شرف الله الشام ببعث عدد من الأنبياء واستقرار أو مرور بعضهم على أراضيها، وحتى اليوم لا تزال آثار الرسل ماثلة للعيان، وأهم هذه الآثار آبار وينابيع تحظى باهتمام أهل الشام والزوار لما تحمله من خصائص عجيبة ومحيرة. المياه التي توصف ب"المباركة" عجز العلماء والباحثون عن تحديد مصدرها، خاصة وأن المنطقة التي توجد بها هذه الينابيع تفتقر لخزانات المياه الجوفية، ورغم ذلك تتدفق الينابيع دون توقف منذ آلاف السنين، لتروي منطقة من أشد المناطق قحالة وتصحرا، أما المياه المتدفقة فهي تخرج من أعماق شديدة السخونة حتى أنها تبلغ درجة الغليان، ومن مكان آخر ملاصق للأول تخرج باردة حد التجمد، الأمر الذي زاد من لغز هذه المياه، أما الأعجب فهو تلك الوفود التي تأتي من كل مكان في العالم لتغسل أمراضها وأوجاعها بهذه المياه. وفي جنوب سوريا وعلى الحدود الأردنية - السورية، حيث المنطقة التي ترتبط جغرافيا بفلسطين المحتلة ولبنان والأردن، يتداول السكان حكايات عمّا يعرف بآبار وينابيع الأنبياء، يقول أهل المنطقة إن العديد من أنبياء الله مروا من هذا المكان عبر أزمنة مختلفة، وأشهر من مر إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي يحمل أحد الينابيع إسمه، وهذا النبع تحديدا لم يعرف بالضبط متى بدأ استغلال مياهه من قبل التجمعات البشرية، إلا أن السائد أنه استغل منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، حيث أنه ثابت تاريخيا أن النبي إبراهيم عليه السلام مر بالمكان حوالي 2000-1900 قبل الميلاد، وتقول الحكايات المتوارثة أنه عليه السلام ضرب الأرض فتفجرت منه هذه العين التي مازالت تتدفق إلى يومنا هذا، وهناك بالجوار من عين إبراهيم توجد عين أخرى تسمى "عين الخضر" نسبة للخضر عليه السلام، وهي الأخرى تحمل حكايتها الخاصة بها والتي ترجع نسبتها في النهاية لسيدنا الخضر عليه السلام، ويذكر معجم البلدان أن "عين الخضر"، موجودة منذ الألف الأولى قبل الميلاد. وعلى مقربة من المكان الأول يوجد نبع آخر ينسب لنبي الله يحي عليه السلام، تتدفق مياه هذا النبع بغزارة من صخرة ضخمة ترتفع من 06-08 أمتار فوق سطح الأرض، وتتجمع المياه المتدفقة في بركة صغيرة تحت الصخرة ثم تنساب قوية، لتصب في بركة أخرى تقع تحت مسجد عتيق في نفس المنطقة يحمل إسم صاحب العين، وكانت هذه البركة وإلى الخمسينيات من القرن الماضي هي المورد الرئيسي للحياة في المنطقة برمتها، فعاش عليها السكان قرونا، وذكر لنا أحد السكان أن عددا من العلماء أجروا بحوثا كثيرة لمعرفة مصدر هذه المياه المتدفقة، إلا أنهم حتى اليوم لم يتوصلوا لشيء، وكل ما قالوه أن هذه المياه تنبع من المجهول. الجميع هنا لا حديث له إلا عن بركة هذه الينابيع، حتى أن أصحاب التجارب الشخصية رووا لنا حكايات حاولوا من خلالها التأكيد على أن هذه المياه مباركة حقا، وأنها أشبه بمياه الرقية الشرعية دون أن يقرأ عليها راق، لأنها حسبهم نالت بركة أنبياء الله. في الواقع أنا لا أقتنع كثيرا بمثل هذه الأقاويل والروايات الرائجة، خاصة وأن الشائعة في عالمنا العربي لها تأثير يفوق أحيانا الوقائع، ولأني اشتممت رائحة التجارة والترويج السياحي في كثير من التصريحات التي حصلت عليها، فقد حاولت إيجاد تفسير علمي لتأثير