أصبح العقار منذ مدة محل مساومات شبكات التزوير التي امتهنت النصب والاحتيال على الكثير من المواطنين، بما فيهم إطارات في الدولة. عمليات من هذا النوع مازالت مستمرة، رغم وضوح القوانين، يعاني منها مواطنون اشتروا عقارات ومساكن، فوجدوا أنفسهم مجبرين على مغادرتها، بحكم قوانين شبكات النصب العقارية، تم بيعها لأشخاص آخرين أصبحوا هم كذلك لاعبين أساسيين في هذه اللعبة. "الأمة العربية" اكتشفت إحدى هذه الفرق الإجرامية التي اختارت المجاهدة "ر" معطوبة حرب التحرير، لتكون ضحية من ضحاياها. بتاريخ 23 نوفمبر 2002، أصدرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء البليدة قرارا لصالح المجاهدة "ب.ر"، بحضور المحافظ العقاري وفي غياب المدعى عليها "ب.س"، قضى بإلزام هذه الأخيرة إتمام إجراءات البيع في الشكل الرسمي، جاء فيه "أن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تكلف وتأمر جميع أعوان التنفيذ، بهذا القرار موضوع التنفيذ وعلى النواب العامين ووكلاء الجمهورية لدى المحاكم، مد يد المساعدة اللازمة للتنفيذ وعلى جميع ضباط قوات العمومية تقديم المساعدة اللازمة بصفة قانونية وبالقوة عندما نطلب منهم ذلك". هذا القرار لم يعرف طريقه للتجسيد لأسباب عدة.. أهمها غياب المتهمة "ب.س" التي أحيلت يوم 04/02/04 على قاضي التحقيق بمحكمة الشراڤة بتهمة النصب والاحتيال، على إثر شكوى كانت المجاهدة "ر" قد رفعتها بتاريخ 30/08/98 ضد كل من البائعة "س" وشريكتها المدعوة "ز.ج"، الحائزة هي كذلك على عقد بيع لنفس العقار الذي تملكه الشاكية "ر" بتاريخ 2/3/2005، تم إدانة رأس العصابة "س" بعام حبسا نافذا، مع دفع مبلغ 350 مليون سنتيم لصالح الضحية، المتمثل في القسط الأول للدّين المدفوع مقابل ثمن السكن، وإلزامها بتنفيذ عقد الاعتراف بالدّين المؤرخ في 15/6/1998.. الشطر الثاني من الحكم، هو كذلك تعذر تنفيذه بعد اختفاء مهندسة الصفقة التي يعود تاريخها إلى 15/06/1998.. بهذا الشأن، قالت المجاهدة "ر": "اشتريت قطعة أرض مساحتها 600 متر مربع، مبنى عليها هيكل إسمنتي به شقق غير جاهزة من المدعوة "س.ب"، التي دفعت لها ثمنه بعد بيع مسكني السابق.."، مشيرة إلى أنها استلمت من المدعوة "س" مفاتيح السكن الجديد الكائن بواد الرومان بلدية العاشور. الضحية كشفت ل "الأمة العربية" بأنها تفاجأت في اليوم الموالي بمجيء المدعوة "ز.ج" التي طلبت منها مغادرة العقار الذي تحوز بشأنه عقد بيع موثق محرر يوم 16/06/1998. قامت المدعوة "س.ب" ببيع العقار مرتين، كانت المجاهدة السيدة "ب" أول المشترين. وبشأن هذه الصفقة، قالت: "اتفقت مع "س" على شراء المسكن بثمن يقدر ب 650 مليون سنتيم.. دفعت لها 350 مليون سنتيم أمام الموثق.. وبعد يومين أخذت مني المبلغ المتبقى.."