يعاني سكان الأحياء القصديرية التابعة لبلدية جسر قسنطينة، أوضاعا مأساوية صنعتها ظروف الحياة القاسية التي تبعد بكثير عن حياة الرفاهية التي يعيشها آخرون في نفس البلد. عائلات بأكملها وجدت نفسها حبيسة غرفة ومطبخ في بيوت من القصدير، لا تصلح حتى لتكون خما للدجاج أو اسطبلا للحيوانات. أغلب هذه العائلات قدم من ولايات أخرى كالمسيلة، المدية والبويرة، إما بسبب أزمة السكن أو الأزمة السياسية، أو لأسباب أخرى ما تزال مجهولة. "الأمة العربية" تنقلت إلى أحد هذه الأحياء، وهو حي عين المالحة لترصد الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها أكثر من 600 عائلة من بين 1000 عائلة موزعة على أكثر من 3 أحياء قصديرية في نفس المنطقة، وقعت معظم هذه العائلات ضحية الفقر والحرمان دفعتها إلى بناء بيت أقل ما يقال عنه إنه فوضوي، في وقت لم يجدوا فيه حلولا أخرى يمكن أن تغنيهم عن حياة الذل والمهانة التي يعيشونها في الحي. تقطن عائلات حي المالحة في بيوت قصديرية منذ أكثر من عشرين سنة، غير أن العدد تضاعف منذ سنة 2002، عانت هذه الأخيرة فيها ويلات الحياة بأتم معناها ولا تزال إلى حد الساعة مجبرة على تحمل الكثير، أمام صمت السلطات المحلية التي لم تعرها أي اهتمام، وكأنها مخلوقات غريبة لا تمت للجنس البشري بصلة، كل هذا لأنهم أناس بسطاء وقاطنو بيوت قصديرية. أكد سكان حي المالحة ل "الأمة العربية" أنهم يضطرون إلى جلب الماء من أحياء بعيدة أو من عند جيرانهم في الحي الذين استطاعوا مد بيوتهم بالماء بطريقة غير قانونية، بقيامهم بالحفر للوصول إلى أنابيب المياه التي تمر عبر الحي، مما زاد من معاناتهم، خاصة في فصل الصيف، حيث يزيد استهلاك المياه. أما بالنسبة للكهرباء، فلم تحس السلطات المحلية على ما يبدو بحاجة السكان إليها، بما أنها لم تكلف نفسها بمد الحي بالإنارة، مما جعل السكان يضطرون إلى مد أسلاك كهربائية من أعمدة الإنارة العمومية حتى أصبحت الأسلاك متشابكة فيما بينها، مما زاد من احتمال الإصابة بصعقات كهربائية، إلا أنهم يضطرون إلى دفع فاتورة الكهرباء التي تقدر بآلاف الدنانير، رغم أن معظمهم لا يملك أكثر من مصباحين أو ثلاث وجهاز تلفزيون، مما جعل السكان يتساءلون عن السبب، معللين الأمر على أنه مجرد عقوبة فرضتها عليهم سونلغاز أو البلدية. وفي خطوة أولى من نوعها، قامت مصالح البلدية بمد كل بيت من الحي بعدّاد كهربائي منذ فترة في سبيل تنظيم الأمور، إلا أنها لم تمدهم بالكهرباء بعد. تسببت الرطوبة والروائح الكريهة وانعدام النظافة، بالإضافة إلى مجاري المياه التي كثيرا ما تغرق البيوت، في إصابة الكثير من السكان بأمراض الحساسية والربو، خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن الذين يعانون في الأساس أمراض القلب، السكري وارتفاع الضغط، بالإضافة إلى نساء حوامل حكمت عليهن الظروف بالعيش وسط القذارة، خصوصا في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، الأمر الذي جعل إحداهن تتخذ من فناء بيتها الصغير مأوى لها هروبا من حرارة الغرفة، هذه الأخيرة التي تعيش رفقة زوجها وولديها ولا تتعدى مساحتها 2 متر مربع، بينما تعيش أمها وإخوتها في الغرفة الأخرى، تضطر في كثير من الأحيان إلى إبعاد ولديها بأخذهما عند أقاربها خشية إصابتهما بإمراض أخطر من الحساسية التي يعانيانها منذ ولادتهما. كما لفتت انتباهنا حالة أخرى لعجوز مسنة،تعاني مرض فقدان الذاكرة تعيش رفقة ابنها وزوجته وأولاده الشباب، في بيت يتكون من غرفة ومطبخ ومرحاض، كل هؤلاء ينامون في غرفة واحدة تفتقر إلى أدنى شروط الراحة التي ألغاها الإنتشار الواسع للحشرات والثعابين، وحتى الجرذان التي أضحت تقاسمهم الحياة. أسر ثورية، رجال أمن سابقون وصحفيون يعيشون حالة مزرية وما أثار استغرابنا في المنطقة، هو وجود أبناء مجاهدين، وكذا بعض رجال الأمن وجنود انتهت مدة خدمتهم، إما لأنهم تقاعدوا أو لأنهم من بين معطوبي المأساة الوطنية، إضافة إلى زملاء المهنة من صحفيين، كل هؤلاء دفعت بهم الظروف إلى السكن بحي عشوائي في انتظار أن تنظر إليهم السلطات بعين الاعتبار. وأفادت صحفية بإحدى الجرائد الأسبوعية المعروفة، أنها تسكن الحي منذ حوالي عامين، مشيرة في ذات الوقت إلى الوضعية المزرية التي يعانيها السكان، رغم أنها كتبت عن معاناتهم عدة مرات في سبيل نقل الانشغال إلى السلطات المحلية، دون جدوى. أكد بعض السكان تحدثت إليهم "الأمة العربية"، أن الحي أصبح ملجأ للخارجين عن القانون، أين كافة الآفات الاجتماعية موجودة هناك، وأفاد هؤلاء أنهم يتعرضون للسرقة يوميا، إما من جماعات الحي أو من غيرهم، خاصة وأنه من السهل اقتحام أي بيت في الحي نظرا لهشاشة البيوت أو الأبواب والنوافذ إن وجدت طبعا، حيث لاحظنا أثناء تواجدنا بالحي أن الكثيرين لا يملكون أبوابا، وإن وجدت فغالبا ما تكون مجرد صفيحة من القصدير لا تحمي البيت وأهله من الخارجين عن القانون، مما جعل السكان يضعون قضيبا حديديا أو ما شابه بجانب مكان نومهم للدفاع عن أسرهم وأطفالهم وقت اللزوم. ويضاف إلى هذا الوضع كله، تجارة المخدرات التي تعد نشاطا عاديا، أين يقوم بعض الشباب بالتعاطي والبيع والشراء على مرأى من قاطني المنطقة، مما أثار غضب السكان، إلا أن هؤلاء لم يحركوا ساكنا لتوقيفهم أو التبليغ عنهم، وذلك خوفا من هذه الجماعات التي قد تؤذيهم في أية لحظة. كما تجد في الحي من يحترف السحر، حيث أفاد السكان أنهم يقومون برمي أشياء غريبة كأرجل الدجاج وبعض العقاقير، إضافة إلى أنهم يشمون روائح البخور، أو أشياء من هذا القبيل تنبعث باستمرار من بيوت السحرة. ولعل أكثر الأمور التي تثير قلق السكان، وجود أشخاص يمارسون الدعارة بالحي، حيث اتخذوا من البيوت القصديرية مأوى لممارسة الفاحشة دون أن يتدخل أحد لإيقافهم، خاصة في ظل غياب رجال الأمن بجوار الحي.