المياه إيجابيا على صحة الإنسان، ولعبها دور أشبه بالسحر في علاج الأمراض، خاصة وأني متأكد أن هناك مياها تحقق هذه المعجزات وهي مياه زمزم المباركة. لكن السؤال الذي ظل يطاردني، حتى قبل أن آتي لهذا المكان هو: كيف تتأثر المياه بالإنسان وتتفاعل معه مثلما يحدث في الرقية الشرعية؟. وبالرجوع إلى المعلومات المتعلقة بهذا الشأن، اكتشفت أن كثيرا من البحوث العلمية العالمية حاولت الإجابة على هذا السؤال. ففي اليابان اكتشف الدكتور ماسارو إيموتو، رئيس معهد هايدو للفيزياء بطوكيو، أن المياه تتفاوت في قدرتها على تشكيل البلورات النقية والمتناسقة، فكلما زاد تلوث الماء كلما شكل بلورات متآكلة ومشوشة، وكلما كان نقيا وصافيا كلما شكل بلورات جميلة ومتناسقة، وقد تأكد من هذه الحقيقة بتصوير آلاف البلورات الثلجية لمياه متفاوتة في نقاوتها وجودتها ونسبة التلوث فيها، كما التقط أفلاما متحركة مأخوذة بكاميرا سريعة لبلورات في طور التشكل من مصادر مختلفة، فقد صور مثلا كيفية تشكل البلورات من مياه ملوثة ونقية ومالحة وحمضية، ومياه أخذت من ينابيع الأنبياء الموجودة بسوريا وكذلك مياه زمزم، وكانت المفاجأة، حيث جاءت مياه زمزم في المرتبة الأولى من حيث النقاوة، تلتها مياه ينابيع الأنبياء، بينما اختلط التلوث ببقية عينات المياه المأخوذة عبر مناطق عديدة من العالم بنسب متفاوتة. والغريب أن الدكتور إيموتو توسع في هذا الاكتشاف إلى حدود روحانية، فقد قال إن الماء قادر على الإحساس والتفاعل مع الأحداث النفسية والمشاعر الإنسانية حوله، وحاول إثبات هذه الفرضية من خلال تصوير بلورات مياه ملوثة تحولت إلى بلورات متناسقة وجميلة، وصور عملية التحول هذه بعد قراءة آيات من القرآن على المياه غير النقية، فأصبحت نقية بسرعة كبيرة. التجربة اليابانية تقدم تفسيرا لما يعرف بالمياه الشافية وقدرتها على حمل المواقف الإيجابية والنوايا الصالحة، فمن اليابان إلى البرازيل، ومن السويد إلى الكاميرون، يؤمن الناس بقدرة الماء على "تخزين" النوايا الحسنة والذبذبات الشافية، وفي كل ديانة عالمية توجد ما تعرف ب"المياه المقدسة"، التي تشفي الناس أو "تمحو عنهم الخطايا"..، وهذه المياه إما مقدسة بذاتها "كماء زمزم" أو تحمل بركة القارئ "كماء الرقية الشرعية"، أو خلاصة الشفاء نفسه "كبقايا وضوء الحاسد"، ومن المعروف أن علماء السلف أجازوا قراءة القرآن والنفث به في الماء لحمل بركة الشفاء، وكانت أم سلمة رضي الله عنها تحتفظ بشعرات للرسول في جلجل من فضة "إناء صغير يشبه الجرس" يستشفي بها المرضى، فإذا جاء المريض صبت على هذه الشعرات ماءً ثم حركته وأعطته للمريض ليشرب، فالتجربة أوضحت فيزيائيا التغيرات التي تحدث لبلورات الماء عند تلاوة القرآن عليه، حيث تجعله على درجة عالية من النقاء وبالتالي يقدم أحد أسباب الشفاء. من الناحيتين الفيزيائية والمادية البحتة لا تبدو هذه الظاهرة غريبة أو شاذة، فالماء بطبعه حساس لأي تغيير بيئي وقابل للاتحاد مع معظم العناصر المحيطة، كما أن له خواص كيميائية وفيزيائية فريدة لا توجد الحياة بدونها، يقول عز وجل: (والله خلق كل دابة من ماء)، فالماء يشكل 60٪ من جسم الإنسان و70٪ من جسم الطفل و80٪ من جسم الرضيع الصغير، وبالجمع بين هذه الحقائق يصبح