، وهنا كشفت الضحية أن صاحبة المسكن يوم أخذها لهذا المبلغ، كانت برفقة شخص تبيّن فيما بعد أنه أحد أبناء الشارية الثانية "ز.ج". المجاهدة أشارت في سياق حديثها لنا إلى أن صاحبة المسكن كانت قد حررت لها وثيقة ترخص لها الإقامة إلى غاية الاكتتاب بعد حصولها على عقد الملكية، مدعية يومها أن عقد البيع لم يشهر بعد، لهذا السبب تضيف "ر": "أبرمت عقدا موثقا خاصا بالوعد ببيع للعقار في نفس اليوم الذي أبرمت معها عقد الاعتراف بالدّين". خلال الجلسة التي أدينت فيها المدعوة "س.ب" بتهمة النصب والاحتيال، صرحت بأنها باعت المسكن المتنازع عليه للمسماة "ز.ج" مقابل مبلغ 150 مليون سنتيم، قبضت منه 30 مليونا فقط. مضيفة أنه بعد يومين من إبرام عقد البيع، ذهبت إلى تونس لتبقى هناك ما يقارب 8 أشهر.. هذه الأخيرة لم تعط تفسيرا واضحا عن خلفيات عملية البيع ولم تطالب حتى من الشارية الثانية دفع المبلغ المتبقي من ثمن البيع، وبالمقابل لم تتجرأ "ز.ج" منذ انفجار الفضيحة إلى رفع دعوى قضائية ضد صاحبة العقار.. بل اجتهدت في تعطيل كل الأحكام التي نصت على مواصلة إجراءات البيع. وأكثر من ذلك، بعد شهر من هروب رأس العصابة "س" أقدمت "ز" على رفع دعوى قضائية ضد الضحية "ر" لطردها من المسكن الذي كانت قد اشترته من "س" بعقد موثق قبل صاحبة دعوى الطرد، فتمكنت خلال عام 2000 رغم توفر أدلة النصب والاحتيال من الحصول على حكم قضائي قضى بطردها من أملاكها. حكم أصبح كالخنجر في رقبة عائلة "ب"، يهدد استقرارها. قامت الضحية بإطلاق مئات نداءات الاستغاثة، كلها باءت بالفشل، مما يؤكد على أن شبكة "ج" و"س" تملك من النفوذ ما يعطل حتى إجراء تحقيق بسيط بشأن قضية بيع العقار مرتين.. فلا تعويض على الخسائر ولا إنصاف بعد ثبوت النصب والاحتيال.. بهذا الصدد، قالت "ش" ابنة "ر" المجاهدة: "طرقنا كل الأبواب من أجل كشف خيوط الشبكة التي نصبت علينا، مقدمين كل الدلائل التي تثبث ذلك، إلا أنه فى كل مرة يقال لنا لكم الحق، ولكن هناك أياد نافذة وراء من تطالبنا بإخلاء المسكن، في وقت لم نستطع لا مواصلة إجراءات إتمام البيع ولا حتى الحصول على التعويض، لأن "س.ب" رئيسة الشبكة اختفت نهائيا، حيث قيل لنا إنها في تونس". في رسالة موجهة إلى مدير الشؤون المدنية بوزارة العدل، وجهت المجاهدة "ر" نداء استغاثة، طالبت فيه بإلغاء حكم الطرد وإجراء تحقيق من طرف مفتشين من الوزارة لكشف حجم التواطؤ الذي استفادت منه رئيسة العصابة سميرة وشريكتها، متسائلة: "لماذا لم تأخذ بعين الاعتبار كل الدلائل التي تؤكد وجود شبكة احترفت النصب والاحتيال، كانت هي من بين ضحاياها؟".. العقار الذي دخل مزاد البيع مرتين، كانت الهاربة "ب.س" قد اشترته من الوكالة العقارية المحلية بالعاشور، بناء على عقد موثق محرر من طرف الأستاذة "م.