تستوطن الكثير من العائلات أحياء قصديرية فوضوية استعانت بها في وقت الشدة هربا من بطش يد الإرهاب، وألف أفرادها الحياة فيها رغم الظروف المأساوية لأنها بالنسبة لكثيرين أهون من الريف الذي هجروه ورفضوا العودة إليه مجددا لأي سبب كان. انتشرت البيوت القصديرية حول أطراف العاصمة والمدن الكبرى في السنوات الأخيرة بشكل رهيب، وكان نتيجة ذلك تشويه صورة العاصمة. ورغم سعي الدولة لمحاربة هذا النوع من البناءات الفوضوية ومحاولة إيجاد حلول مستعجلة للحد منها، إلا أن كل ذلك لم يمكنه الحد من انتشارها ولم تعد البيوت القصديرية حلا لمن لا يملكون السكنات فقط، بل أيضا ملاذا للراغبين في العيش داخل المدن أو بالقرب منها وهم في أغلب الأحيان عائلات نازحة من المدن الداخلية للوطن أجبرتهم ظروف الحياة على ترك مسقط رأسهم من أجل العمل وتتبع لقمة العيش. ويرى الكثير من سكان هذه الأحياء أنهم لم يختاروا واقعهم بل ولا يمكن لأحد أن يقبل العيش داخل البيوت القصديرية التي تعشش فيها مختلف الأمراض والأوبئة والآفات الاجتماعية الخطيرة. ومن بين الأحياء القصديرية الموزعة عبر العاصمة والمدن المجاورة لها حي الوادي وهو حي قصديري نما بسرعة كبيرة على جانبي الوادي في بلدية حمادي بولاية بومرداس. تقطن في هذا الحي الفوضوي عشرات العائلات التي قامت ببناء سكنات اعتبرتها في بداية الأمر حلا مؤقتا إلى أن تتمكن من الحصول على سكنات. لكن - وكما يقول السكان - طال انتظارهم وقد تجاوزت مدة إقامة بعض العائلات عشر سنوات كاملة. ما لاحظناه أن عائلات الحي تعيش أوضاعا مزرية جدا حتى وإن كانت بناياتهم تمت خارج القانون وقوبلت بالرفض المطلق من قبل البلدية، إلا أن ذلك لم يمنعهم من إكمال أشغال البناء والسكن على ضفة الوادي رغم ما يشكله ذلك من خطورة علي صحتهم نتيجة تلوث مياه الوادي الذي يعتبر مصبا للنفايات والمياه المستعملة التي تسببت في إصابة عدد كبير من أطفالهم بأمراض جلدية وتنفسية عديدة. كما أن السكان يتخوفون من إمكانية حدوث فيضانات تجرفهم جميعا فمساكنهم قريبة جدا من الوادي، بل هناك عدد منها ملتصق بحوافه خاصة مع التحذيرات التي أطلقتها مؤخرا مصالح الأرصاد الجوية. حل مؤقت تجاوز العشر سنوات يقول أغلب من يستوطنون هذه الأحياء إن السكن بهذه الطريقة كان محاولة منهم لكسر أزمة السكن التي لم يستطيعوا بدخلهم البسيط والمنعدم أحيانا لدى بعض العائلات إيجاد سكنات لائقة، ورغم أنهم انتظروا وعود البلدية بالمساكن الاجتماعية إلا أنهم كانوا في كل مرة يصطدمون بعوائق تحول دون حصولهم على سكنات. وخطرت لهم فكرة بناء سكنات على طرف الوادي كحل مؤقت إلا أن هذا الحل أصبح قدرهم وأصبحت السكنات الفوضوية هي مستقرهم الحالي، وقد فقد أغلب أرباب الأسر الذين تحدثنا إليهم الأمل في إمكانية الحصول على سكن. وما زاد الطين بلة هو سماعهم في كل مرة أخبارا تؤكد عزم البلدية على هدم هذه البنايات في أقرب وقت ممكن. ويقول أحد سكان الحي إن مشكلة السكن هي التي دفعتهم إلى بناء بيوت قصديرية حتى وإن كان الأمر لا يخلو من الخطورة، لأن أغلب السكان هنا من العائلات الفقيرة التي لن تستطيع مهما حاولت اقتناء بيت أو حتى قطعة أرض. ''خطر الأمراض صيفا والفيضانات شتاء'' يعاني سكان حي الوادي الفوضوي كغيره من الأحياء الفوضوية الأخرى من عدة مشاكل، لعل أهمها وأخطرها المشاكل الصحية، حيث يعتبر الوادي المحاذي لسكناتهم مفرغا للنفايات والمياه المستعملة القادمة من الأحياء المجاورة بالإضافة إلى الحشرات السامة كالأفاعي والجرذان التي لا تخلو منها المنطقة هذا في فصل الصيف، حيث يتحول المكان بؤرة حقيقية للأمراض. أما في فصل الشتاء فيتحول المكان إلى برك ومستنقعات يصعب الخروج منها إلا باستعمال الأحذية البلاستيكية رغم ما يشكله ذلك من صعوبة على الأطفال. وما أثار ذعر العائلات مع اقتراب فصل الشتاء هو تخوفهم من حدوث فيضانات خاصة وأن الوادي معروف بسرعة امتلائه وهو ما يشكل خطورة على حياتهم إذا حدث الفيضان في الليل، خاصة وأنهم لا يملكون مكانا ثانيا يمكنهم اللجوء إليه. ويقول السكان إن الكثير من أبنائهم يشعرون بالرعب مع أولى قطرات المطر بعد الفيضانات التي حدثت في عدة نقاط من الوطن. ويبقي حلم الحصول علي سكن مطلب العديد من السكان الذين التقيناهم فالأوضاع داخل هذه الأحياء لا تصلح أبدا للسكن.