة والده". في ذات السياق، يقول لنا قيادي آخر في المقاومة: "بالتزامن مع معركة الحارة، تم اكتشاف قوة أخرى في أحد المنازل في حي أبو لبن، كانت القوة تقدر أيضا بفصيل، فهاجم المقاومون المنزل ودارت اشتباكات عنيفة استمرت عدة ساعات، استطاع خلالها المقاومون تشتيت القوة إلى خراج البلدة"، ويضيف القيادي: "إن يونس سرور استشهد خلال معركة أبو لبن، قبل هشام السيد، فكان الشهيد الأول في عيتا الشعب"، ويواصل محدثنا قائلا: "بعد نهار الاشتباكات العنيفة، بدأت المواجهات تتسع على جميع أطراف القرية، فقد أخذت المدرعات الصهيونية تتقدم على مرتفعات أبو طويل وشويط والخرزة وأطراف حارة شميس، فدمر المقاومون في اليوم الأول من المواجهات الواسعة دبابة وجرافة في أبو طويل، وفي اليوم الثاني دمروا دبابة في المكان نفسه، أما في اليوم الثالث فقد دمروا دبابة عند مفرق القوزح، ثم دبابة في حارة شميس وأخرى في حارة الخرزة"، ويشرح القيادي الموقف العسكري خلال تلك المواجهات قائلا: "إن القوات الصهيونية المدرعة بدأت عمليات التقدم خلال تلك المواجهات، من خلة وردة باتجاه مفرق القوزح ثم دبل، وهما واقعتان خارج قرية عيتا الشعب، عندها أصبح يمكن الحديث عن جبهة تمتد من الشومرة زرعيت، مرورا بخلة وردة، وصولا إلى القوزح ودبل". يقول القيادي في المقاومة الإسلامية: "عندما تقدمت قوة صهيونية من القوزح باتجاه دبل، كانت المعارك مشتعلة على أطراف عيتا الشعب، لكن مجموعة متقدمة من المقاومين كشفت القوة بالقرب من بركة دبل وكان تعدادها كبيرا، وتضم عناصر من المشاة، فأبلغت المجموعة قيادة المقاومة بكشفها لتلك القوة الصهيونية، وحددت مكان تواجدها، وعلى الفور قررت قيادة المقاومة قصفها مستخدمة المدفعية والرشاشات الثقيلة، وعندما يقال المدفعية يعني أن القصف كان من مكان خارج البلدة بمسافة بعيدة، وعلى الأرض ساند هذا القصف المجموعة التي كشفت القوة الصهيونية، مستخدمة الأسلحة الرشاشة الخفيفة"، ويوضح القيادي أن المعركة عند منطقة البركة "أوقعت إصابات كبيرة في صفوف القوة الصهيونية، ولم يتمكن الجيش الصهيوني من سحب المصابين إلا عند حلول الليل، وبعد المعركة فر باقي أفراد القوة باتجاه منازل في بلدة دبل ودخل عدد كبير منهم إلى أحد "الكاراجات"، تحت مرأى أفراد المجموعة المقاومة، فانتظرت المجموعة دخول كامل العدد إلى الكاراج وكانوا في حالة ذعر شديدة، حتى أن عويلهم وصراخهم كان مسموعا لجميع أفراد المجموعة المقاومة، الذين قصفوا الكاراج بصاروخ موجه، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة اثني عشر جنديا باعتراف الكيان الصهيوني، واستمرت عملية إخلائهم على مدى يومين بواسطة المدرعات وتحت غطاء من "الأف 16"، وعندما سألنا القيادي إذا كان صحيحا أنه جرى نقل خمس وثلاثين خوذة عسكرية للجيش الإسرائيلي من داخل الكاراج، أوضح أنه ربما كان يتواجد ذلك العدد من الجنود، لكن ذلك لا يعني أنهم قتلوا جميعا، لكن معركة دبل وقعت في اليوم الذي اعتبره نائب رئيس الحكومة الصهيونية - وقتها - شمعون بيريز "اليوم الأصعب في تاريخ الجيش الإسرائيلي"، ويوضح القيادي لنا هذا الأمر بالقول: "إن الجيش عندما يكون عادة في حالة هجوم لا يتقبل الخسائر، لذلك كان صعبا على الجيش الصهيوني ما حصل له في دبل، وزاد في تلك الصعوبة اعتقاده أنه لا يوجد مقاومون في البلدة، فكيف وقد اكتشفوا أن المقاومين موجودون على مقربة منهم"، ويضيف القيادي: "إنه في ذلك اليوم كان الجيش الصهيوني يحشد قواته في دبل من أجل التقدم نحو بلدة رشاف، في محاولة لتوسيع العمليات البرية، لكن ما جرى أخّر توسيع العملية أربعة أيام، ظل خلالها منهمكا في إخلاء القتلى والمصابين وتبديل القوة المهاجمة، إثر انهيار معنويات من تبقّى منها، فيما خرج جميع رجال المقاومة من تلك المعركة سالمين". في جولتنا بقرى الجنوب اللبناني الباسل التقينا ببعض الأهالي الذين عاشوا أيام الحرب ولا تزال محفورة في ذاكرتهم، وهؤلاء الناس ورغم الانتصار الذي حققه الرجال لا تزال الذكريات المؤلمة التي خلفتها همجية عدو لا يرحم طفل ولا شيخ ولا إمرأة محفورة في ذاكرتهم، التقينا بالسيدة "بثينة" وهي ممرضة في العقد الخامس وبقت في منزلها وعملها بمدينة صيدا رافضة النزوح مثلما فعلت آلاف الأسر التي رحلت للشمال خوفا على أطفالهم من القصف الصهيوني، "بثينة" قالت لنا : "رأيت حاجة في الثمانين من عمرها لديها رجل مبتورة، تستند إلى جذع شجرة أمام البلدية، كان زوجها قد حملها إلى المكان بعد أن أعلم أن طبيب النقطة الطبية لم يصل، وكانت المرأة بحاجة ماسة إلى حقنة من الأنسولين، فاتصلت بالنجدة، وتم تأمين الجرعة، وركضت إلى الشجرة لأعطيها الحقنة، فلم أجدها، بحثت وبحثت ولم أعثر عليها، وعرفت من بعد أنها استشهدت ولفظت أنفاسها الأخيرة قبل أن تتداوى". وتروي "بثينة" قصة أخرى عايشتها أثناء الحرب، فتقول : "مع اكتظاظ مراكز النزوح والساحات، وجد النازحون ملجأهم في بيوت المتطوعين الصيداويين، ففتحت أبواب حارة صيدا، حي الزهور، شارع دلاعة، ساحة الشهداء، والضواحي، شبان وشابات عاشوا داخل الجرح وبلسموه، وفي الوقت الذي كان يقاتل فيه جنود المقاومة تحت لهيب النار من أجل الذود عن حياتنا وشرفنا، كانت هناك قوافل أخرى من الأبطال المدنيين الذين حموا خاصرة المقاومة، وتضيف "بثينة" النصر لم يكن فقط عسكريا، بل شهد ملحمة تضامنية شعبية عجلت بحدوثه . يتبع ---------------------- تقرأون في الحلقة القادمة "الأمة العربية" تكشف خطط الإعلام المقاوم قناة "المنار" السلاح الأشد فتكا بالصهاينة إعلاميون زرعوا الرعب في "إسرائيل"