ح" بالشراڤة بتاريخ 3/6/1998. نسخة منه سلّمت للضحية "ر" بدون تأشيرة الإشهار، وهنا قالت هذه الأخيرة: "لقد ادعت صاحبة العقار يومها أنها لم تتحصل بعد على عقد الملكية.."، في حين سلمت نفس النسخة من نفس العقد للشارية الثانية "ز.ج"، عليه تأشيرة إشهار المديرية الولائية للحفظ العقاري بالشراڤة مؤرخة في 6/6/98، كتبت عليها عبارة "تم بيع العقار إلى "ز.ج" بحضور "ا.ح".. مسجل بالمحافظة العقارية للشراڤة في 21/7/98"، وهنا تطرح عائلة "ب" سؤالا: "ما هو محل هذه الموثقة في هذه اللعبة القذرة؟" التي بمنحها العقد المشهر ل "ز.ج" بدل الضحية، سهلت من تحرير عقد بيع ثاني لصالح شريكة بدور المدعوة "ج" لدى الموثق "ا.ح" بالمرادية بتاريخ 16/6/98، في حين كان أحد زملاء المهنة المدعو الأستاذ "ط" بالحراش قد حرر عقد وعد بيع العقار بين "س" والضحية قبل يوم من هذا التاريخ، التزمت فيه الهاربة "س" بكافة الضمانات القانونية بعد وعدها ببيع العقار.. في هذا الشأن، حرر الموثق "ط" شهادة مؤرخة في 5/2/02، اعترف فيها بتحريره عقد وعد البيع الذي بحوزة المجاهدة "ب.ر"، مؤكدا أن هذا الإجراء يلزم إتمام الإجراءات القانونية المتمثلة في الشهر العقاري لنقل الملكية بعد حصول سميرة بودور على تأشيرة الشهر العقاري لعقد ملكيتها... هذه التأشيرة كانت قد أخفتها على الضحية بتواطؤ محرري عقد شراء العقار من الوكالة. في هذا الإطار، كان بإمكان تسهيل مواصلة إجراءات البيع بعد إدانة المتهمة "ب.س" بالنصب والاحتيال باختفائها نهائيا، يتأكد أنها كانت تقود عصابة تبتز أموال الناس عن طريق بيع العقار، يحاول اليوم أعضاء شبكتها الحيلولة دون تمكين الضحية "ر" من حقوقها حتى لا ينكشف أمرهم وأمر من تواطأ معهم في مثل هذه العمليات التي لو تم تمحص الوثائق وفهم الوقائع، لما بقيت القضية بدون تشفير لمدة تقارب تسع سنوات. خاضت عائلة المجاهدة "ب" معركة قضائية شرسة، ومقاومة تشبه مقاومة "لالة نسومر" ضد الاستعمار الفرنسي. ولكن أمام قوة نفوذ شبكة "ز.ج" و"ب.س"، وجدت نفسها متشردة في الشارع بعدما تم تسخير القوة العمومية لإخراج أصحاب الحق من مسكنهم، في حين لم تتمكن هذه السلطات من الالتزام بمحتوايات الحكم الصادر لصالح الضحايا بتاريخ 23 أكتوبر 2002.. تناقض صارخ، فهل يعقل أن لا تتنبه السلطات إلى أمر بيع العقار مرتين، وتتجاهل وثائق البيع لصالحهم وتجتهد لإهانة مجاهدة كانت قد باعت منزلها من أجل اقتناء مسكن لغم لتفجير عائلتها باسم القانون؟ المجاهدة التي لا تزال مطرودة من أملاكها حتى الآن، قامت النصابة "ز.ج" بتسليم العقار للشخص الذي كان وراء كل متاعب عائلة "ب"، حيث قام بتهديمه كليا لإخفاء آثاره وهو حاليا يشيد على أنقاضه فيلا آخر طراز. مثل هؤلاء الأشخاص هم من رجالات القانون، فهل يأتي اليوم الذي ترفع عن هؤلاء حصانة المسؤولية ويتقي المواطنون شرهم الذي قننوا له قوانين جعلت أملاك وأموال الضعفاء في متناولهم.