الماء المرشح الأول لنقل أي خصائص شفائية أو روحانية تتواجد حوله، وهذه الميزة تجعله عنصرا أساسيا في المواقع المقدسة والمعالجات الخارقة والينابيع الشافية، فالماء مثلا قادر على حمل بركة القرآن من خلال القراءة فيه، وإبطال مفعول السحر والعين بالوضوء من ماء العائن، ونقل الأحاسيس عن بعد بين النباتات وبعض الحيوانات، بل وحتى ترجمة أمانينا لحقائق "فماء زمزم لما شرب له" . توجد العديد من المؤلفات الطبية في المكتبات العلمية بسوريا تحوي العديد من الأبحاث التي أجراها العلماء على مياه ينابيع الأنبياء بالشام، فوجدوا أن القدرة الإلهية أوجدت ينابيع المياه هذه لتكون أهم مصدر لعلاج المرضى في الشام وربما العالم، فهي حسب بحوثهم تقضي على مختلف الأمراض بسرعة محيرة لما تتمتع به خواصها التركيبية وحرارتها، علاوة على الفعالية الإشعاعية وما ينحل فيها من غازات نادرة ومن معادن ثقيلة ذات قيمة علاجية كبيرة، وقال العلماء إن قدرة آبار الأنبياء على الشفاء تكمن في المغنيزيوم، الذي في نظرهم هو الحلقة المفقودة في عدد كبير من الأمراض التي طالما حيرت الأطباء، وتذهب فئة أخرى إلى أن سر هذه المياه يعزى لما تحتويه من الراديوم أو غيره من المواد المشعة بمقادير ضئيلة، وأملاحها ذات خصائص علاجية كبيرة، فهي طبيعية وغير مصنعة. ومن خلال البحوث أيضا اكتشف العلماء أن ينابيع الأنبياء تعالج عديد الأمراض، لأنها تتميز في رأيهم باحتوائها على مواصفات الاستشفاء من الأمراض من حيث درجة الحرارة والمواصفات الكيميائية والفيزيائية، فهي قادرة على توسيع جملة الأوردة والشرايين وعندما تتوسع ينخفض الضغط ويزداد عدد ضربات القلب، كما أن لهذه المياه فوائد عديدة أخرى منها الاستشفاء من أمراض الجهاز العصبي وبخاصة الروماتيزم والتهابات الأعصاب المزمنة والاستشفاء من أمراض الجهاز الحركي وأمراض الهيكل العظمي، ومن بين مزاياها كذلك الاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية وتنشيط طبقة الكولاجين والمساعدة في شد البشرة وإزالة الترهلات، والاستغناء عن عمليات التجميل، إلى جانب الاستشفاء من بعض الأمراض التنفسية وأمراض القلب والأمراض المفصلية، أما المنغنيز الموجود في هذه المياه فيساعد على تخفيف مستوى سكر الدم لدى مرضى السكري، وهو مفيد في حالات هشاشة العظام، كما تحتوي هذه المياه على عنصر الفسفور وهو مهم في حالات الكسور العظمية وحالات نقص الفيتامين "د"، وحتى في حالات التشنجات العضلية، إضافة إلى الكالسيوم الذي يمنع حالات نخور الأسنان وهشاشة العظام ويعمل على خفض ضغط الدم المرتفع وتنظيم ضربات القلب، كما أن هذه المياه مقاومة الأورام وبخاصة سرطان القولون. أما عنصر المغنيزيوم الموجود في هذه المياه فيساعد على شفاء حالات تصلب الشرايين والنوبات القلبية بالمشاركة مع الكالسيوم وفي معالجة الربو، وله دور مهم في تعزيز دور الأنسولين وحتى المعالجات الجلدية وتثبيت المعادن على العظام، إضافة إلى الزنك الذي يعزز مناعة الجسم، إلى جانب السينويوم المهم للوقاية من الأمراض وتعزيز مناعة الجسم عن طريق عدد الكريات البيضاء وتسهيل وظيفة الكبد والبنكرياس ومعالجة الالتهابات الجلدية، ومن بين العناصر كذلك النحاس الضروري في حالات فقر الدم والتهاب المفاصل.